الاثنين، 22 مايو 2017

من مات غريبا مات شهيدًا

من مات غريبا مات شهيدًا
الحمد لله جل ثناؤه وعظم سلطانه والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام
وكل مصيبة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تهون ، وقديما قيل إن المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته ، ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه ، فالسرور بما نناله من آخرتنا ، والجزع يكون على ما فاتنا منها، وخير هم المرء آخرته ,
وبعد
أقول حسبي الله ونعم الوكيل ، وأذكر قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم «لَوْلَا أَنَّهُ وَعْدٌ جَامِعٌ وَسَبِيلٌ مَأْتِيٌّ ، وَأَنَّ الْآخِرَ مِنَّا يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ لَوَجَدْنَا غَيْرَ الَّذِي وَجَدْنَا ، وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ، تَدْمَعُ الْعَيْنُ ، وَيَجِدُ الْقَلْبُ ، وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ ، وَفَضْلُ رَضَاعِهِ فِي الْجَنَّةِ»
ولقد وجدت من الحق لمن كانت بمثابة أمي بعد أمي وأختي وزوجتي وكانت رفيقتي وصديقتي وبكل ما عنت به الكلمات التي ذكرت من معنى ,
أن أنعيها إلى من عرفها ، فبقدر الله وقضائه إنتقلت إلى رحمة الله وعفوه المعلمة صبيحة بنت محمد عنفليص يوم الأربعاء 1/ 11/ 1435هجرية 27/8/2014 ميلادية ، الساعة الثامنة وعشرون دقيقة صباحاً إثر نزف دماغي في الجانب الأيمن ، وكانت رحمها الله قد أصيبت بنزف في الجانب الأيسر ، يوم الأثنين 27/ صفر / 1419 هجرية 27/ 8/ 1998 ميلادية أدى لشلل نصفي ، وكان من فضل الله تعالى عليها أن تذرعت بالصبر المقرون بالرضا لقضاء الله وقدره ، الأمر الذي أدى بها لتجاوزته حتى وصلت إلى حد مرض في صحتها لحين وفاتها رحمها الله تعالى
ولدت المربية المعلمة صبيحة بنت محمد عنفليص مع فجر يوم الأثنين 19/ شعبان / 1377 هجرية 10/ 3/ 1958 ميلادية , وقد نالت تعليمها الابتدئي والثانوي في مدينة معرة النعمان بن بشير الأنصاري وحصلت على أهلية التعليم الابتدائي من مدينة إدلب سنة 1400هجرية 1980 ميلادية ، وتزوجت 22/ 11/ 1400 هـ 2/ 10/ 1980 هـ ورزقت بمرفت وجميل ومحمد ولميس ومعاذ وعمرو ,
عينت إثر تخرجها في قرية كفرومة من ريف المعرة الغربي وفي سنة 1403هـ 1983 م نقلت بعدها لمدرسة عبد الفتاح قزيز في مدينة المعرة ومن ثم نقلت لمدرسة أسماء ذات النطاقين حتى أحيلت للتقاعد بعد ثلاثة شهور من مرضها سنة 1419هـ 1998 م
وإن شئت كزوج أن أقول فيها بضع كلمات فإني أختصرها بقولي : أنني فزت بإمرة كان الخوف من الله تعالى الصبغة التي اصتبغت بها حياتها ، حتى وفاتها رحمها الله تعالى ، فكل شيء في حياتها خاضع للنقاش قابل للحوار إلا أن تحس مجرد إحساس بأمر قد يغضب الله فالأمر لديها محسوم مبتوت ,
ولقد كانت في علاقاتها مع تلاميذها مثال للمعلم الذي يقود بسلوكه قبل كلماته ، وكذلك هي في بيتها وفي علاقتها مع أولادها ومن جملة صفاتها أنها استطاعت أن تميز بين دور الأب ودور الأم في البيت,
وفي المدرسة أيضاً ليس في ذاكرتي حادثة واحدة عن سوء علاقة كانت بينها وبين زميلاتها وكذلك كان شأنها في كل المدارس التي عملت بها .
وحتى في مرضها رحمها الله تعالى كانت قائدة حقيقة لبيتها حتى أنني وأشهد الله قد أنسيت مرضها بحسن خلقها وسمو روحها وطيب معشرها ، لا بل فقد تعلمت منها أشياء كثيرة كان من جملتها وربما كان من أجلها الصبر على قضاء وقدره الله تعالى 0
سعادتي وسعادة أبنائها كان ديدن حياتها إن حزنْتُ حزِنَت لحزني ، ولم تألو وسيلة كي تفرج عني
فإن سررت كان ذلك مبتغاها ومرادها .
