الأحد، 31 ديسمبر 2017

هل جربت لذة العفو مع القدرة الانتقام

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
هل جربت لذة العفو مع القدرة الانتقام
ومن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه نتعلم
ليكون ذلك سبيلا للفرج
وما أكثر المواقف التي كان فيها النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عفوا مسامحا
عن ابن أبي مليكة، قال:
ركب عِكْرِمَةُ الْبَحْرَ فاراً من وعيد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد أهدر دمه فَأَصَابَتْهُمْ قَاصِفٌ فَقَالَ أَهْلُ السفينة لأهل السفينة: أخلصوا فإن آلتهكم لا تغني عنكم شيئاً ها هنا، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ يُنْجِ فِي الْبَحْرِ إِلَّا الْإِخْلَاصُ فَإِنَّهُ لَا يُنْجِي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إِنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِيَ مُحَمَّدًا حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ فَلَأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا، فَجَاءَ فَأَسْلَمَ
ــــــــــــــــــــــــ
-       المنتظم في تاريخ الملوك والأمم – ابن الجوزي(4/ 156)
-       البداية والنهاية – ابن كثير (4/ 341)



أن تشتم حال ، وأن ترد الشتيمة حال آخر

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
أن تشتم حال ، وأن ترد الشتيمة حال آخر
أما أن يجري الشتم على لسانك لتصبح صفتك وكما يقال : الشَّتيم والشَّتيم في العربية الكريه الوجه ، وليس الكره هنا في صورة الوجه بل في بذاءة لسانه
شُتِم المسلمون في أحد فقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : يَوْمُ بِيَوْمِ بَدْرٍ، أَلَا إنّ الْأَيّامَ دُوَلٌ، وَإِنّ الْحَرْبَ سِجَالٌ. فَقَالَ عُمَرُ: لَا سَوَاءَ، قَتْلَانَا فِي الْجَنّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النّارِ!
فقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزّى وَلَا عُزّى لَكُمْ!
فَقَالَ عُمَرُ: اللهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ!
لم يجر في الكلام : لا لفظ أبوكم ولا أمكم ولا .. ولا ...
وتسير في الشارع لتجد طفلا بحاجة لرعاية يؤذي بسوء تصرف ، أو شاب متهور يسير في دراجته النارية بسرعة ، فتصك أذنك قذائف ، قد تودي بقائلها إلى جهنم ، وليتها أصلحت !
ليك ابن الحرام ... ليك ... وليك ....
كوارث من ألفاظ لو أن الشرع حاكمنا لعوقب صاحبها ....
عندما نؤذى قد نرد فلقد آذت قريشا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمر حسان بالرد عليهم ولكنه أدرك أثر ذلك ، فاشترط عليه ...
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجَاءِ المُشْرِكِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَكَيْفَ بِنَسَبِي» فَقَالَ حَسَّانُ: لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ العَجِينِ
وكم سَبَبنَا نحن ، وكأن الكلام لا حسابه عليه .. وكنا نحن ضمن دائرة من نسب
صحيح البخاري (8/ 36)


القدس مدينة يُشَدُ إليها الرحال

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
القدس مدينة يُشَدُ إليها الرحال
فَعَنْ قَزَعَةَ، مَوْلَى زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ، وَقَدْ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، قَالَ: ...... وَلاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى "
وتملؤ صفحات وسائل التواصل الاجتماعي صور تعبيراً عن الألم الواقع على القدس وأهلها
وأنا لا أشكك في محبة المسلمين للقدس
ولكن في التاريخ نقرأ أن صلاح الدين حرر القدس وننسى أن الكامل بن محمد بن العادل الأيوبي أعادها هدية للفرنجة تعبيرا وتقدير وللمساعدة في قتال أخوته وأبناء أخيه
وأسأل عن سر نشر صور القدس
أهو الحب أم أنه ادعاء الحب ، فمن أحب سعى بمصداقية لنوال من أحب
أهو استجابة ، أم صدى لما أراد الإعلام الخارجي ترويجه
رجل سُبي بيته وقام السارق بتغيير في واقع غرفه ، فحول حجرة النوم ليجعلها غرفة للضيوف أو كما يقال المسافرين ، وصاحب البيت يصرخ يا ناس بجوز هيك ساوالي حُجْرة النوم للضيوف؟!
الحق أنّا لا نريد أن نُتَّهم بالتقصير ، ومقولتنا أشو طالع بإلايد ...
عماد الدين الزنكي كان صادقاً في حبه للقدس وأثبت واقع حياته ذلك ، كان جنديا لا أكثر من جنود الموصل ، ارتقى بصدقه ليصبح قائدا يحرر سوريا الداخلية من الفرنجة تمهيداً للوصول للقدس ، حمّل الآمانة لولده نور الدين والذي عرف بالخليفة الراشيدي السابع فتابع نور الدين سيرة والده ، وصنع في حلب منبراً للمسجد الأقصى والذي نقله إليها صلاح الدين بعد تحريرها
كان أبرز صفات عماد الدين التقوى ومن صورها أنه كان يأمر جنده بشد لجام الفرس إن اضطروا للمرور في أرض مزروعة ، فكانوا يسيرون وراءه كالخيط وإن حدث وقضم الحصان شيئا من الزرع غرم لخطئه ...
وأسأل وإن افترضنا أن لا حول ولا قوة لنا في القتال لتحرير القدس
ترى أفلا حول لنا ولا قوة في إحداث تغيير مهما قل وفي سلوكنا يرضي الله ونبتغي به وجه ربنا
ألم يفرج الله عن أصحاب الغار ببركة الأعمال الصالحة وأزاح عنهم الصخرة
ماذا يفعل الغضب الصوري ، وهناك سفارات عربية ستكون في القدس ؟!
صدقوني ستعود القدس ولكن على أيدي من إذا سمعوا قال رسول الله : قالوا سمعاً وطاعة
وأنا والله لا أصدق لا نفسي ولا سواي إن ادعيت محبة القدس وحياتنا في معصية خالقنا
لنحدث تغييراً في حياتنا يقربنا لله ولنثبت عليه وبذلك نكون قد وضعنا القدم في الطريق الصحيح لنُصرةٍ حقيقيةٍ للقدس 
ــــــــــــــــــــــــــــــ
-       صحيح البخاري (3/ 19)


