يوميات خليفة مسلم

يوميات خليفة مسلم

قال المسعودي يرحمه الله : كان من أخلاق معاوية رحمه الله تعالى  أنه يقضي يومه على الهيئة الآتية

-         كان إذا صلى الفجر جلس للقضاة حتى يفرغ من قضيته. ثم يدخل فيأتي بصحفه فيقرأ أجزائه. ثم يدخل

منزله فيأمر وينهى. ثم يصلى أربع ركعات.

-          يخرج فيأذن لخاصته فيحدثهم ويحدثونه. ويدخل عليه وزرايه فيكلمونه فيما يريدون. ثم يؤتى بالغداء

الأصغر، وهو فضلة عشاء الليل وما أشبه ذلك. ثم يتحدث طويلا. ثم يدخل منزله لما أراد.

يخرج ضحوة النهار فيقول: يا غلام، أخرج الكرسي، ويسند ظهره إلى المقصورة، فتقدم إليه الامرأة والضعيف ومن لا له أحد، لا يمنعهم عنه مانع. فيقول أحدهم: ظلمت، فيقول: خلصوه. فيقول الآخر: عدى علىّ، فيقول: ابعثوا معه. ويقول الآخر: صنع بي، فيقول: انظروا فى أمره، حتى إذا لم يبق لأحد أمر يشكى منه، دخل فجلس على السرير. ثم يقول: ايذنوا للناس على قدر مراتبهم ولا يشغلني أحد عن رد السلام. فيقال: كيف أصبح أمير المؤمنين؟ أطال الله بقاه. فيقول: بنعم من الله، فإذا استووا جلوسا قال: يا هؤلاء، إنما سمّيتم أشرافا لأنكم شرفتم على من دونكم بهذا المجلس. فارفعوا حاجة من لا يصل إلينا. فيقوم الرجل فيقول: استشهد فلان، فيقول: افرضوا لولده، ويقول الآخر: غاب فلان عن أهله، فيقول: تعاهدوا بيته وأهله، اقضوا حوائجهم.

وبعد انتهاء المجلس يؤتى بالغداء الأكبر فيتغدوا عنده على سبيل الممالحة، ثم ينصرفوا من عنده، ويدخل منزله. فلا يطمع فيه طامع حتى ينادى بالظهر.

-         فيخرج فيصلى بالناس، ثم يصلى أربع ركعات. ثم يدخل إليه وزرايه فيتوامرونه فيما احتاجوا إليه بقية

يومهم، ويجلس إلى العصر.

-         ثم يخرج فيصلى العصر بالناس. ثم يدخل منزله فلا يطمع فيه طامع، حتى إذا كان في آخر أوقات

العصر خرج فجلس على سريره، ويؤذن للناس على منازلهم، ويؤتى بالعشاء فيفرغ منه بمقدار ما ينادى للمغرب، ولا يدعى له بأصحاب الحوائج. ثم يرفع العشاء، ويصلى بالناس المغرب.

ثم يصلى أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة خمسين آية يجهر تارة ويخافت تارة. ثم يدخل منزله فلا يطمع فيه طامع حتى ينادى بالعشاء الآخرة

-         فيخرج فيصلى بالناس. ثم يؤذن بالخاصة وخاصة الخاصة والوزراء والحاشية، فيشاورونه فيأمر بما

أحب، وينصرفوا الوزراء والحاشية، وتقيم الخاصة والندماء والأدباء والفضلاء فيسهروا إلى ثلث الليل في أخبار العرب وأيّامها والعجم وملوكها وسياستها لرعاياها وغير ذلك من الأمم السالفة.

ثم تأتيه الطرف اللطيفة من عند نسايه من الحلواء وغير ذلك من المآكل اللطيفة الخفيفة.

-         ثم يدخل فينام ثلث الليل الوسط. ثم ينتبه ويتوضأ ويصلى أربع ركعات، ويحضر الدفاتر على الشموع

فيقروا عليه في سير الملوك وأخبارها والحروب والمكايدة، فيقرأ ذلك عليه غلمان له قد رتبهم لذلك، وقد وكلوا بحفظها. فلم يزل كذلك إلى الفجر الأول، فيكون الأمر على ما تقدم.

وروى لمعوية رضى الله عنه من شعره ما رواه أهل الأدب من الثقات يقول من الوافر:

نبذت سفاهتي وأرحت حلمي … وفىّ على تحلّمي اعتراض

على أنى أجيب إذا دعتني … إلى حاجاتها الحدق المراض

ومن شعره أيضا من الطويل:

إذا لم أجد بالحلم منّى عليكم … فمن ذا الذى بعدى يؤمّل للحلم

خذيها هنيّا واذكري فعل ماجد … حباك على فعل العداوة بالسلم

-------

-         مروج الذهب ومعادن الجوهر – المسعودي (3/ 29)

-         كنز الدرر وجامع الغرر - أبو بكر بن عبد الله بن أيبك الدواداري (4/ 73)