وأشهد الله أنها كانت فاضلة تقية صالحة، تحب أن تتعلم ما يقوي عندها التقوى والفضيلة, وأجد من حقي القول أنها كانت من أكمل النساء إن نظرت إلي حلت مشاكلي ، تنظر إلى الدنيا بعين متلألئة بنور الإيمان ، مقرة بكل شيء ذو معناً سماوي 0
قلبها امتلأ برحمة سماوية المنشأ تبثه لتحقق معنى الأم المؤمنة بربها المحبة لنبيها عليه الصلاة والسلام 0
سرت في جنازتها وكأن البيت بعد خروجها قد ألبس ثوب قبر ، إلى مثواها الأخير وقد أعطته رحمها الله معنى البيت حيث دفنت في مقبرة الحلفا بادلب ,
وأنا أحتسب الفقيدة الغالية في زمرة الشهداءعند الله تعالى ، فلقد جمعت الفقيدة الغالية بين المرض والغربة ولقد ورد في الخبر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله : من مات غريباً مات شهيدا، وَوقي فتانَي، وغُدي ورِيح عليه برزقه من الجنة وورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله : «إِذَا حُضِرَ الْغَرِيبُ فَالْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ فَلَمْ يَرَ إِلَّا غَرِيبًا فَتَنَفَّسَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ نَفَسٍ تَنَفَّسَ أَلْفَيْ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَحَطَّ عَنْهُ أَلْفَيْ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، فَإِذَا مَاتَ مَاتَ شَهِيدًا» وعنه صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ مَرِيضًا مَاتَ شَهِيدًا، وَوُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ، وَغُدِيَ وَرِيحَ عَلَيْهِ بِرِزْقِهِ مِنَ الْجَنَّةِ»
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: «عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلاَسِلِ»وعند غير البخاري رحمه الله ( يساقون ) وذكر أن من هؤلاء أصحاب البلاء ,
لقد توفيت رحمها وهي مؤمنة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولسان حالها يقول راجية عفو الله ورحمته :
إني ادخرت ليوم ورد منيتــي ... عند الإلـــــه من الأمور خطيرا
قولي بأن إلهنـــــا هو واحد ... ونفيت عنه شـــــريكه ونظيرا
وشهادتي أن النبــــي محمدا ... كان الرسول مبشـــــرا ونذيرا
ومحبتي آل النبــــي وصحبه ... كلا أراه بالثنــــــــاء جديرا
وتمسكي بالشــــافعي وعلمه ... ذلك الذي فتـــــق العلوم بحورا
وجميل ظني بالإله لمـــا جنت ... نفســـي وإن حرمت علي سرورا
إن الظلوم لنفســـــه أن يأته ... مســــــتغفرا يجد الإله غفورا
فاشهد إلهي أنني مســـــتغفر ...لا أســـــتطيع لما مننت شكورا
هذا الذي أعددته لشــــدائدي ... وكفى بربي هاديـــــا ونصيرا
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا ، وَغَائِبِنَا وَشَاهِدِنَا ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ»
فمن هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها ، ولا ينال ما عنده إلا بتركها.
إلى الله أشكو في صبيحة مصيبتي ... وبثي وأحزاناً يجيــــــــش بها الصدر
اللهمّ إني أرجوك لها وأخافك يا رب عليها ، فحقق رجائي وآمن خوفي.
اللهمّ إنهاعبدتك وبنت عبدك وقد ردّت إليك، فارأف بها وارحمها، وجاف الأرض عن بدنها ، وافتح أبواب السماء لروحها وتقبّلها بقول حسن.
وكان أبو بكر- رضي الله عنه - إذا عزّى رجلا قال: ليس مع العزاء مصيبة ، ولا مع الجزع فائدة. الموت أشد ما قبله، وأهون ما بعده. أذكروا فقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تهن عندكم مصيبتكم. صلى الله على محمد، وعظم الله أجركم.
رحمك الله يا أم جميل رحمة واسعة وجميع موتى المسلمين وأسكنك برحمته فسيح جناته وجمعني بك في مستقر رحمته ,
من شغلت دنياه بما يرضي الله
هشام كرامي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق