الجمعة، 29 يناير 2021

الركعة الخامسة


 

آداب الزيادة ومن عروة بن مسعود الثقفي عظيم القريتين وعمر بن عبد العزيز نتعلم

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

آداب الزيادة

ومن عروة بن مسعود الثقفي عظيم القريتين وعمر بن عبد العزيز نتعلم

أَصل زاره : مَال إليه ، وَمِنْ ذلك تزاور عَنهُ أي بعد ، وفي الحديث القريب من الحسن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «زُرْ غِبًّا، تَزْدَدْ حُبًّا» ورحم الله القائل :

وزر غبّا إذا أحببت خلّا ... فتحظى بالوداد مع اتصال

وللزيارة دواعٍ وأسباب وآداب لا تجهل . فالصيف زائر وقد يثقل وكذلك الشتاء ، والربيع ضيف زائر وقد يخف ، والحج زيارة . والبلاء زائر أيضا وعيادة المريض زيارة  . وقد يُثْقِل الزائر حتى على أهله ، بطول مكثه مثلاً وقد يثقل بسوء سلوكه

عليكَ بإقلالِ الزِّيارةِ إنَّها ... تكونُ إذا دامتْ إلى الهجرِ مسلكَا

فإنِّي رأيتُ القطرَ يُسأمُ دائماً ... ويُسألُ بالأيدي إذا هوَ أمسكَا

دخل عروة بن مسعود الثقفي على النبي صلى الله عليه وسلم ، فعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا عَلَى رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ وَهُوَ مُلَثَّمٌ وَعِنْدَهُ عُرْوَةُ قَالَ: فَجَعَلَ عُرْوَةُ يَتَنَاوَلُ لِحْيَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحَدِّثُهُ قَالَ: فَقَالَ الْمُغِيرَةُ لِعُرْوَةَ: لَتَكُفَّنَّ يَدَكَ عَنْ لِحْيَتِهِ أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْكَ . وعروة هذا عظيم القريتين الذي قالت فيه قريش: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم

ودخل رجل على عمر بن العزيز يعوده في مرضه، فسأله عن علته، فلما أخبره قال: من هذه العلة مات فلان، ومات فلان. فقال له عمر: إذا عدت المرضى فلا تنع إليهم الموتى، وإذا خرجت عنا فلا تعد إلينا. والغِبُّ: أن تَرِدَ الإبلُ الماء يوماً وتتركَه يوماً. والغِبُّ في الزيارة فوق ذلك،

يا رب قد ثقل البلاء علينا ففرج عنا بكرمك

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

الأمثال لابن سلام (ص: 379)

صحيح ابن حبان (10/ 444)

الرسائل السياسية (ص: 88)

الزهرة (ص: 24)

العقد الفريد (2/ 284)

الأوراق قسم أخبار الشعراء (1/ 216)

 

الغب : في الزيارة فمعناه الإبطاء والتقليل على غير وقت معلوم .

القطر : ماء المطر

كف اللسان ومن قصة الحطيئة والزبرقان لسان مثل

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

كف اللسان

ومن قصة الحطيئة والزبرقان لسان مثل

وكان جَرْوَلُ بْنُ أَوْسِ بنِ جُؤَيَّةَ بنِ مَخْزُومِ في بعض الحروب وكان رجلًا جبانًا فأُسِرَ فَقِيل ... قَدْ عَهِدْنَاك تَكْرَهُ النِّزَالَ وَلَا تُنازِلُ الأَبْطَالَ، فقال: مُكْرَهٌ أَخُوكَ لَا بَطَلٌ، فأرسلها مثلا،  إنما حَطَاتُ بِيَدي فَأُسِرْتُ، فسمي الحُطَيْئَةَ؛ وتُصَغَّرُ حطيئة، وهو الضَّرْبُ باليد مَبْسُوطَةً حيث أصابت من الجسد. وكان الحطيئة من فحول الشعراء ولم يترك باباً للشعر إلا نبغ فيه من مديح وفخر وهجاء ونسيب وكان يتردد على كثير من القبائل فينتمي إليها ثم يهجرها ويغضب منها ويهجوها . علماً بأن الكثير منها كانت تتودد إليه وكان يتعزز على الجميع ، وكانت كثير من الأحياء العربية تجمع له العطاء خشية أن يهجوها . قال عبد الرحمن بن أبي بكرة  أنه: لقيت الحطيئة بذات عرق فقلت له: يا أبا مليكة، من أشعر الناس؟ فأخرج لسانه كأنه لسان الحية ثم قال: هذا إذا طمع. وعن ابن الأعرابيّ: أن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم كان ولّى الزّبرقان بن بدر بن امرىء القيس عملا، وذكر مثل ذلك الأصمعيّ، وقال: الزّبرقان: القمر، والزبرقان: الرجل الخفيف اللحية. قال: وأقرّه أبو بكر رضي اللّه عنه بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم على عمله، ثم قدم على عمر في سنة مجدبة ليؤدّي صدقات قومه، فلقيه الحطيئة بقرقرى ومعه ابناه أوس وسوادة وبناته وامرأته؛ فقال له الزّبرقان وقد عرفه ولم يعرفه الحطيئة: أين تريد؟ قال: العراق، فقد حطمتنا هذه السنة؛ قال: وتصنع ماذا؟ قال وددت أن أصادف بها رجلا يكفيني مؤونة عيالي وأصفيه مدحي أبدا؛ فقال له الزبرقان: قد أصبته، فهل لك فيه يوسعك لبنا وتمرا ويجاورك أحسن جوار وأكرمه؟ فقال له الحطيئة: هذا وأبيك العيش، وما كنت أرجو هذا كلّه؛ قال: فقد أصبته؛ قال: عند من؟ قال: عندي؛ قال: ومن أنت؟ قال: الزّبرقان بن بدر؛ قال وأين محلّك؟ قال: اركب هذه الإبل، واستقبل مطلع الشمس، وأرسل إلى أمه وهي أم شذرة أم الزّبرقان وهي أيضا عمة الفرزدق، فكتب إليها أن أحسني إليه، وأكثري له من التمر واللبن. وذلك في عام صعب مجدب، فأكرمته المرأة وأحسنت إليه؛ فبلغ ذلك بغيض بن عامر بن شمّاس وهو أنف الناقة وبلغ إخوته وبني عمه فاغتنموها. قال ابن الأعرابيّ: وكانوا يغضبون من لقب أنف الناقة، وإنما سمّي جعفر أنف الناقة لأن أباه قريعا نحر ناقة فقسمها بين نسائه، فبعثت جعفرا هذا أمّه، فأتى أباه ولم يبق من الناقة إلا رأسها وعنقها، فقال: شأنك بهذا؛ فأدخل يده في أنفها وجرّ ما أعطاه؛ فسمّي أنف الناقة. وكان ذلك كاللّقب لهم يذلهم حتى مدحهم الحطيئة، فقال:

قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوّي بأنف الناقة الذنبا

فصار بعد ذلك فخرا لهم ومدحا، وكانوا ينازعون الزّبرقان الشرف - يعني بغيضا وإخوته وأهله - وكانوا أشرف من الزّبرقان، إلا أنه قد كان استعلاهم بنفسه. وقال أبو عبيدة في خبره: كان الحطيئة دميما سيّ ء الخلق، لا تأخذه العين، ومعه عيال كذلك. فلما رأت أمّ شذرة حاله هان عليها وقصّرت  به، ونظر بغيض وبنو أنف الناقة إلى ما تصنع به أمّ شذرة، فأرسلوا إليه: أن ائتنا، فأبى عليهم وقال: إن من شأن النساء التقصير والغفلة، ولست بالذي أحمل على صاحبها ذنبها. فلما ألحّ عليه بنو أنف الناقة، وكان رسولهم إليه شمّاس بن لأي وعلقمة بن هوذة وبغيض بن شمّاس والمخبّل الشاعر، قال لهم: لست بحامل على الرجل ذنب غيره، فإن تركت وجفيت تحوّلت إليكم؛ فأطمعوه ووعدوه وعدا عظيما. وقال ابن سلّام في خبره: فلما لم يجبهم دسّوا إلى هنيدة زوجة الزّبرقان أنّ الزبرقان إنما يريد أن يتزوّج ابنته مليكة؛ وكانت جميلة كاملة، فظهرت من المرأة للحطيئة جفوة وهي في ذاك تداريه . وأراحوا عليه إبلهم، وأكثروا له من التمر واللبن، وأعطوه لقاحا ( الناقة التي تدر الحليب ) وكسوة. قال: فلمّا قدم الزّبرقان سأل عنه فأخبر بقصّته، فنادى في بني بهدلة بن عرف. فركب الزبرقان فرسه، وأخذ رمحه، وسار حتى وقف على نادي بني شمّاس القريعيّين، فقال: ردّوا عليّ جاري؛ فقالوا: ما هو لك بجار وقد اطّرحته وضيّعته؛ فألمّ أن يكون بين الحيّين حرب، فحضرهم  أهل الحجا من قومهم، فلاموا بغيضا وقالوا: اردد على الرجل جاره؛ فقال: لست مخرجه وقد آويته، وهو رجل حرّ مالك لأمره، فخيّروه فإن اختارني لم أخرجه، وإن اختاره لم أكرهه. فخيّروا الحطيئة فاختار بغيضا ورهطه؛ فجاء الزبرقان ووقف عليه وقال له: أبا ملكية، أفارقت جواري عن سخط وذمّ؟ قال: لا؛ فانصرف وتركه .

واليوم بماذا نسكت الكذابين الذي أرهق كذبهم قوانا

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ـــــــــ

البيان والتبيين (1/ 282)

 الكامل في اللغة والأدب (2/ 137)

الأغاني (2/ 440)

 

قرقرى : اسم مكان

قبل أن نرقد هي دعوة لذكر الله

 

قبل أن نرقد

هي دعوة لذكر الله

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا صَدَقَةٌ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ »

وقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  : «مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ»

سنن الترمذي (5/ 459)

الدعاء للطبراني (ص: 524)

قبل أن نرقد هي بشارة مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ

 

قبل أن نرقد

هي بشارة

عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، بِشِّرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ "

ــــــــــــــــ

الإيمان لابن منده (1/ 221)

الْجَنَّةَحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (5/ 68)

 

سر الوراثة والشبه بين الاب والابن

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

سر الوراثة والشبه بين الاب والابن

أن الوراثة الكاملة هي التي تكون في كل الوجوه وقد تكون في بعضها، ومن ذلك فقد جاء في الحديث الشريف ... إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»

. والأنبياء لم يورثوا إلا العلم، وعلم نبينا صلى الله عليه وسلم، سنته، فمن تعرى عن معرفتها؛ لم يكن من ورثة الأنبياء)

والعاقل العالم أن يجتهد لأن يكون وارثاً لكل الوجوه، ولا يكون ناقصا عن ذلك . وقد قيل : شرط الكمال في الوراثة ارتقاء النوع وتحسينه، إذا كان العرب قد ورثوا لغتهم ثم أضافوا إليها أسبابًا كثيرة من معاني الكمال وورثوها أعقابهم فنقص هؤلاء من كمالها ونكروا من محاسنها، أفلا يكون ذلك خليقا بأن يسمى فسادًا باعتبار المعنى الكمالي وإن كان عن أسباب طبيعية ثابتة.

وقد يجتهد البعض في إرث السوء فيرث من أهله ، وربما مجتمعه ما ساء . فلا ضمانة أن يكون التوريث لما حمد من أمور

فهناك من ورث عن والده سوء الخلق . وترك صفات رفيعة كالوفاء بالعهد . وقد يرث المرء جمال الخِلْقَة لا جمال الخلق

التقى الكاتب الساخر برنارد شو في إحدى الحفلات بواحدة من الممثلات الفاتنات ، فاقتربت منه النجمة وقالت له : ما رأيك لو تزوجنا وأنجبنا طفلا يرث مني جمالي ومنك عقلك ؟!. فقال برنارد شو : أخشى يا سيدتي أن يرث شكلي أنا وعقلك أنت ؟ ! ونحن لنا أن ننظر إلى الإرث الذي آل إلينا . ترى هل ورثنا أخلاق سيدنا معاوية رضي الله عنه حين أرسل إليه ملك الروم رسالة فيها أن يرسل له جيش يساعده في قتال سيدنا علي رضي الله عنه فأبى . ورد على ملك الروم قائلا : لو فعلت لاصطلحت مع ابن عمي ضدك فقاتلناك.

الوطن إرث خلفه لنا السلف فدمره من لا خلاق لهم .

ترى ما وجه الشبه بين هؤلاء والسلف الصالح منا ؟

يا رب فر ج عن سوريا وأهل سوري

ــــــــــــــــــــــــــــــ

الرسائل الأدبية – الجاحظ (ص: 492)

الكشكول – الهمذاني (2/ 172)

حين يغلب الطبع السيئ وفي المعرة يقولون : نصحتك ما انتصحت ، طبعك ردي وغالب

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

حين يغلب الطبع السيئ

وفي المعرة يقولون : نصحتك ما انتصحت ، طبعك ردي وغالب

زعموا أن جماعة احتفروا ركية فوقع فيها رجل صائغ وحية وقرد وببر، ومر بهم رجل سائح فأشرف على الركية، فبصر بالرجل والحية والببر والقرد ففكر في نفسه، وقال: لست أعمل لآخرتي عملاً أفضل من أن أخلص هذا الرجل من بين هؤلاء الأعداء. فأخذ حبلاً وأدلاه إلى البئر فتعلق به القرد لخفته فخرج. ثم دلاه ثانية، فالتفت به الحية فخرجت. ثم دلاه ثالثاً فتعلق به الببر فأخرجه. فشكرن له صنيعه. وقلن له: لا تخرج هذا الرجل من الركية: فإنه ليس شيء أقل شكراً من الناس ثم هذا الرجل خاصةً. ثم قال له القرد: إن منزلي في جبل قريب من مدينة يقال لها: نوادرخت. فقال له الببر: أنا أيضاً في أجمة إلى جانب تلك المدينة. قالت الحية: أنا أيضاً في سور تلك المدينة. فإن أنت مررت بنا يوماً من الدهر، واحتجت إلينا فصوّت علينا حتى نأتيك فنجزيك بما أسديت إلينا من معروف. فلم يلتفت السائح إلى ما ذكروا له من قلة شكر الإنسان، وأدلى الحبل، فأخرج الصائغ، فسجد له، وقال له: لقد أوليتني معروفاُ. فإن أتيت يوماً من الدهر لمدينة نوادرخت فاسأل عن منزلي: فأنا رجل صائغ لعلي أكافئك بما صنعت إلي من معروف. فعرض بعد ذلك أن السائح اتفقت له الحاجة إلى تلك المدينة، فانطلق، فاستقبله القرد، فسجد له وقبّل رجليه. واعتذر إليه، وقال: إن القرود لا يملكون شيئاً، ولكن اقعد حتى آتيك. وانطلق القرد، وآتاه بفاكهة كليلة طيبة، فوضعها بين يديه، فأكل منها حاجته. ثم إن السائح انطلق حتى دنا من باب المدينة فاستقبله الببر، فخرّ له ساجداً وقال له: إنك قد أوليتني معروفاً. فاطمئن ساعة حتى آتيك. فانطلق الببر فدخل في بعض الحيطان إلى بنت الملك فقتلها، وأخذ حليها، فأتاه بها، من غير أن يعلم السائح من أين هو. فقال في نفسه: هذه البهائم قد أولتني هذا الجزاء، فكيف لو قد أتيت إلى الصائغ فأنه إن كان معسراً لا يملك شيئاً فسيبيع هذا الحلي فيستوفي ثمنه. فيعطيني بعضه، ويأخذ بعضه، وهو أعرف بثمنه. فانطلق السائح فأتى إلى الصائغ. فلما رآه رحب به وأدخله إلى بيته. فلما بصر بالحلي معه، عرفه وكان هو الذي صاغه لابنة الملك. فقال للسائح: اطمئن حتى آتيك بطعام فلست أرضى لك ما في البيت. ثم خرج وهو يقول: قد أصبت فرصتي: أريد أن أنطلق إلى الملك وأدله على ذلك، فتحسن منزلتي عنده. فانطلق إلى باب الملك، فأرسل إليه: إن الذي قتل ابنتك وأخذ حليها عندي. فأرسل الملك وأتى بالسائح فلما نظر الحلي معه لم يمهله، وأمر به أن يعذب ويطاف به في المدينة، ويصلب. فلما فعلوا به ذلك جعل السائح يبكي ويقول بأعلى صوته: لو أني أطعت القرد والحية والببر فيما أمرنني به وأخبرنني من قلة شكر الإنسان لم يصر أمري إلى هذا البلاء، وجعل يكرر هذا القول. فسمعت مقالته تلك الحية فخرجت من جحرها فعرفته، فاشتد عليه أمره، فجعلت تحتال في خلاصه. فانطلقت حتى لدغت ابن الملك، فدعى الملك أهل العلم فرقوه ليشفوه فلم يغنوا عنه شيئاً. ثم مضت الحية إلى أخت لها من الجن، فأخبرتها بما صنع السائح إليها من المعروف، وما وقع فيه. فرقت له، وانطلقت إلى ابن الملك، وتخايلت له. وقالت له: إنك لا تبرأ حتى يرقيك هذا الرجل الذي قد عاقبتموه ظلماً. وانطلقت الحية إلى السائح فدخلت عليه السجن، وقالت له: هذا الذي كنت نهيتك عنه من اصطناع المعروف إلى هذا الإنسان: ولم تطعني. وأتته بورق ينفع من سمِّها. وقالت له: إذا جاءوا بك لترقي ابن الملك فاسقه من ماء هذا الورق: فإنه يبرأ. وإذا سألك الملك عن حالك فاصدقه: فإنك تنجوا إن شاء الله تعالى. وإن ابن الملك أخبر الملك أنه سمع قائلاً يقول: إنك لن تبرأ حتى يرقيك هذا السائح الذي حبس ظلماً. فدعا الملك السائح، وأمره أن يرقي ولده. فقال: لا أحسن الرقي، ولكن اسقه من ماء هذه الشجرة فيبرأ بإذن الله تعالى. فسقاه فبرئ الغلام. ففرح الملك بذلك: وسأله عن قصته، فأخبره. فشكره الملك، وأعطاه عطية حسنة، وأمر بالصائغ أن يصلب. فصلبوه لكذبه وانحرافه عن الشكر ومجازاته الفعل الجميل بالقبيح. وفي وطننا أناس ردوا الجميل بالقبيح ، أطاعوا هوى الشيطان في أرض نبتت أجسادهم من ترابها فكافؤها

بأن ساقوا الخراب والدمار إليها .

ورحم الله حمّاد حيث قال:

يا مطيع النّذل أنت ال ... يوم مخذول جهول

لا يغرّنك غرور ... ذو أفانين ملول

ليس يحلو الفعل منه ... وهو يحلو ما يقول

وجواد بالمواعي ... د وبالبذل بخيل

ليس يرضيه من الجع ... ل كثير أو قليل

ذاك ما اخترت خليلا ... بئس واللّه الخليل

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ــــــــــــ

كليلة ودمنة – ابن المقفع(ص: 303)

الأغاني – الأصفهاني (14/ 498)

الأمثال لابن سلام (ص: 127)

 

الببرُ: الفزرُ : نوع من السباع يعادي الأسد وهي معربة وقيلَ:  والفَزارةُ هي الأنثى ، والفزرُ ابنهُ. والفزرةُ بنتهُ.

 

 

حين تنادي أنا ابن فلان ، وأنت أهل لذلك ومن ابن أبي الشمقمق رحمه الله لنا مثل

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

حين تنادي أنا ابن فلان ، وأنت أهل لذلك

ومن ابن أبي الشمقمق رحمه الله لنا مثل

إن كان لك حاجة فاستعنت على قضائها بالانتساب لأبيك ، قد تجاب بـ والنِّعْم

وقد تجاب بكلمة سوء ، فقد يكون والدك امرأ كريما وأنت لست على سيرته ، وقد تُكرم لفضيلة من انتسبت إليه

ابن الوَنّان أو ابن أبي الشمقمق هو أحمد بن محمد بن محمد التواتي الحميري، أبو العباس المعروف بابن الونان: شاعر، من أهل فاس مولده ووفاته بها ينتسب الى حمير. كان أسلافه من سكان توات في صحراء المغرب مما اختطته زناتة ثم انتقلوا إلى فاس. وكان له، ولأبيه من قبله، اتصال بالمولى محمد ابن عبد الله (المتوفى سنة 1204) وهو من صفوة السلاطين العلويين نهض بالمغرب الأقصى وطرد البرتغاليين من الجديدة سنة 1182 هـ‍/1769 م وعنى بالحياة الثقافية والأدبية. ولا بن الشمقمق نظم كثير فيه هجاء وإقذاع. وكان يقال لأبيه (أبوالشمقمق) فاتصلت به هذه الكنية . ولابن الونان فيه مدائح متعددة، وكان أبوه مقربا إلى السلطان، وكان ظريفا فسماه أبا الشمقمق. وأول منظومات ابن الونان فيه أرجوزة سماها الشمقمقية، ويقال إنه حاول أن يصل إلى السلطان لينشدها، ولم يتح له ذلك، فترصد موكبه يوما وصعد على ربوة، ونادى بأعلى صوته عليه:

يا سيّدى سبط النبي … أبو الشمقمق أبي

فطلبه السلطان، وصحبه معه إلى القصر وأصبح من حاشيته. والشمقمقية أرجوزة فى 275 بيتا، للسلطان محمد منها 27 بيتا، وبقيتها موسوعة أدبية، استهلها بالرحلة فى مجاهل الصحراء واصفا ركب النوق الذى كان فيه، وظل فى أكثر من أربعين بيتا يحاور حاديها طالبا إليه أن لا يكلفها فى السير بما لا تطيق جامعا لها فى وصفها كثيرا من أوابد اللغة. فيها الغث والسمين، مدح بها أمير المؤمنين عبد الله بن إسماعيل العلويّ. اشتهرت وشرحها جماعة، منهم الناصري السلاوي صاحب الاستقصا، في مجلدين مطبوعين وأول القصيدة:

مهلا على رسلك حادي الأينق  .. ولا تكلفها بما لم تطق

جهلت ولادته وكانت وفاته (000 - 1187 هـ = 000 - 1773 م)

ترى اليوم إن قيل أنا أو ابن فلان هل نجد ردا ؟

أم أن ( الطاسة ) قد ضاعت ؟

نسمع بكلمة أنا ولا أصل ولا فصل إلا من رحم ربك .

أنا أبغي الريادة دون أهلية !. أبغي الغني دون تعب ؟ أفتي لنفسي فأستحل ما حُرِّم لأصل إلى بغيتي .

صفات جُمِعَت عند من كانوا سببا في بلائنا

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ــــــــــــــــــــــــــ

الأعلام للزركلي (1/ 243)

معجم الشعراء العرب (ص: 106،)

بين العامة اليوم والعامة من السلف ومن أبي شعيب القلال لنا من السلف مثل

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

بين العامة اليوم والعامة من السلف

ومن أبي شعيب القلال لنا من السلف مثل

قيل أن العامِي: هو الَّذِي لَا يبصر طَرِيقه. وَأنْشد:

لَا تأتيّني تبتغي لين جَانِبي .. برأسك نحوي عامياً متعاشياً

وَأَرْض عمياءُ وعامِيَة. وَمَكَان أعمى: لَا يُهتدى فِيهِ . وفرق كبير بين عامية اليوم والعوام عند السلف ففي الماضي كان أكثر العامة يصيبون حظوظا مختلفة من الثقافة، إذ لم يكن بينهم وبينها أي حجاب ولا أي حاجز، بل لقد كانوا يروحون ويغدون عليها فى المساجد ودكاكين الوراقين، فينهلون من كلّ ما نزعت إليه ينابيع المعرفة، ومن خير ما يصوّر ذلك أن نرى الجاحظ يقول: «وسألت بعض العطارين من أصحابنا » وكأن العطارين كانوا أقساما منهم من يتبع الاعتزال ومنهم من يتبع غيرهم ولا بد أن كان مثلهم بقية التجار وأصحاب الحرف، فهم يناصرون هذا المذهب أو ذاك، وهم يناصرون هذا الأستاذ أو ذاك ولكل أستاذ أتباعه لا من أوساط المثقفين فحسب، وليس الأمر محصوراً على الخاصة بل من العامة أيضا،واليوم أضحى google أستاذ الجميع ، العامة منا ،وحتى قدرا كبيرا من الخاصة .

أبي شعيب القلال كان من عوام الناس وكان صانعا للقلال ( الجرار ) ولنا أن نلاحظ حسن أدبه وسمو تعبيره حين واجه الخليفة الرشيد رحمه الله . قالوا: أحب الرشيد أن ينظر إلى أبي شعيب القلّال كيف يعمل القلال، فأدخلوه القصر وأتوه بكل ما يحتاج إليه من آلة العمل، فبينا هو يعمل إذا هو بالرشيد قائم فوق رأسه، فلما رآه نهض قائما، فقال له الرشيد: دونك ما دعيت له، فإني لم آتك لتقوم إلي، وإنما أتيتك لتعمل بين يدي. قال: وأنا لم آتك ليسوء أدبي، وإنما أتيتك لأزداد بك في كثرة صوابي. قال له الرشيد: إنما تعرضت لي حين كسدت صنعتك. فقال أبو شعيب: يا سيد الناس، وما كساد عملي في جلال وجهك؟ فضحك الرشيد حتى غطى وجهه ثم قال: والله ما رأيت أنطق منه أولا، ولا أعيا منه آخرا، ينبغي لهذا أن يكون أعقل الناس أو أجنّ الناس.

ولنلاحظ مرة طرفا من حديثه قيل لأبي شعيب القلّال : أيّ شيء تشتهي؟ وذلك نصف النهار، وفي يوم من صيف البصرة. قال أبو شعيب: أشتهي أن أجيء إلى باب صاحب سقط ، وله على باب حانوته ألية معلقة، من تلك المبزَّرة المشرّجة ، وقد اصفرّت، وودكها يقطر من حاقّ السّمن ، فآخذ بحضنها ثم أفتح لها فمي، فلا أزال كدما كدما، ونهشا نهشا، وودكها يسيل على شدقي، حتى أبلغ عجب الذّنب  ! قال أبو الهذيل: ويلك قتلتني قتلتني!! يعني من الشهوة.

واليوم عندنا الشاطر : الماهر وهو اللئيم . والحجش هو الحمار . والأصل البطل أو الجرح العمق . ..و .. ..و ..

وزاد البلاء في جهلنا وأرجعنا إلى الحاجة لمعرفة القراءة واللكتابة

يا ر ب عليك بمن ظلمنا وكان سبباً جهل أبنائنا

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ــــــــــــــــــــــــــــ

البيان والتبيين (2/ 180)

الحيوان (5/ 253)

تهذيب اللغة (3/ 157)

نثر الدر في المحاضرات – الآبي (7/ 173)

اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي (ص: 1020)

 

وبائع السقط : ما كسد بديه

المشرّجة : مشدجودة

ودكها : خروج الدهن

الحاق  : الوسط

الكدم : العض بالفم

بين الحق والباطل والخاتمة هي الحكم في النهاية ومن حياة عمر بن أبي ربيعة لنا مثل

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

بين الحق والباطل

والخاتمة هي الحكم في النهاية

ومن حياة عمر بن أبي ربيعة لنا مثل

اختلف الناس حول شاعر العزل العربي القرشي عمر بن أبي ربيعة رحمه الله ، وكان أحد كنوز العربية ، فالذين يحبون الشعر قالوا : إن كل ما يقوله عن النساء لا يزيد عن خيال شاعر مبتكر ، ومن ثم فمن حقه أن يقول ما يحلو له . وآخرون من الذين لا يحبون الشعر قالوا : إنه يتغزل في نساء المسلمين ومن ثم فهو رجل فاسد . والجدير بالذكر أنه ولد في الليلة التي توفي فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه . قيل لابن عباس رضي الله عنهما : ولد عمر بن أبي ربيعة في الليلة التي مات فيها عمر بن الخطاب رحمه الله فسمي باسمه. فقال ابن عباس: أيّ حق رفع، وأيّ باطل وضع!. وحجّ عبد الملك بن مراون رحمه الله فلقيه عمر بن أبى ربيعة بالمدينة؛ فقال له عبد الملك: يا فاسق! قال: بئست تحيّة ابن العم على طول الشّحط ( البعد )  ! قال: يا فاسق، أما إنّ قريشا لتعلم أنّك أطولها صبوة وأبطؤها توبة، ألست القائل  :

ولولا أن تعنّفنى قريش ... مقال الناصح الأدنى الشّفيق

لقلت إذا التقينا: قبّلينى ... ولو كنّا على ظهر الطّريق

وهو عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة المخزومي ، من بنى مخزوم. ويكنى أبا الخطّاب. وأبو جهل بن هشام بن المغيرة ابن عمّ أبيه وأمّ عمر بن الخطّاب حنتمة بنت هاشم بن المغيرة ابنة عمّ أبيه. وكان أبوه عبد الله يلقّب بحيرا . وقيل كان عمر فاسقا، يتعرّض للنساء الحواجّ ، فى الطواف وغيره من مشاعر الحجّ، ويشبّب بهنّ، فسيره عمر بن عبد العزيز إلى الدّهلك  ( جزر تابعة لليمن  واقعة في البحر الأحمر ) ، ثم ختم له بالشهادة . غزا فى البحر فأحرقوا سفينته، فاحترق. فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : فاز عمر بن أبى ربيعة بالدنيا والآخرة.

واليوم عندنا من لا يقبل الخلاف ، فإذا وصف أحداً بالسوء لسبب فما على الجميع أن يقولوا نعم ، وكذلك إن وصف بالحسن ، فكذلك أيضاً ، وعلى الجميع أن يكون إمعة لا فكر ولا تفكير .

إلا أن المواجهة  عند الله قادمة : ورحم الله أبا العتاهية حيث قال :

أَما وَاللَهِ إِنَّ الظُلمَ لومُ ... وَما زالَ المُسيءُ هُوَ الظَلومُ

إِلى دَيّانِ يَومِ الدينِ نَمضي  ... وَعِندَ اللَهِ تَجتَمِعُ الخُصومُ

لِأَمرٍ ما تَصَرَّفَتِ اللَيالي ... وَأَمرٍ ما تُوُلِّيَتِ النُجومُ

سَتَعلَمُ في الحِسابِ إِذا اِلتَقَينا ... غَداً عِندَ الإِلَهَ مَنِ المَلومُ

ومن كان سببا في بلائنا عليه أن يتجهز للقاء أمام رب العالمين

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ــــــــــــــــــــــــــ

البيان والتبيين (2/ 61)

البيان والتبيين (3/ 103)

الشعر والشعراء – ابن قتيبة الدينوري(2/ 539)

ديوان عمر بن أبي ربيعة

اللؤم ، وحكاية عن اللؤم

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

اللؤم ، وحكاية عن اللؤم

اللؤم معروف وهو قرين البخل إلا أنه ليس بالضرورة  أن يكون البخيل ليئماً . ومن صفات من اتصف باللؤم أن يكون بعيدا عن الأذى في حال حُجِّم في منزلته ، فإن ارتفع عن منزلته إلى ما ليس هو أهله تبين لؤمه . ومما قيل أن العفو يفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم ورحم الله القائل :

والعفو عند لبيب القوم موعظة ... وبعضه لسفيه القوم تدريب

لأنّ اللئيم يزيد مع النّعمة لؤماً، ولا تزيد المحنة الكريم إلاّ كرماً ولهذا قيل :

وخذ القليل من اللئيم وذمّه ... إنّ اللئيم بما أتى معذور

ومعذور: هنا أي موسوم في موضع العِذار، وليس هو من العُذْر. ومِنْ عَلاَمَاتِ اللَّئِيمِ الخِداع والمكر فيَكُونَ حَسَنَ الْقَوْلِ، سَيِّئَ الْفِعْلِ، ليس بسريع الْغَضَبِ، إلا أنه أقَرِبَ للْحَسَدِ

ورحم الله دكين حيث قال :

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل

وإن هو لم يضرع عن اللؤم نفسه ... فليس إلى حسن الثناء سبيل

ولقد ابتلينا بلئام يتلذذون نقمة على كل جميل في هذا الوطن وأهله . فسعادتهم سرقة البسمة حتى من أقرب الناس إليهم ،

يُسرُّون بخبر ينقل الموت والدمار .

تسربلوا اللؤم خلفًا من جلودهم ... ثم ارتدوا بثياب اللؤم واتزروا

ومن حكايات اللئام أن مروان بن أبي حفصة وذلك أنه خرج يريد المهدي فقالت امرأة من أهله مالي عليك إذا رجعت بالجائزة قال إن أعطيت مائة ألف درهم أعطيتك درهماً فأعطى خمسين ألفاً فأعطاها فسارع فأعطاها نصف درهم

ـــــــــــــــــــ

الأدب الصغير – ابن المقفع (ص: 53)

كليلة ودمنة (ص: 121)

البخلاء للجاحظ (ص: 180)

الشعر والشعراء – ابن قتيبة الدينوري (1/ 29)

المنتخب من كلام العرب (ص: 196)

غرر الخصائص الواضحة – الوطواط (ص: 378)

 

الصفوان من الناس مثالٌ للمرائين

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

الصفوان من الناس مثالٌ للمرائين

صَفْوَانٍ وَهُوَ جَمْعُ صَفْوانة، وَهُوَ الصَّخْرُ الْأَمْلَسُ {عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ} وَهُوَ الْمَطَرُ الشَّدِيدُ {فَتَرَكَهُ صَلْدًا} أَيْ: فَتَرَكَ الْوَابِلُ ذَلِكَ الصَّفْوَانَ صَلْدًا، أَيْ  : أَمْلَسَ يَابِسًا، أَيْ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ، بَلْ قَدْ ذَهَبَ كُلُّهُ، أَيْ: وَكَذَلِكَ أَعْمَالُ الْمُرَائِينَ تَذْهَبُ وَتَضْمَحِلُّ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ أَعْمَالٌ فِيمَا يَرَى النَّاسُ كَالتُّرَابِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} . قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:

عَلَى ظَهْرِ صَفْوانٍ كأَن مُتُونَه ... عُلِلْنَ بدُهْنٍ يُزْلِقُ المُتَنَزِّلا

وما أكثر المرائين والذين كشفهم البلاء ، بل كانوا سر من أسرار البلاء الذي نحن فيه ، لهم وجه في حال يرضيك ليسرقك وكما قيل في المثل : سَبَّحَ ليَسْرِقَ . وكأنهم طبعوا على سوء الخُلق . قيل : صحب رجل رجلاً بسوء الخلق. فلما فارقه قال: قد فارقته وخلقه لم يفارقه. ونظر فيلسوف إلى رجل حسن الوجه خبيث النفس فقال: بيت حسن وفيه ساكن نذل

وهذه صورة من صور حالنا اليوم ، فقد دمرنا وأهلكنا تقلب الوجوه لمن ساء خُلقهم

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء – الراغب الأصفهاني(1/ 341)

مجمع الأمثال - النيسابوري (1/ 338)

البصائر والذخائر (3/ 115)

تفسير ابن كثير (1/ 694)

من طعامنا الجظ مظ

 

كلمة ومعنى

من طعامنا الجظ مظ

الجظ : الضخم والجظَّ سُمِنَ مَعَ قِصَرٍ والمَظُّ: الرُّمّانُ البَرِّيُّ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلَّمَ قَالَ: " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ " قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: " كُلُّ جَظٍّ جَعْظٍ مُسْتَكْبِرٍ "، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا الْجَظُّ؟ قَالَ: " الضَّخْمُ "، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا الْجَعْظُ؟ قَالَ: " الْعَظِيمُ فِي نَفْسِهِ "، قَالَ: " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ " قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: " كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ "

جظ مظ تركية الأصل معربة وهي أكلة شعبية سورية مشهورة . تتكوّن هذه الأكلة منَ البيض وَالبندورة؛ حيثُ تُطبخ هذه الأخيرة بعد تقطيعها ويُضاف إليها البيض والسمن أو الزيت والملح والفلفل مع البصل ومن الممكن إضافة الثوم أيضًا حسب الرغبة .

أما قصتها كالتالي فقيل أنه من زمان كان هناك امرأة عندها مشكلة في النطق (تتأتأ) أي تلفظ نصف الكلمة فقط ..... وعندما كانت تحضر تلك الاكلة وتفرم البصل لأجلها دخل زوجها وسألها فأجابت معتقدة أنه يسألها عن نفسها لأن دموعها كانت تسيل على خديها من البصل فأجابت وهي (تتأتأ) جظ مظ وكانت تقصد (جظت عيوني ) ولكنها لم تلفظ سوى جظ مظ

شعب الإيمان (10/ 476)

 



التزييف داء استشرى وكان من أسباب بلائنا

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

التزييف

داء استشرى وكان من أسباب بلائنا

وموقف من حياة السلف : أبو نهشل

التزييف فساد الأمر عن الصلاح ، وهو في سياق التضليلَ قيل: والتضليل أفحشُ من الكراهية لأنه التسيير إلى الضلال ، ومنه التَمْويهُ وهو التلبيسُ كطلي الحديد بالذهب . واليوم فيما يصلنا ، والذي نسمع أو نقرأ . بل السلوك الذي نراه عند البعض مغلف بالتمويه مبني على التضليل ورضي الله عن سيدنا كعب بن زهير حيث قال :

فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت ... إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ

وعود كاذبة وأحلام واهية ، وأماني بعيدة النوال إن لم تكن قريبة من الاستحالة . قال فلان : إلا أنه لم يقل . وفعل علان : ولكن الفاعل سواه .... ننسب كذبا قول قائل للشافعي في أبيات أعجبتنا فنظلم الشافعي ونظلم قائلها. حتى أن البعض تجاوزا الحد فلا مراعاة ولا تدقيق في صحة نسب حديث شريف .

ورحم الله القائل :

تَرَى النَّاسَ أَشْبَاهًا إِذَا نَزَلُوا مَعًا ... وَفِي النَّاسِ زَيْفٌ مِثْلُ زَيْفِ الدَّرَاهِمِ.

قال أبو نهشل  دخلت على أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام  المخزومي - وجئته أطلب قرضاً حسنا  - فقال يا خال، هذه أربعة آلاف درهم  هدية لك ، وعرض علي أبياتا من الشعر في مدح قومه من بني مخزوم وأنشد هذه الأبيات الأربعة وقل: سمعت حسّان ينشدها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم. فقلت: أعوذ باللّه أن أفتري على اللّه ورسوله، ولكن إن شئت أن أقول: سمعت عائشة تنشدها فعلت. فقال: لا، إلّا أن تقول: سمعت حسّان ينشدها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم جالس، فأبى عليّ وأبيت عليه، فأقمنا لذلك لا نتكلّم عدّة ليال.

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ــــــــــــــ

إحياء علوم الدين – الإمام الغزالي (2/ 74)

الأغاني (1/ 79)

الأربعاء، 6 يناير 2021

اللباقة ومن سير السلف لنا وقفة

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

اللباقة

ومن سير السلف لنا وقفة

اللباقة من (لَبَقَ) ويَدُلُّ عَلَى خَلْطِ شَيْءٍ لِتَطْيِيبِهِ. يُقَالُ لَبَقْتُ الطَّعَامَ ، إِذَا لَيَّنْتَهُ وَطَيَّبْتَهُ. واللَّبِقُ: الْحَاذِقُ بِالشَّيْءِ الذي يَعْمَلُهُ.

و(اللَّبَاقَة) تطلق للشَّمَائل، و (الرَّشَاقَة) للقَدِّ، و (الظَّرْف) للنطق . وَرجل حُلْو الشَّمَائِل: أي محمودها . وفي المعرة عندنا يقولون لوصف غير اللبق : بِجِدْ كَلامُو دَجْ . في عام إحدى وثمانين وتسعمائة وألف توفيت أخت زوجتي رحمهما الله وجاء من يخبرها بخبر وفاتها . ومن باب المدرسة الخارجي بدأ بالصراخ على زوجتي : لِسّعك بالمدرسة ، لقد ماتت أختك .. ولك أن تتخيل ما حدث والمتوفاة كانت لزوجتي أما وأختا وصديقة .

واليوم ودون تمهيد تنقل إليك أخبار السوء ، وبطريقة سمجة ودون حساب لتأثير . حتى يغلب الظن على القارئ أو السامع أن الدنيا مقبلة على الشر . فلم يعد للخير مكاناً فيها . جهلٌ حتى في استخدام الكلمة ، أما عن مدلولها فلا تسأل فمن يستخدم الكلمة يستخدمها دون أن يسأل نفسه عن وقعها عند قارئها أو سامعها . ليدل على فجاجة وبعد عن اللباقة .

قال المدائنىّ: كان رجل من ولد عبد الرحمن بن سمرة أراد الوثوب بالشام فى زمن المهدىّ، فأخذ وحمل إليه، فلمّا مثل بين يديه اعتذر، فرأى منه المهدىّ نبلا وفضلا، فعفا عنه وخلطه بجلسائه؛ ثم قال له يوما: أنشدني شيئا من شعر زهير، فأنشده قصيدته التي أوّلها: «لمن الديار بقنّة  الحجر»

لمن الدّيار بقنّة الحجر... أقوين مذحجج  ومذدهر

لعب الرّياح بها وغيّرها ... بعدي سوافي الرّيح والقِطر

دع ذا وعدّ القول في هرم ... خير الكهول وسيّد الحضر

لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المنوّر ليلة البدر

حتى أتى على آخرها؛ فقال المهدىّ: مضى من يقول مثل هذا؛ فقال السّمرىّ: وذهب والله من يقال  فيه مثله؛ فاستشاط  المهدىّ غضبا، وأمر أن يجرّ برجله، وألّا يؤذن له بعدها.

ورحم الله القائل :

عليك بكاتب لبق رشيق ... زكي في شمائله جداره

تناجيه بطرفك من بعيد ... فيفهم رجع لحظك بالإشارة

ـــــــــــــــــــ

سمط اللآلي في شرح أمالي القالي – البكري (1/ 408)

العقد الفريد (4/ 254)

نهاية الأرب في فنون الأدب –  ابن قتيبة الدينوري(8/ 181)

=======

القنّة: الجبل الذي ليس بمنتشر.

أقوين: خلون.

السّوافي : ما تسفي الرياح .

القِطر مخفوضة بنسقه على الرّيح القطر لا سوافي له

الحجر : مكان .

 

 

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وطئت أقدامه تراب المعرة .

لقد وطئت أقدام سيدنا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عند فتحها عام 17 هـ وكان في جيش أَبُو عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَحَدَ النُّقَبَاءِ والنقيب هو العريف على القوم يفتش على أحوال القوم ويطلع على أحوالهم قَالَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الْحَرْبِ، وَكَانَ عُبَادَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أحد الِاثْنَيْ عَشْرَ الَّذِينَ بَايَعُوا فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي عُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعُ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ مَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» وشهد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ المشاهد كلها مع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وهو أحد من جمع القرآن ففي زَمَنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ: إِنَّ أَهْلَ الشَّامِ قَدْ كَثُرُوا وَمَلَئُوا الْمَدَائِنَ وَاحْتَاجُوا إِلَى مَنْ يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ وَيُفَقِّهُهُمْ فَأَعِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِرِجَالٍ يُعَلِّمُونَهُمْ. فَدَعَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُولَئِكَ الْخَمْسَةَ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ إِخْوَانَكُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ قَدِ اسْتَعَانُونِي بِمَنْ يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ وَيُفَقِّهُهُمْ فِي الدِّينِ. فذهب عبادة إلى فلسطين وكان أول قاض مسلم فيها .  وروى ابن عساكر رحمه الله أن عبادة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنكر على معاوية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شيئا فقال لا أساكنك بأرض فرحل إلى المدينة فقال له عمر ما أقدمك فأخبره فقال ارحل إلى مكانك فقبح الله أرضا لست فيها وأمثالك فلا إمرة له عليك . عَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: ذَكَرَ مُعَاوِيَةُ الْفِرَارَ مِنَ الطَّاعُونِ فِي خُطْبَتِهِ، فَقَالَ عُبَادَةُ: أُمُّكَ هِنْدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ، فَأَتَمَّ خُطْبَتَهُ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى عُبَادَةَ، فَنَفَرَتْ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مَعَهُ، فَاحْتَبَسَهُمْ، وَدَخَلَ عُبَادَةُ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أَلَمْ تَتَّقِ اللَّهَ وَتَسْتَحِي إِمَامَكَ؟ فَقَالَ عُبَادَةُ: أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، إِنِّي لَا أَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» ، ثُمَّ خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عِنْدَ الْعَصْرِ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَخَذَ بِقَائِمَةِ الْمِنْبَرِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي ذَكَرْتُ لَكُمْ حَدِيثًا عَلَى الْمِنْبَرِ، فَدَخَلْتُ الْبَيْتَ فَإِذَا الْحَدِيثُ كَمَا حَدَّثَنِي عُبَادَةُ، فَاقْتَبِسُوا مِنْهُ، فَهُوَ أَفْقَهُ مِنِّي . وكان طويلا جسيما جميلا مات بالرملة وله اثنان وسبعون عاما .

ترى هل آن لمن كان سبباً في بلائنا أن ينصاع للحق ويكف عن أذية أهله ووطنه .

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ــــــــــــــــــ

الطبقات الكبرى – ابن سعد (2/ 272)

معرفة الصحابة لأبي نعيم (4/ 1921)

تاريخ دمشق لابن عساكر (26/ 196)

الكاشف – الإمام الذهبي (1/ 533)