الصَّحَفِيُّ كثيرون يجهلون معنى الكلمة أو ربما غاب عنهم معناها


صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
الصَّحَفِيُّ
كثيرون يجهلون معنى الكلمة أو ربما غاب عنهم معناها
في عالم اليوم كلمة – صحفي - يقصد بها محررا ومثقفاُ يتولى تحرير جريدة
جاء في قاموس العين ، لسان العرب: والصَّحَفِيُّ: هو الذي يَروي الخَطَأ عن قِراءة الصُّحُف بأشباه الحُروف.
وقي تاج العروس والصَّحَفِيُّ ، من يُخْطئُ فِي قرَاءَة الصَّحيفَة
والقراءة الصَّحفِية منشرة اليوم فهي مرور عابر على صفحات الجرائد يلتقط القارئ منها سريعاً دون تدقيق ولا تمحيص ،عبارة أو جملة....
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العين (3/ 120)
لسان العرب (9/ 187)

تاج العروس (24/ 6)

العصابة والعمامة من اللباس عند المسلمين

العصابة والعمامة من اللباس عند المسلمين
العصابة اسم للشيء الذي للرأس خاصَّة، وكلُّ شيء يُعصب به فهو عِصابٌ
والعَمائمُ قد يُقَالُ لَهَا العَصائبُ، قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وَرَكْبٍ، كأَنَّ الرِّيحَ تَطْلُبُ مِنْهُمُ ... لَهَا سَلَباً مِنْ جَذْبِها بالعَصائبِ
وَمِنْهُ أيضاً قَوْلُ المُخَبَّلِ فِي الزِّبْرِقانِ:
رَأَيْتُك هَرَّيْتَ العِمامةَ، بعدَ ما ... أَراكَ، زَماناً، حاسِراً لَمْ تَعَصَّبِ
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المِنْبَرَ، وَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ مُتَعَطِّفًا مِلْحَفَةً عَلَى مَنْكِبَيْهِ، قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسِمَةٍ ...
وعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمُ الْبَرْدُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْا إِلَيْهِ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْبَرْدِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ»
والعمامة من لباس الرأس قال ابن المنظور في اللسان
أَنشد ثَعْلَبٌ:
أَلْقى عَصاهُ وأَرْخى مِنْ عِمامَته ... وَقَالَ: ضَيْفٌ، فَقُلْتُ: الشَّيْبُ؟
والْعِمَامَةُ. كَانَتِ التِّيجانُ لِلْمُلُوكِ، والعمائمُ الحُمْرُ لِلسَّادَةِ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ الأَزهري: وَكَانَ يُحْمل إِلى الْبَادِيَةِ مِنْ هَراةَ عَمَائِمُ حُمْرٌ يَلْبَسُها أَشرافُهم. وَرَجُلٌ مُعَصَّبٌ ومُعَمَّم أَي مُسَوَّدٌ، قال عمرو ابن كُلْثُومٍ:
وسَيَّدِ مَعْشَرٍ قَدْ عَصَّبُوه ... بتاجِ المُلْكِ، يَحْمي المُحْجَرينا
وحدث رُكَانَةُ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ فَرْقَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ العَمَائِمُ عَلَى القَلاَنِسِ.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَمَّ سَدَلَ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْدِلُ عِمَامَتَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسند الإمام أحمد (37/ 66)
لسان العرب (1/ 602)
العين – الخليل بن أحمد (6/ 68)
سنن الترمذي (3/ 300)
صحيح البخاري (2/ 11)


التَّساخينُ  : الخفاف

دسمة : فيها سماكة

بحثت عن معنى : كلام الليل يمحوه النهار

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
بحثت عن معنى : كلام الليل يمحوه النهار
فوجدت أننا كثيراً ما نخلف وعدا قطعناه على أنفسنا فنبرره بتلك المقولة
تقول كتب الأدب أن محمد الأمين بن هارون الرشيد وزبيدة رحمهم الله ، كان يطوف في قصر له، إذ مر بجارية ، وعليها كساء خزّ تسحب أذياله، فطلب مسامرتها، فقالت: يا أمير المؤمنين، أنا على ما ترى، ولكن إذا كان في غد إن شاء اللَّه! فلما كان من الغد مضى إليها فقال لها: الوعد! فقالت يا أمير المؤمنين، أما علمت أن كلام الليل يمحوه النهار؟ فضحك وخرج إلى مجلسه فقال: من بالباب من شعراء الكوفة؟ وكان منهم : مصعب، والرقاشي. فأمر بهم فأدخلوا عليه. فلما جلسوا بين يديه قال: ليقل كل واحد منكم شعرا يكون آخره.
كلام الليل يمحوه النهار فأنشأ الرقاشي يقول:
متى تصحو وقلبك مستطار ... وقد منع القرار فلا قرار
وقد تركتك صبّا مستهاما ... فتاة لا تزور ولا تزار
إذا استنجزت منها الوعد قالت ... كلام الليل يمحوه النهار
وقال مصعب:
أتعذلني وقلبك مستطار ... كئيب لا يقرّ له قرار
بحبّ مليحة صادت فؤادي ... بألحاظ يخالطها احورار
ولما أن مددت يدي إليها ... لألمسها بدا منها نفار
فقلت لها عديني منك وعدا ... فقالت: في غد منك المزار
فلما جئت مقتضيا أجابت: ... كلام الليل يمحوه النهار
ترى كم مرة قلنا وإن في أنفسنا ، كلام الليل يمحوه النهار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العقد الفريد (8/ 115)


كُشاف الهيئة ضرورة افتقدناها

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
كُشاف الهيئة ضرورة افتقدناها
والمقصود هنا الصورة الحقيقة للمرء
نتعامل ، نصاحب ، نصادق ، نتزوج نزوج أبنائا ، نقف مع ؟ ..دون كشف هيئة
وكشف الهيئة هنا نتركه للزمن ولربما كان كان تأخيره سبباً في دمار الكثيرين
لقد أضحى كشّاف الهيئة عندنا الشبكة العنكبوتية
غالب الناس فيها أومن خلالها في صلاح !
مثلي أدعي الصلاح بمحبة الإمام الشافعي رحمه الله
وأخطر الصور أن تتلقى عقيدتك من خلال تلك الشبكة
كان السلف الصالح وفي طلب حديث من كلمتين ينتقل بين الشام والاندلس لا ليسمع الحديث من فم صاحبه مواجهة بل ليسأل عنه تاريخيه حياته في بيته
كيف كان في شبابه ، علاقته مع الناس وحتى يصل الأمر لاحتبار ذاكرته وذكائه
كل ذلك قبل أن يلقاه ، وقد يعود دون أن يواجهه ؟!
ونحن ننشر تاريخاً هو نسبنا دون مصدر
حديث شريفا مكذوبا تشير لناشره بذلك فيشكرك ، ويبقي الحديث على صفحته
لا يكذبك وهو بنفس الوقت لا يتحقق
عذره تجميل الصفحة ، والحصول على الاعجاب
والمؤلم أن كثرا من يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وكم تمنيت من أحدهم أن يقول لناشره جزيت الخير ولكن أين سند الحديث
أصحيح هو ، أم .....
ترى أحبنا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتبدى بالكذب عليه ؟!

وصبيحتكم مباركة

دعوة للتروي ومن الخليل بن أحمد نتعلم

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
دعوة للتروي
ومن الخليل بن أحمد نتعلم
قد ندخل البيت لنجد أهل بيتنا أو أحدهم على غير الحالة التي عهدنا
وربما فاجأنا أحد أصحابنا فدخل علينا ، فسمع أو رأى من حالنا فاستغرب ، ودون أن يتبين أشاع ما سمع وما رأى
كثيرا ما نسمع مقطعا لعالم جليل فُبْرِك والقصد الإساءة إليه ليصدر حكمنا ظالم فنتهمه
حكي أن الخليل كان له ولد جلف - وقيل : أعرابي - فدخل عليه يوماً فوجد أباه قد أدخل رأسه في حب وهو يقطع بيت شعر فخرج صارخاً يقول أدركوا أبي فقد جن فدخل إليه أصحابه وأعلموه بما قال ولده فأنشد مخاطباً له
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنت أجهل ما تقول عدلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني ... وعلمت أنك جاهل فعذرتكا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جمهرة أشعار العرب – للقرشي (ص: 43)
غرر الخصائص الواضحة – للوطواط (ص: 252)

الخليل بن أحمد (100 - 170هـ، 718 - 786م).
أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري. وهو عربي الأصل من أزْد عُمان. لغوي ومعجمي ومنشئ علم العروض.
نشأ الخليل بن أحمد بالبصرة وتربّى فيها، وكان مولعا بالدرس والبحث. وقد لازم حلقات أستاذيه عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء. وأمّا أستاذه عيسى بن عمر فقد كان إماماً في العربية والقراءات، وصنف كتابي الجامع والإكمال. وأبو عمرو بن العلاء كان أستاذاً للعربية وإماماً في دراستها. وقد روى الخليل عن أيوب وعاصم الأحول وغيرهما وأخذ عنه سيبويه والأصمعي والنضّر بن شُميَْل. قال ابن المعتز: «كان الخليل منقطعًا إلى الليث فيما صنفه». وهو أستاذ سيبويه. والحكايات والمرويات المذكورة في كتاب سيبويه كلها مروية عن الخليل وكلما قال سيبويه ¸وسألته·، أو ¸قال· من غير أن يذكر قائله فهو يعني الخليل.
وقد وهب الله الخليل بن أحمد ذكاءً خارقًا وفطنة كانت مضربًا للمثل في عصره. وجمع إلى ذلك تقوى وزهداً وورعًا وهمّة عالية. وقد فُتحت له مغاليق أبواب العلوم ، فهو عالم اللغة والنحو والعروض والموسيقى وكان شاعرًا.
فتحت معرفته بالإيقاع والنظم له بابًا لابتكار علم العروض. فقد نظر في شعر العرب وأحاط بإيقاعاته. ودفعه حسّه المرهف وتذوقه للإيقاع لاستخراج علم العروض، حيث اهتدى إلى أوزان الأشعار وبحورها وقوافيها. وأسدى بمجهوده هذا خدمة جليلة عظيمة للشعر العربي لم يسبقه إليها سابق، وجاراه فيها من أتى بعده. وظلت تُنسب إليه إلى اليوم.
وللخليل من التصانيف: كتاب العين وهو أوّل معجم في العربية؛ كتاب النّغم؛ كتاب العروض؛ كتاب الشواهد؛ النقط والشّكل؛ كتاب الإيقاع.



إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ومن توبة القعنبي نتعلم

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ
ومن توبة القعنبي نتعلم
لنتصور أنّا على معصية ، وما أكثر ما نعصي الله تعالى
يواجهنا شخص لا نعرفه ونحن في حالة لا ترضي الله
ألفاظ فاحشة .. ننطق بها ..
غش في عمل ... أو صنعة ... أو سوءاستخدام منصب ..
يلهمه الله أن يتوجه إلينا بالقول : أما آن لك أن تصلح من نفسك ، أما عدت تستحي لا من خالق ولا مخلوق
ترى كيف سيكون وقع ذلك علينا
هل نتريث لتفكر فتجيب ؟ أم أننا نرد الكيل عليه ؟
اقرأ معي قصة القعنبي وهو من سادة علماء السلف
حدث بعض من ولد القعنبي بالبصرة قال: كان أبي يشرب النبيذ ويصحب الأحداث فدعاهم يوما وقد قعد على الباب ينتظرهم فمر شعبة على حماره والناس خلفه يهرعون.
فقال: من هذا؟ قيل: شعبة. وشعبة من سادات المحدثين
قال: وأيش شعبة؟ قالوا: محدث.
فقام إليه وعليه إزار أحمر فقال له: حدثني فقال له: ما أنت من أصحاب الحديث فأحدثك فأشهر سكينه وقال: تحدثني أو أجرحك؟.
فقال له: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ"
فَرَمَى سِكِّينَهُ وَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَقَامَ إِلَى جَمِيعِ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الشَّرَابِ فَهَرَاقَهُ وَقَالَ لأُمِّهِ: السَّاعَةَ أَصْحَابِي يَجِيئُونَ فَأَدْخِلِيهِمْ وَقَدِّمِي الطَّعَامَ إِلَيْهِمْ فَإِذَا أَكَلُوا فَخَبِّرِيهِمْ بِمَا صَنَعْتُ بِالشَّرَابِ حَتَّى يَنْصَرِفُوا.
وَمَضَى مِنْ وَقْتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَزِمَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ فَأَثَرَ عَنْهُ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَقَدْ مَاتَ شُعْبَةُ وكان حسرة العقنبي فَمَا سَمِعَ مِنْهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ.
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ، إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»
ــــــــــــــــــــــــــ
-       أحمد 4/121 - 122, البخاري 3483 - 3484, أبو داود 4797, ابن ماجة 4183 .
-       التوابين لابن قدامة (ص: 133)



ترى أنحن قادرين على قول الحقيقة كاملة

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
القدرة على قول الحقيقة
ترى أنحن قادرين على قول الحقيقة كاملة
أم أننا نحرص على قول نصفها وربما أقل
نرضى بالحزن الذي يعترينا نتيجة ذلك لأول مرة
ومن ثم نتمادى حتى تغمرنا السعادة الشيطانية معلنة موت قلوبنا أو إشرافها على الموت حية
قال الكاتب دو ولش لزميله دار لنكور أتدري أننا – أنا وأنت – أعظم ناشرين في أوروبا ؟
فقال دار لنكور : يمكن أن يكون في كلام هذا نصف الحقيقة
ـــــــــــــــ
المصدر : مجلة العربي


رسالة حنين كتبها الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمة الله عليه رثاءً لحبيبته وزوجته

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى كل من كان الوفاء ديدن حياته
إلى كل من فقد ما لا يعوض
إلى من كان حبه ذاكرته وذاكرته حبه
أهديكم رسالة خاصة خاصة جدا
هي رسالة حنين كتبها الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمة الله عليه

رثاءً لحبيبته وزوجته
أميرة رحمها الله
ما رأيت أرق منها وأحن من كلماتها
وأكثر منها عاطفية وشغفا واشتياقا للحبيب
الذي رحل بتقدير قادر
إليكموها
أميرة
الحلم الذي طاف بكياني اثنين و أربعين شهراً..
هي زوجتي التي نكبت بفقدها في غضون 1975
وتغشاني من ذلك كرب شديد.
أما الكلمة التي أخرجها اليوم بعد أكثر من عشر سنوات
من ملف أوراقي ، و التي لم يطلع عليها إلا ثلة
من أخص الأصدقاء و الأحباب ، فإنما يحفزني إلى نشرها
و وضعها بين يدي القراء ، غيرةٌ بالغة على قطعة من النثر
أودعتها أعز مشاعري و خلجات قلبي ، و صقلتها بأغلى
ما أملك من صلة ما بين جناني و لساني ، و هو صدق الشعور
و عفوية التعبير ، أن تذوي مع الزمن
ثم تضيع في داخل الأدراج.
أما الحادثة فقد طويت ، و أما المصاب فقد أبدلني الله عز و جل
عنه خيراً ،و أما هذه الكلمة ، فقيمة فنية باقية
لمن شاء أن يرى لها هذه القيمة ، و تخليد لوفاء جميل
عمره الدهر كله..ثم إنها عبر كبرى لكل من أراد أن يعتبر.
أميرة
يا أجمل حلم طاف بكياني اثنين و أربعين شهراً
يا سنا برق أومض في حياتي من علياء الجنان
أميرة
يا اسماً غدا آخر زهرة أملكها في واحتها المصوحة ، و جنتي المقفرة ، يا بقية نعيمي المدبر ، و يا ذكرى خميلتي الغناء ، و يا شفق شمس دفنها المغيب.
أميرة
هذه شهور ستة مضت على اليوم الذي أسدل فيه الموت بيني و بينك الحجاب ، و لا تزال كآبة الدنيا في وجهي و حول قلبي كما هي .. لم يغلق الهم دوني بابه، و لم يفتح الأنس أمامي نحوه من سبيل.
لا تزال دنيا الناس من بعدك غريبة عني ، و لا يزال ضوضاؤها يلسع فؤادي كأنه قهقهة الشامتين.
لا تزال جراح قلبي تتنزى بالألم و تغرق في اللهب. لم يطفئها كر الغداة و لا تقادم الأيام ، و لم يخفف من لظاها وطأة اليأس ، لا نسيم الأمل ، و لا هاجس الأحلام...
لقد عادت الدنيا من بعدك تدور دورتها ، و تسير في دربها ، كأن شيئاً لم يقع!..
لا تزال الشمس تطل كل صباح من خلف دارنا كما كانت ، و لا تزال تبعث الأشعة نفسها من خصاص النافذة إلى الجدار المقابل.. حتى إذا جنحت نحو مغيبها اصفرت ذاوية كعادتها ، ثم لملمت أذيال نورها و احتجبت خلف الهضاب.
صفحة السماء في الليل ، لا تزال من بعدك كما هي ، و لا تزال كواكبها المنثورة التي لا تحصى يخفق بياضها في سواد الليل الحالك كحبات الماس التي كانت تخفق فوق خملة فستانك الخمري الجميل.
و الربيع... لقد عاد الربيع من بعدك دون أي اختلاف عن ربيع عامنا الفائت ، يوم كنا نتمرغ فوق سندسه تحت أزهار المشمش و الخوخ في البستان الممتد أمام بيتنا الصغير ، و يوم كنت نستنشق معاً فوح بساطه الملون على سيف البحر في طريقنا إلى اللاذقية!..
لم يختلف شيء من ذلك كله من أجل طول بكائي ، و لم تذبل زهرة واحدة منه في ضرام أشجاني.
و طيوره الصادحة كعهدك بها تماماً ، لم ينقطع تغريدها ، و لا اختلفت أنغامها ، و لم يظهر لأحزاني أي أثر متميز في شدوها و تغريدها الذي تعرفين.
و البنفسج الذي تحبين ، و الزنبق الأصفر البري الذي جمعتِ لي منه باقة من بين غابات كسب ، لا يزال يفوح بالرائحة نفسها دون أي نقص أو اختلاف.
و نقيق الضفادع في الساقية المجاورة ، عاد مع الربيع الجديد يوقظ النائم مع تباشير كل فجر جديد ، في ترنيمة جماعية صاخبة كما تعهدين.
و الناس.. الناس و الأصدقاء الذين اكتأبوا لمصابي و لبسوا سيما الحزن في وجوههم من أجلي ، خلعوا سيماهم بعد ساعات ، و انفضت عني جموعهم ،و انصرف كل إلى شأنه و دنياه.
حتى الأقربون من أهلك ، بكوا ..أو تباكوا لي حيناً من الوقت ، ثم ما كادت جعبة ذاكرتهم تفرغ من عبارات الحزن و الآلام ، و ما كادت ألسنتهم تمل من تكرارها ، حتى عادوا هم أيضاً (فيما بينهم) إلى لهوهم و أفراحهم ، و عادت لياليهم كما كانت ، عامرة بالمآكل الشهية و الأسمار العابثة ، أما الحديث عنك ، فقد أصبح واحداً من الأرقام في قائمة الأحاديث التي تمتع بها النفس و يزجى بها الوقت.
لقد تابع الزمن مساره من بعدك كما كان ، و تابع الناس معه رحلتهم الصاخبة خلال الحياة . و بقيت وحدي الغريب بينهم ، المتخلف عن ركابهم ، الشارد عن سبيلهم .
تشرق الشمس ، فلا أراها إلا مدبرة عني ، كاسفة عن بصري ، فإذا غربت ودعتني بلحن صامت يضرب في أغوار نفسي على قيثارة الموت ، و يمتزج بحشرجة الأنفاس الشاردة لحظة الوداع.
و يقبل الربيع ، بخضرة مروجه ، و فوح زهره و رياحينه ، فلا أرى من ذلك كله إلا ما يذكرني بربيع أيامي معك ، و يعيدني إلى عبير الدنيا في أنفاسك ،و يمرغني على شاطئ سندسي خلاب من دنيا عينيك الخضراوين.
و أنظر إلى الغادين و الرائحين في جوانب الأرض ، و المنغمسين في لهوهم و أفراحهم ،و المتعانقين سعياً وراء أمانيهم و غاياتهم ، فلا أجدني إلا كضائع بينهم ، غريب عن أحوالهم ، و لا أحس في ضجيجهم المرح العابث إلا بمثل ما يحس به المعذب إذ تتعالى من حوله صيحات الشامتين.
أسير معهم في الطريق الذي يسيرون ، و أتقلب معهم حيث يجتمعون و يتجالسون ، و لكن كما تسير سحابة صيف ، وسط رياح لاهبة ساخنة ، أو كما يتقلب غصن من بقايا الخريف بين أمواج تتدافع في عرض البحر.
لا أرى الدنيا إن ضحكت أو اكفهرت إلا مغموسة حولي بالكآبة و السواد ، كأنها لا تزال حبيسة في عمر ذلك اليوم الذي شيعت فيه أحلامي إذ أودعتك داخل صندوق ، ثم دفنتك في التراب!..
أميرة
لم يبق لي من نعيم دنياي بعدك ، إلا الذكريات التي تشدني نحوك و البقايا التي تنتمي إليك.
الناس يفرون من ذكريات مصائبهم و أحزانهم إلى أسباب المرح و النسيان ، أما أنا ، فلا يطيب لي إلا أن أفر من أسباب المرح و النسيان إلى ذكريات مصائبي و أحزاني.
لا يؤنسني إلا الحديث عنك ، و لا يطربني إلا استرجاع أيامي الخوالي معك.
و ماذا يصنع من افتقد أنيس حياته سوى أن يستأنس من بعده بالآثار و يترامى بين الأطلال؟؟
ماذا يفعل من افتقد ريحانة قلبه سوى أن يشم من بعدها عبير التربة التي نبتت فيها ، و يستنشق الهواء الذي كان يطوف من حولها؟؟
و لكني افتقدت من بعدك يا أميرة حتى بقاياك التي رجوت أن أركن إليها و أستأنس بها!..
فساتينك التي تحكي قدك الرائع ، لم أعد أعلم عنها شيئاً ، و لم يعد يعنيني من سبيل للاكتحال بها ، و لا لرئتي الظمآنتين من حيلة لاستنشاق عطرها و الاستغراق في أريجها.
شجرة الرمان التي طالما أظللتنا أغصانها ، في أيامنا الأولى ، و شجرة الياسمين التي طالما شربنا النشوة تحت ظلالها ، و الورود الباسقة الحمراء التي كانت تقرأ تحيات الطبيعة إلينا ، و تترجم عن فرحة الدهر لنا ، لم أعد أعلم ـ واحر قلباه ـ عنها شيئاً.
و باب داركم الذي كان ينفتح أمامي كلما أقبلت زائراً ، عن وجهك المشرق البسام ، لم تبق لي من وقفة عنده اليوم..
و هكذا انقلبت جنتي التي عرفتها بك إلى دار غربة لا تتعرف علي ، و استحالت الدنيا التي عرفتها ينبوع أمل و كنز سعادة ، إلى قفل كبير ، و سجن قاتم ، يصنع المزيد من آلامي ، و يزجني في مزيد من الغربة عن أيامي !..
و عادت دنيا الوفاء مهجورة كعادتها ، إلا من بقايا...و صور...و أطلال..
غير أنني سأتخذ من هذا العالم المهجور مهجعي و قراري ، سأجعل منه ساحة العهد التي لا أفارقها إلى يوم اللقاء . لن أخيس بصداقة من صادقتهم في سبيلك ، أهلاً كانوا أو رحماً أو جيراناً.
سأطوف حول داركم و إن لم أدخل إليها ، و سأستنشق هواءها غادياً و رائحاً ، مشرقاً و مغرباً..
سألتقط الجميل ، لا أذكر غيره ، و سأتوج حب قلبي بنار من الصبر.
إن بكيت ، فسقيا لأطلال تلوح في دنيا الوفاء.
أو تألمت ، فجزعاً من أن ينسى الجميل الباقي بعرض دنيا فانية.
أجل.. لقد نفضت يدي ـ يا حبيبة دنياي و آخرتي ـ من بقاياك . و لكن بقية غالية لا أزال أملكها ، إذ لم يضن علي أهلوك بها..
إنها أغلى ما يذكرني بريحانة روحك ، و يمزجني بدافئ حبك و تحنانك.
إنها رسائلك .. أوراقك..تلك القصاصات ، التي كنت تستودعينها صادق حبك لي ، مناسبات لم تدعي واحد منها تمر حتى تجسدي منها صفحة ناصعة تثبتين عليها بأرق العبارات أرق العواطف الجياشة ، و أعذب كلمات الحب و الهيام.
هذه الأوراق ، هي كنزي الثمين من بعدك ، إنني أحتفظ بها في صندوق صغير مضمخ بالعطر..
إنني أرتل نجواك و أردد كلماتك الباقية لي من بعدك ، في محراب خلواتي ، في دموع قدسية لذيذة ، يكرمني الله بها ، و يرحم بها وجيب قلبي الخفاق.
إنني أقرأ سطورك بعيون مشاعري و إحساسي ، فأبصر فيما بينها روحك الوادعة الرقيقة ، تحنو علي حنو الأم على وحيدها ، و تجذبني عن نار آلامي لتضمني إلى جنة فؤادك الخفاق.
يا حبيبتي الخالدة:
هل كنت ، و أنت تخطين لي بأناملك الرقيقة أروع آيات البيان عن مشاعر قلبك المحب ، تمنحينني زاداً من عصارة حبك الوردي ، أتبلغ به في دروب وحشتي من بعدك؟..
هل همست الأقدار في إحساسك ـ يا مليكة أرهف إحساس رأيت ـ أنك ستضعين لي من حبك أحر نار تكويني من بعدك ، و أنك لن تعيشي لي عمر حبك الطويل ، فأودعت في مهاد هذا الحب ترجمانك الخالد ، و طرزته بكلماتك الحلوة ، و توجته ببيانك الرائع الرقيق؟..
يا له من مهد عذب أليم!...
يا للضلوع المستعرة على جنباته!...
يا لفؤادي الهيمان وسط جنة ناره!...
أميرة
هل أحدث فيك وهماً ، جسدته في خيالي أصداء ماض طواه بئر الزوال؟..
أم أناجي فيك حقيقة تراني و لا أراها ، و تدركني دون أن أجد سبيلاً لرؤيتها أو الشعور بها؟..
معاذ الله!..
لقد علمت فيما درست من معارف الحياة الإنسانية ، و أيقنت بعد إيماني الجازم بالله و بكتابه و رسله ، أن هذا الذي نسميه موتاً إنما هو اليقظة الكبرى ، إنما هو شعور متكامل يخضع لأحكام و موازين غير التي تخضع لها حياتنا الدنيوية اليوم!..
هو ، فيما نرى ، من هدأة الجسم بعد حركته ، و انطفاء سر الحياة فيه بعد اشتعاله و التماعه ، عدمٌ تحكم به العين ، و زوال يحكم به الإحساس.
و لكن هيهات أن تكون منافذ الحس في هذه الحياة الإنسانية محيطة بسر الحياة أو دائرة الروح.
إن الحواس الإنسانية أثر من آثار هذه الحياة الدنيوية الضيقة ، و فرع صغير في أغصانها الكثيرة. فكيف يكون الفرع محيطاً بحقيقة الأصل ، عليماً بنهايته و مصيره؟
إن الموت ليس إلا لحظة انطلاق و تحرر للروح من ذلك القفص الجسدي الذي كانت حبيسة فيه ، و إن بدا أنه لحظة خمود و إقفار في حساب ذلك الجسد نفسه.
و من يدري ؟.. لعل الأموات يمارسون حيويتهم و انطلاقهم في جوانب الكون أكثر مما نمارسها نحن الذين أثقلتنا هياكل هذه الأجساد!..
من يدري.. لعل هؤلاء الأموات الذين نسميهم أمواتاً ، يمرون على مقابرنا الجسمية ، فيلحظونها بنظرة إشفاق على الروح الحبيسة في داخلها ، و يدعون لها بانبعاث قريب إلى عالم الأحياء!..
لقد عرفت كل هذا يا حبيبتي يوم أن منحني الله عقلاً حررته من التبعيات و الأغلال ، و وهبني إيماناً أقمته على بينات العلم و نواميس الوجود.
و إيماني هذا هو العزاء الوحيد الذي يمنحني نعمة الصبر على سعير ابتعادي عنك.
أنا أعلم علم اليقين أن الموت لم يطحنك بين شدقي العدم ، و لكنه انتقل بكينونتك الذاتية من عالم إلى آخر ، كل الذي أسدله الموت بيني و بينك هو حجب المقاييس و القوانين المتغيرة.
و إنني على يقين أننا سنلتقي .. سأنفذ إليك من الباب الذي سبقتني إليه ، و لسوف تعود قصة حبنا من جديد.
هذا إن أكرمني الله بخاتمة ترضيه ، و إلا...فوا كبدي للنذير الرهيب الذي يصرع اللب: ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ).
و يوم يفقد المحب الصادق نعمة هذا الإيمان ، ثم يضرب الموت بينه و بين حبيبه بسوره الرهيب الذي لا مرد له ، فإن جميع مبهجات الدنيا لا تبلغ أن تكون عزاء له.
بل لا بد له أن ينتهي إلى أحد نتيجتين : جنون مطبق ، أو انتحار مريع!..
غير أن هذه الحقيقة مهما كانت واضحة ، فإنها لا تحطم شيئاً من رهبة الموت في نفوس الأحياء.
أما أنا ، فإن شيئاً واحداً حطم هذه الرهبة من نفسي و محاها من كياني .
ألا و هو الأنس الذي شاع في حقيقة الموت بعد أن حللت في عالمه الغريب.
لقد كان الموت في عيني شبحاً رهيباً ، فإذا هو اليوم كائن جميل ، و لقد كان وادياً أجرد موحشاً ، فإذا هو اليوم واحة رائعة غناء .
لقد غدوت من بعدك ملاحاً غريباً تائهاً ، تتقاذفني أمواج حياة دكناء ، أرقب اللحظة التي تلوح لعيني فيها بارقة نور يهديني إلى شاطئ الموت.
كل ما أخشاه ، أن تزل بي قدم إلى ما لا يرضي مالكي العظيم جل جلاله ، فأتنكب بذلك عن سبيل السعادة ، ثم أقبل على الموت بخاتمة تقصيني عن رحمة الله ، و تضرب بيني و بينك حجاباً لا أملك اختراقه ، و تلك هي الشقوة التي تذيقني غصة الموت و الحياة.
إنني لشديد الخوف من هذه العاقبة!..
و لست أملك ضمانة تحفظني منها ، إلا الأمل برحمة الله.
إنني لا أتصور أن يقسو علي مولاي إلى هذا الحد ، مهما كنت شارداً عن سبيله ، مقصراً في القيام بواجباته.
إن ظني به أنه سيحوطني برعايته و إن لم أكن لها أهلاً ، و إني لمتعلق بعد ذلك بقوله: أنا عند ظن عبدي بي.
أمل آخر ، لا يغيب عني نوره ، و لا أزال أستنشق الأنس في بريقه ، و أعيش في طمأنينة من روحه.
إنه بعض من كلماتك النورانية في رسائلك الباقية الخالدة لي من بعدك .. إنه هذه الشذرات:
(
يا منية النفس...و توأم الروح..و أنشودة القلب..يا سعيد..جعلك الله سعيداً في الدنيا و الآخرة..سعيداً في حبك..سعيداً في حياتك..و جعلني سر سعادتك الدنيوية و الأخروية ، بل النبع الذي تروي به ظمأك ، و الدوح الذي ترتاح إليه نفسك ، و المنارة التي تضيء لك الطريق .. الطريق إلى الله.. طريق الحب الرباني .. لنسير معاً.. لنصل إلى شاطئ الأمان..شاطئ السلامة.. سر المعرفة الربانية..و لنرتشف معاً الحب الإلهي الخالص..
سعيد.. يا أسعد أيامي بقربك..إنني أنظر إلى المستقبل ..و ألمح بارقات الأمل تتراءى مبتسمة من بعيد..لأن الله جل و علا هو الذي ربط بين قلبينا بأوثق ما يكون من رباط..و كلله برحيق المحبة و الهناء ، و رزقنا المودة الأبدية في الدنيا و الآخرة..)
إنني لأظن يا حبيبتي أن روحك الوادعة الجميلة لا تفتأ تدعو لي بهذا الدعاء:
(
جعلك الله سعيداً في الدنيا و الآخرة..و جعلني سر سعادتك..) وأنت في مقام القرب من مولاك ، في مقعد صدق عند مليكك الكريم الوهاب..و إن هذا لبعض حق الوداد فيما بيننا.
و إنني على يقين أن ما كنت تلمحينه من بارقات الأمل ، إنما هو المستقر الأبدي السعيد الذي هيأه الله تعالى لنا في أكناف رحمته ، و تحت ظل غفرانه و لطفه، كشف الله عن سريرتك سبيلاً لشهوده و رؤيته.
و لكنك تجاوزت مخاطر هذه الدنيا و أهوالها ، بخاتمة يغبطك عليها الصديقون ، و بقيت من بعدك أتقلب في طياتها ، و أجدف عني أخطارها في دروب حالكة لا عاصم فيها إلا رحمة الله.
فيا نور السموات و الأرض ، يا من يجير و لا يجار عليه ، يا من أنقذ خليله من نار نمرود ، أنقذ عبدك من سعي هذه الدنيا ، و يسر لي في أكنافها سبيلاً إلى خاتمة ترضيك .
إملأ بقية أيامي في هذه الحياة رضا ، بل سعادة بحكمك ، و سخرني في كل لحظة منها لخدمة دينك ، ثم اختم حياتي بأحب الأعمال إليك ، حتى ألقاك و أت عني راضٍ يا أرحم رحيم ،و يا أكرم مسؤول.
أميرة
قيل لي : لقد ماتت ، فروض فكرك بعد اليوم على نسيانها ، فإن تعلق الحي بالميت سعي باطل لا حصيلة له!..
و لا و الله ، ما طرقت سمعي كلمة ـ مما قيل لي في باب التعزية و السلوى ـ أشد من هذه الكلمة و لا أوحش.
معاذ الله أن أكون قد شربت من محبتك كأساً بلغت بها الثمالة عند الموت!..
و معاذ الله أن يكون الموت عندي إلا تصعيداً لهذا الحب و تكريراً لرحيقه.
ما أحببت فيك مجرد قد معتدل ، شكل جميل ، و لقد منحك الله منهما الشيء الكثير.
و ما فتنت منك بمجرد أنوثة مما يهفو إليها الرجال ، على أنك كنت تقبلين إلي من ذلك بفن و تدبرين بفن.
و لكن الذي علقني بك فوق ذلك كله ، إنما هو صفاء روحك ، سمو إحساسك ، إشراقة قلبك.
أحببت فيك حبك الرائع لمولاك العظيم جل جلاله..
أحببت فيك الليالي التي كنت تساهرينني فيها بأنوثة عارمة ، و حب موله لا مزيد عليه ، حتى إذا اعتدل الليل ليمضي ، و رنق النعاس في العين ، و هفا الجنب إلى مضجعه ، جافيت جنبك عن المهاد ، و تسللت إلى الغرفة المجاورة ، و قمت تناجين محبوبك الأعظم بعيون ملؤها الدمع ، ثم ركعت فأطلت بين يديه الركوع ، و سجدت فأطلت على أعتابه السجود.
أحببت فيك حنينك إلى الله .
أحببت فيك أشواق قلبك و رقة شعورك.
أحببت فيك الذكر النابض بين كل عشية و ضحاها على لسانك.
أحببت فيك القلب الذي كنت أسمعه يخفق في هدأة النوم فأرى لسانك يتجاوب معه بذكر الله.
ألا سلمت يد تلك الصديقة التي غرست في فؤادك و فؤاد أترابك هذا السر الإلهي العظيم.
أحببت فيك النهاية..تلك النهاية التي توجت فيها عمر شبابك الغض بلحظة قدسية أخيرة اهتز لها سمع الزمان و المكان ، عندما قلت بملء فمك الجميل: الله.
مثل هذا الحب ، يولد ميلاداً جديداً بالموت.
و مثل هذا الحب يتلظى سعيره من جديد إذا دخله تاريخ الموت.
يا رفيقة الدرب في حياتي و موتي.
يا أنيسة العمر ، شبحاً و روحاً في عالم الأحياء ، و سراً روحانياً عظيماً في عالم الأموات : أما إن موتك زادني حباً على حب ، و لسوف يبقى حبي لك في ازدياد ، حتى يتمم الله فضله ، و تحين ساعة اللقاء.
و بعد..
هل تذكرين يا أميرة ، يوم كنت تسألينني أن أكتب لك فصلاً أشرح فيه مكنون حبي لك ، و أصور فيه عواطفي نحوك ، و كيف كنت تتلطفين لي بعرض هذا الرجاء بأسلوبك العذب الرقيق؟؟
يا للندامة..!
لقد تقثقلت يومها عن النهوض بتحقيق هذا الرجاء ، معتذراً لك بأن الرسائل إنما تكتب في حال البعاد ..و ما دام اللقاء موفوراَ فإن حديث اللسان أعذب و أقوى في البيان مما تخطه الأقلام.
واكبدي!.. لقد أورثتني هذه القسوة أمام ما كنت تتلطفين في رجائه ، ناراً هي اليوم لا تنفك تفري فريها الشديد في أحشائي.
لقد كان في قضاء الله أن تتأخر استجابتي لسؤالك إلى هذا اليوم.
فاقبلي يا حبيبتي رسالتي هذه إليك ، و إن جاءت متأخرة..و ليكن شفيعي أن ما أنفقت من دموع ، تعدل ما استهلكته عليها من مداد.
استلميها مني بطريقتك الجديدة ، في عالمك الجديد ، بعد أن كتبتها بطريقتي القديمة في عالمي البلقع المهجور.
بقلم
الشيخ العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي