الاثنين، 21 ديسمبر 2020

زمن المزعبرين

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

زمن المزعبرين

هو مع الأسف صفة أناس كثروا في هذا الزمن الذي نعيشه . ولا ننسى فهم سر من أسرار البلاء الذي نحن فيه . وزَعْبَرة: مكر، اسم من زعبر مُزَعْبِر: وهو الممزق، المشعوذ ، والزعبوب: اللئيم القصير . ولاعنبارهم مكشوفين : كانوا في المعرة إن خاطبوا أحداً تبنى مبدأهم : روح يا يا شفنا مزعبرين متلك يردون بذلك بالزعبرة الإحتيال والخداع الكذب . والكلمة اشتقت من الزعبوب زادوا على أحرفها الراء للدلالة على الكثرة والمزعبرين كالحرباء في التلون . وفي مصر يسمى أحد هؤلاء بالمزعبرجي. ورحم الله القائل :

تجسم من ماء الملاحة  خده ... وماء الحيا فيه ترجرج مائعه

تلون كالحرباء في خجلاته ... فيحمر قانيه ويبيض ناصعه

شأن المزعبرين أن يشغلوك بأن سواهم عن أخطائهم . وهذا شأن من تعمد في بركة الشيطان . وتراهم ولسعادتهم بما ساقوا من بلاء لا شأن لهم ولا شغل سوى أن يصورا الحال المؤلم الذي أنت فيه بالجنة الدنيوية التي وعدوا الناس

هم العدل وسواهم الظلم

ويا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا
ــــــــــــــــــــــــــــــ

(محيط المحيط) بطرس البستاني .

نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب ت إحسان عباس (5/ 488)

 

كي نتعافى من الأوهام . لقد تخيل الشيخ الجليل المؤرخ خضري حسين في أمعائه ثعبان

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

كي نتعافى من الأوهام .

لقد تخيل الشيخ الجليل المؤرخ خضري حسين في أمعائه ثعبان

قال الأصمعي: الوهم: الجمل الضخم الذلول. وَالوهم من خطرات الْقلب وَالْجمع أَوْهَام وَقد توهَّمت الشّيء. غَيره: أَي ظنّي ، والله سبحانه وتعالى لا تدركه الأوهام أي قلوب العباد . ونحن يغلب العجز على سلوكنا نقوم بشحن أوهام قد لا يكون لها أثر من الواقع حتى يتحول الوهم إلى قناعة اصطنعناها ثم صدقناها . وفي المثل كذب كذبة على نفسو وصدقا

قال الشيخ الطنطاوي في كتابه صور وخواطر أن الشيخ الخضري أصيب في أواخر عمره بتوهم أن في أمعائه ثعباناً فراجع الأطباء وسأل الحكماء فكانوا يدارون الضحك حياء منه ، ويخبرونه بأن الأمعاء قد يسكنها الدود ، ولكن لا تقطنها الثعابين فلا يصدق . حتى وصل إلى طبيب حاذق بالطب ، بصير بالنفسيات ، سمع بقصته ، فسقاه مسهلا وأدخله المستراح وكان قد وضع له ثعباناً فلما رآه أشرق وجهه ونشط جسمه وأحس بالعافية ونزل يقفز قفزا ، وكان قد صعد متحاملاً على نفسه يلهث إعياءً ، ويئن ويتوجع ، ولم يمرض بعد ذلك . ويقول الشيخ الطنطاوي رحمه الله : ما شفي الشيخ لأن ثعبانا كان في بطنه ونزل ، بل لأن ثعباناً كان في رأسه وطار ، لأنه أيقظ قوى نفسه التي كانت نائمة ، وفي النفس الإنسانية قوى إذا عرف المرء كيف يفيد منها صنعت العجائب .

واليوم ترى وتقرأ اليأس الذي اعتلى وجوه بعض الناس من هذا البلاء الذي حلّ بنا ، حتى يحملك الظن إلى أنه لن يزول ‘ إلا أن الحقيقة أنه لا بد زائل بكرم الله ورحمته . ومن الناس من شأنه تكريس هذه الحالة لأنه ذاته المستفيد منها ومن دوامها

ثقتنا بالله أن الأمن والأمان لا بد قادم

ثقتنا بالله أن الله لا بد منتقم ممن كان سببا فيه

يا رب فرّج عن سوريا وأهلها

 

ما دامت السعادة في أيدينا فلماذا نطلبها من سوانا وقصة عن حياة الفيلسوف – كانت

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

ما دامت السعادة في أيدينا فلماذا نطلبها من سوانا

ومن فكر شيخنا أديب سوريا علي الطنطاوي ، وقصته عن حياة الفيلسوف – كانت - نتعلم

قال الطنطاوي : كنت أقرأ في ترجمة الفيلسوف الألماني الأشهر ( كانت ) وأنه كان لجاره ديك قد  وضعه على السطح قبالة مكتبه ، فكلما عمد إلى شغله صاح الديك فأزعجه عن عمله ، وقطع عليه فكره . فلما ضاق به بعث خادمه ليشتريه ويذبحه ويطعمه من لحمه ، ودعا إلى ذلك صديقا له ، وقعدا ينتظران الغذاء . ويحدثه عن هذا الديك ، وما كان يلقى منه من ازعاج وما وجد بعده من لذة وراحة ، ففكر في أمان واشتغل في هدوء ، فلم يقلقه صوته ، ولم يزعجه صياحه .

ودخل الخادم بالطعام وقال معتذرا ، إن الجار أبى أن يبيع ديكه ، فاشتريت غيره من السوق ، فانتبه – كانت - فإذا بالديك لا يزال يصيح !

فَكّرْتُ في هذا الفيلسوف العظيم فرأيته قد شقي بهذا الديك لأنه كان يصيح ، وسعد به وهو لا يزال يصيح ، ما تبدل الواقع ، وما تبدلت إلا نفسه . فنفسه هي التي أشقته لا صياح الديك ونفسه التي أسعدته . وقلت : ما دامت السعادة في أيدينا فلماذا نطلبها من غيرنا ، وما دامت قريبة منا فلماذا نبعدها عنا ، إذ نمشي إليها من غير طريقها ، ونلجها من غير بابها ؟ إنما نريد أن نذبح الديك لنستريح من صوته ، ولو ذبحناه لوجدنا في مكانه مائة ديك ، لأن الأرض مملؤة بالديكة ، فلماذا لا نرفع الديكة من رؤوسنا إذا لم يمكن أن نرفعها من الأرض ؟ لماذا لا نسد آذننا عنها إذا لم نقدر أن نسد أفواهها عنّا ؟ لماذا لا نجعل أهواءنا وفق ما في الوجود إذا لم نستطع أن نجعل كل ما في الوجود وفق أهوائنا ؟ أنام في داري فلا توقظني عربات الشارع ولا أبواق السيارات وهي تسمع الموتى .

والكثير اليوم مُصرٌ على مبدأ يا أنا ، يا أنت . يشترون الهم بالمال ليقدموه هدية لأنفسهم وأهليهم . ومنهم من يحسد الهدوء والراحة عند سواه فيعمل على ابراز ما في الواقع من سوء أو يصطنعه لتحقيق منفعة له .

ويا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

 

انتقاد العلماء شغل الكثيرين تتبع عثرات العلماء مظهر من مظاهر البلاء الذي نحن فيه .

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

انتقاد العلماء شغل الكثيرين

تتبع عثرات العلماء مظهر من مظاهر البلاء الذي نحن فيه .

أقول : ومن قال لنا إن العلماء معصومون عن الزلة والخطأ . والحق أن لا عصمة إلا من شاء الله عصمته . قال الله تعالى : شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ  لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿١٨﴾ آل عمران .

وفي التحذير من انتقاص العلماء، والحث على إكرامهم، وتعظيم حُرُماتهم. نقل الإمام النووي رحمه الله عن الإمَامُ الْحَافِظُ ابنُ عَسَاكِرٍ -رحمه الله- أنه قال: «اعلم يا أَخي وفَّقني الله وإِيَّاك لمرضاته، وجعلنا ممَّن يخشاهُ ويتَّقيه حَقَّ تُقاته، أَنَّ لُحُوم العُلماء مسمُومةٌ، وعادة الله في هتك أَستارِ مُنتقصهِم معلُومةٌ، وأَنَّ من أَطلقَ لسانهُ فِي العُلماء بِالثَّلبِ بلاهُ الله قبل موته بِموت القلبِ: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (1). (النور:63)

قال الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: إن لم يكن الفقهاء أولياء الله في الآخرة فما لِله وليَّ. والقاعدة التي من لم يدرك قيمة العلم والعلماء هي أن يقف العلماء مع رأي أنا ويُدعم موقفي بفتوى تؤيدني وإلا سأجند حياتي لتتبع عثراته ونشرها . ففي مسند الإمام أحمد وغيره عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ " وإذا سمع أن أحد العلماء أخطأ فعليه أن يبين خطأه بحكمة واحترام مصحوب بالدليل الشرعي وأقوال العلماء فيه. ومن هذا القبيل كان السلف الصالح يرد بعضهم على بعض باحترام وكذلك الأئمة الكبار. ولكن اليوم تحول تتبع أخطاء العلماء إلى التشهير بهم حتى بذريتهم . وكأنه على العالم أن يتحزب في فتواه

لا أن تكون فتواه خالصة لوجه الله حتى يرضى فئة على حساب فئة . وهو أمر مُنصَب على علماء الشريعة وممن ؟ ممن لم يتعلم حتى يتكلم

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مناقب الشافعي للبيهقي (2/ 155)

مسند الإمام أحمد (33/ 20)

المجموع شرح المهذب – للإمام النووي(1/ 24)

تفسير الرؤيا هبة ربانية وليس علما نتعلمه ، وهو ميراث الأنبياء

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

تفسير  الرؤيا هبة ربانية وليس علما نتعلمه ، وهو ميراث الأنبياء

ومن قصة سيدنا يوسف عليه السلام لنا مثل

ولقد تعلمنا من رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعن أبي رزين العقيلي قال : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الرؤيا جزء من أربعين أو ستة وأربعين جزءا من النبوة وهو على رجل طائر فإذا حدث بها وقعت وأحسبه قال لا تحدث بها إلا حبيبا أو لبيبا. قال العلماء : وتأويل الرؤيا علم يقذفه الله في قلوب مَنْ علَّمهم تأويل الأحاديث، وهي قدرة على فَكِّ شَفْرة الحُلْم، ويعطيها الله لمَنْ يشاء من عباده. الرؤيا ليست هي الحُلْم؛ لأن الرؤيا هي شيء لم يشغل عقلك نهاراً، وليس للشيطان فيه دخل. وفي المثل العامي : الجوعان يحلم بسوق العيش «فإن كان ما يراه الإنسان في أثناء النوم له علاقة بأمر يشغله، فهذا هو الحلم، وليس الرؤيا . وإن كان ما يراه الإنسان في أثناء النوم شيئاً يخالف منهج الله، فهذه قذفة من الشيطان. وفي قصة رؤيا الملك حيث رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف!! وكان المفروض العكس، انظر إلى الملحظية؛ لأن سنين الجدب ستأكل سنين الخصب، لكن من الذي يتنبه إلى رموز الرؤيا. فتعبير الرؤيا ليس علماً. بل هبة من الله يمنحها لأناس ويجعلهم خبراء في فك رموز - شفرة - الرؤيا، ودليل ذلك أن الملك قال هذه الرؤيا للناس فقالوا له: {أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} ، و «أضغاث» مفردها «ضغث» وهو الحشيش المخلوط والمختلف، لكنهم أنفصفوا فقالوا: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحلام بِعَالِمِينَ} [يوسف: 44] . لقد أنصفوا في قولهم. لأن الذي يقول لك: لا أعلم فقد أفتى، فما دام قد قال: لا أدري فسيضطرك إلى أن تسأل لكن سواه، إن قال لك أي جواب فستكتفي به وتتورط، إذن فمن قال: لا أدري فقد أجاب. فهم عندما قالوا: أضغاث أحلام فقد احتالوا واحتاطوا لأنفسهم أيضا وقالوا: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحلام بِعَالِمِينَ} . واليوم أضحى google مفسر الأيام والأحلام وللعلم فرؤيا واحدة يراها شخصان تفسر بتفسيرين مختلفين فوالد أبو حنيفة رأى أنه يبول في الكعبة فقيل له سيلد لك ولدا يملؤ الأرض علما . والحسن البصري رأى في منامه كأنه عُريان ، وهو قائم على مزبلة يضرب بالعود فأصبح مهمومًا من رؤياه هذه، فأرسل أحدَ أصحابه إلى ابن سيرين ليقص عليه الرؤيا على أنها رؤياه، وكان بينه وبين ابن سيرين جفاء ، ولكن ابن سيرين كان أذكى من أن تنطلي عليه المسألة، فقال لمن جاءه: قل لصاحب الرؤيا لا تسأل عنها ابن الحاكة ..ولما وصل الخبر إلى الحسن مضى إلى ابن سيرين في مجلسه، فلما رآه ابن سيرين قام إليه فتعانقا، ثم جلسا فتعاتبا، ثم قال له الحسن : دعك من هذا يا أبا بكر ، حدثني عن الرؤيا فقد شَغَلتْ قلبي !فقال له ابن سيرين : لا تشغل قلبك ، فإن العُري عري من الدنيا فلست َ من طلابها ، وأما المزبلة فهي الدنيا وأنت تراها على حقيقتها ... وأما العود فإنها الحكمة تُحدِّث بها الناس .فقال الحسن : فكيف َ عرفتَ أني صاحب الرؤيا ؟! قال ابن سيرين : لا أعرف أصلح منك أن يكون رآها ..

وما أكثر من يرى اليوم أحلام يقصها علينا يخبرنا بها عن شكل رفع البلاء عنا وكأنه نبئ بها

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير الطبري (16/ 116)

تفسير الرازي (11/ 233)

تفسير القرطبي (9/ 201)

معجم ابن عساكر (1/ 579)

تفسير الشعراوي (4/ 2305)

تفسير الشعراوي (11/ 6960)

تفسير الشعراوي (11/ 6986)

من وصايا أبي إسحاق سَعْدٌ بن أبي وقاص رضي الله عنه لابنه

 

قبل أن نرقد

تأمل معي وصية سعد لابنه

من وصايا أبي إسحاق سَعْدٌ بن أبي وقاص رضي الله عنه لابنه

قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ أَنْ تَلْقَى بَعْدِي أَحَدًا هُوَ أَنْصَحُ لَكَ مِنِّي، إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُصَلِّيَ فَأَحْسِنِ الْوُضُوءَ، وَصَلِّ صَلَاةً تَرَى أَنَّكَ لَا تُصَلِّي بَعْدَهَا أَبَدًا، وَإِيَّاكَ وَالطَّمَعَ؛ فَإِنَّهُ حَاضِرُ الْفَقْرِ، وَعَلَيْكَ بِالْإِيَاسِ فَإِنَّهُ الْغِنَى، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَافْعَلْ مَا بَدَا لَكَ

الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 149)

 

سخرنا حياتنا للدعاء على الظلمة ومن سيرة الحجاج بن يوسف غفر الله لنا مثل

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

سخرنا حياتنا للدعاء على الظلمة

ومن سيرة الحجاج بن يوسف غفر الله لنا مثل

وبالدعاء نستبدل العجز الذي حل بنا عن رد الظلم .

أنا لا أقول أن لا نكل من ظلم إلى الله بل نكله إن لم يكن في مقدورنا رد الظلم عنا ، إلا أني أستنكر أن نشغل حياتنا بالدعاء عليه وهذا في الحقيقة تخفيف عنه وبالدعاء نستوفي حقنا ممن ظلمنا حتى نبرأه من ظلمه لنا .

فصحيح أن الحجاج قد يكون أقرب للظلم منه للعدل في بعض مواقفه ، وقد ورد من صفات الحجاج ما نقل عن الإمام الشافعي رضي الله عنه قَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ قَالَ لِلْحَجَّاجِ: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ عَارِفٌ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ، فَعِبْ نَفْسَكَ وَلَا تَخْبَأْ مِنْهَا شَيْئًا. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا لَجُوجٌ حَقُودٌ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِذًا بَيْنَكَ وَبَيْنَ إِبْلِيسَ نَسَبٌ. فَقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا رَآنِي سَالَمَنِي. إلا أنه حين قاربته الوفاة قال :

يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا ... أيمانهم أنني من ساكني النار

أيحلفون على عمياء ويلهم ... ما علمهم بعظيم العفو غفار

وحدث رياح بن عبيدة قال كنت قاعدا عند عمر بن عبد العزيز فذكر الحجاج فشتمته ووقعت فيه فقال عمر مهلا يا رياح إنه بلغني أن الرجل يظلم بالمظلمة فلا يزال المظلوم يشتم الظالم ويتنقصه حتى يستوفي حقه ويكون للظالم .

عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: سُرِقَ لِي ثَوْبٌ، فَجَعَلْتُ أَدْعُو عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ "

واليوم شأن الكثيرين الشتم والسّب يغذي ذلك فينا من كان سبباً في بلائنا ، طمعا منه في دوام هذا البلاء ، ومحاولة خبيثة منه لإبقاءً مانحن فيه . فزوال البلاء يعني زوال من كان السبب فيه .

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ــــــــــــــــــــــــــــ

معالم السنن – البستي (4/ 122)

مسند الإمام أحمد (41/ 501)

الكامل في التاريخ (4/ 61)

المنتظم في تاريخ الملوك والأمم – ابن الجوزي (7/ 3)

تاريخ دمشق لابن عساكر (18/ 264)

 

قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  : لا تسبخي معناه لا تخففي عنه العقوبة بدعائك عليه

 

 

وقد قيل : إِذا ضَاقَ بك الصَّدْر ففكر فِي ألم نشرح ومن حياة السلف نتعلم

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

وقد قيل : إِذا ضَاقَ بك الصَّدْر ففكر فِي ألم نشرح

ومن حياة السلف نتعلم

في المعرة عندنا يقولون : هادا مو مكتوب على وجهو ألم نشرح . للتدليل على أنه لا يبشر بخير فشأنه أن يحمل القنوط واليأس هدية إليك روى أصحاب السير أن خَازِن الْمَسْجِد الْجَامِع  في سوق الأهواز ، أَن بعض الصَّالِحين، ألح عَلَيْهِ الْغم، وضيق الصَّدْر، وَتعذر الْأُمُور، حَتَّى كَاد يقنط، فَكَانَ يَوْمًا يمشي، وَهُوَ يَقُول:

أرى الْمَوْت لمن أَمْسَى ... على الذل لَهُ أصلح

فَهَتَفَ بِهِ هَاتِف، يسمع صَوته، وَلَا يرى شخصه، أَو أرِي فِي النّوم، كَأَن قَائِلا يَقُول:

أَلا يأيها الْمَرْء ... الَّذِي الْهم بِهِ برح

إِذا ضَاقَ بك الْأَمر ... ففكر فِي ألم نشرح

ونحن اليوم لنا ثقة في فرج الله وكرمه

لا نأبه لمن ينشر اليأس ويغرس القنوط في النفوس

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

 

نعم من بؤس أهله ومن صفات الكلب لنا مثل

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

نعم من بؤس أهله

ومن صفات الكلب لنا مثل

وما أكثر من يطلب النعمة على حساب أهله وأصحابه ومن كان سببا له فيها ، وإن حلّ نتيجة لذلك البؤس على أهله والدمار على وطنه . الأهم عندهم التنعم بالحياة وإن استجروا ذلك على حساب أعز الناس عندهم طبيعتهم كطبع الكلاب فالكلب حارس ومحترس منه، أليف كثير الخيانة على إلفه. وإنما اقتنوه على أن ينذرهم بموضع السارق، وتركوا طرده لينبههم على مكان المبيّت. وهو أسرق من كل سارق، وأدوم جناية من ذلك المبيّت. فهو سرّاق، وهو نبّاش قبور، وآكل لحوم النّاس. ألا إنّه يجمع سرقة الليل مع سرقة النّهار، ثم لا تجده أبدا يمشي في طريق، أو في براريّ، أو في ظهر جبل، أو في بطن واد، إلّا وخطمه في الأرض يتشمّم ويستروح، وإن كانت الأرض بيضاء حصّاء أو ملساء، أو صخرة خلقاء؛ حرصا وجشعا، وشرها وطمعا  . وهو من البهائم والوحيد الذي يشتم دبره ، ولا يتشمّم غيرها من جسده ، والكلب رمى بنفسه على الناس عجزا ولؤما، ونقصا ،وخاف السباع واستوحش . وقد سمي بالسائل المحروم وقد قيل «اصنعوا المعروف ولو إلى الكلب»  عطفوا عليه واتّخذوه في الدّور. وعلى أنّ ذلك لا يكون إلّا من سفلتهم وأغبيائهم. ولو تمّ للكلب معنى السبع وطباعه، لما ألف الإنسان، واستوحش من السبع، وكره الغياض، وألف الدّور، واستوحش من البراري وجانب القفار، وألف المجالس والدّيار. ولو تمّ له معنى البهيمة في الطبع والخلق والغذاء، لما أكل الحيوان، وكلِب على النّاس. نعم حتّى ربّما كلب ووثب على صاحبه وكلب على أهله. وقد ذكر ذلك طرفة فقال:

كنت لنا والدّهور آونة ... تقتل حال النّعيم بالبؤس

ككلب طسم وقد تربّبه ... يعلّه بالحليب في الغلس

ظلّ عليه يوما يفرفره ... إلّا يلغ في الدماء ينتهس

وفي المثل العربي : «سمّن كلبك يأكلك» وأنشد ابن الأعرابي لبعضهم:

وهم سمّنوا كلبا ليأكل بعضهم ... ولو ظفروا بالحزم ما سمّن الكلب

وقد زعموا أن قوماً من العرب كانت لهم ماشية من إبل وغنم، فوقع فيها الموت فجعلت تموت فيأكل كلابهم من لحومها، فأخصبت وسمنت، فقيل: نعم كلب من بؤس أهله ، فذهبت مثلاً. وكان رجل من أهل الشام مع الحجّاج بن يوسف، وكان يحضر طعامه، فكتب إلى أهله يخبرهم بما هو فيه من الخصب، وأنه قد سمن فكتبت إليه امرأته:

أتهدي لي القرطاس والخبز حاجتي ... وأنت على باب الأمير بطين

إذا غبت لم تذكر صديقا وإن تقم ... فأنت على ما في يديك ضنين

فأنت ككلب السّوء في جوع أهله ... فيهزل أهل الكلب وهو سمين

ومن ساق إلينا البلاء بغى بذلك نعيمه على حساب شقائنا همه نفعه ، لا يبال بأهل ولا وطن

يا رب فرج عن سوريا وأهلها سوريا

ـــــــــــ

أمثال العرب الضبي (ص: 173)

الحيوان (1/ 125)

الجوار عند العرب والجوار عند إبليس

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

الجوار عند العرب

والجوار عند إبليس

الجوار عند العرب قضية ذات شأن فأسوء ما يذم به المرء عندهم ، أن لا يُؤْمن جواره ، ويرفع منزلة المرء حين أمن جواره ، حتى قيل في المثل مثل عربي أحمى من مجير الْجَرَاد . وقيل اسمه حارثة بن حنبل من طيء وَمن حَدِيثه أَنه خلا فِي خيمة ذَات يَوْم فَإِذا هُوَ بِقوم مَعَهم أوعية فَقَالَ مَا خطبكم قَالُوا غزونا جَارك قَالَ وَأي جيراني قَالُوا الْجَرَاد وَقد بفنائك فَقَالَ أما وسميتموه لي جاراً فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ وَركب فرسه وَأخذ رمحه وَقَالَ لَا يتَعَرَّض لَهُ احدا إِلَّا قتلته فَمَا زَالَ يحميه حَتَّى حميت الشَّمْس عَلَيْهِ فطار . وكان أبو سفيان إذا نزل به جار قال يا هذا إنك قد اخترتني جارا واخترت داري دارا فجناية يدك على دونك وإن جنت عليك يد فاحتكم علي حكم الصبيّ على أهله.

وهناك قديما وحديثا من يقع في جوار الشيطان فحين أرادت قريش الخروج في غزوة بدر تردد كثير من وجهائها في الخروج لمواجهة النبي صلى الله عليه وسلم

قال تبارك وتعالى «وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ» الآية.

وذكر استدراج إبليس إياهم بتشبهه بسراقة بن  جعشم لهم حين ذكر لهم ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة في الحرب التي كانت بينهم وبينه يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: «فلما تراءت الفئتان» ونظر عدو الله إلى جنود الله من الملائكة قد أمد الله بهم رسوله والمؤمنين على عدوهم «نكص على عقبية وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون» وصدق عدو الله إنه رأى ما لا يرون فقال: «إني أخاف الله والله شديد العقاب» فأوردهم ثم أسلمهم حين رأى الملائكة بقيادة جبريل عليه السلام،

واليوم تتكرر المسألة فهناك من يقع في جوار الله ، وآخرون يقعون في جوار الشيطان والنتيجة نراها اليوم

إن من كان سببا في جوار الشيطان وعلق آماله عليه دمر وطنه وشرد أهله

ويا رب فرجك عن سوريا وأهل سوريا

ـــــــــــ

سيرة ابن اسحاق (ص: 305)

محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء – الراغب الأصبهاني(1/ 327)

جمهرة الأمثال (1/ 408)

 

عرف بين الناس بالكامل سيدنا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هكذا عُرِف وقبل إسلامه

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

عرف بين الناس بالكامل

سيدنا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هكذا عُرِف وقبل إسلامه

وبالمعرية كان يقال للرجل الحسن الصفات : كامل ومكمل - وتطلق أيضاً على من كمل السوء في فعله أيضاً ،

ولسعد بْن عُبَادة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ من الولد سَعِيد ومحمد وعبد الرحمن. وكان سعد في الجاهلية يكتب بالعربية. في حين كانت الكتابة في العرب قليلا. وكان يحسن العوم والرمي وكان من أحسن الناس خلقاً لذلك سمي الكامل. واتصف رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بالكرم فقد كان سعد وعدة آباء له قبله فِي الجاهلية ينادى على أطمهم: مَنْ أَحَبَّ الشَّحْمَ وَاللَّحْمَ فَلْيَأْتِ أُطُمَ دُلَيْمِ بْنِ حَارِثَةَ . أخبر هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَدْرَكْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَهُوَ يُنَادِي عَلَى أُطُمِهِ: مَنْ أَحَبَّ شَحْمًا أَوْ لَحْمًا فَلْيَأْتِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. ومن صفات الكرم عنده فقد كَانَ سَعْدٌ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ جَفْنَةً فِيهَا ثَرِيدٌ بِلَحْمٍ أَوْ ثَرِيدٌ بِلَبَنٍ أَوْ ثَرِيدٌ بِخَلٍّ وَزَيْتٍ أَوْ بِسَمْنٍ. وَأَكْثَرَ ذَلِكَ اللَّحْمُ. فَكَانَتْ جَفْنَةُ سَعْدٍ تَدُورُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قسم ناسا من أهل الصفة بين ناس من أصحابه فكان الرجل يذهب بالرجل والرجل يذهب بالرجلين والرجل يذهب بالثلاثة حتى ذكر عشرة وكان سعد بن عبادة يرجع كل ليلة إلى أهله بثمانين منهم يعشيهم . وَكَانَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو دُجَانَةَ لَمَّا أَسْلَمُوا يَكْسِرُونَ أَصْنَامَ بَنِي سَاعِدَةَ. وَشَهِدَ سَعْدٌ الْعَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ فِي روايتهم جميعا وكان أحد النقباء الاثني عشر ولما تفرق الناس من بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة ونفروا وكان الغد فتشت قريش عن الخبر والبيعة فوجدوه حقا فانطلقوا في طلب القوم فأدركوا سعد بن عبادة وأفلتهم منذر بن عمرو فشدوا يدي سعد إلى عنقه بنسعه وكان ذا شعر كثير فطفقوا يجذبونه بجمته  ويصكونه ويلكزونه قال سعد بن عبادة فوالله إني لفي أيديهم يسحبوني إذ طلع نفر من قريش فيهم فتى أبيض جلد شعشاع وضي فقلت إن يك عند أحد من القوم خير فعند هذا . فلما دنا مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة فقلت والله ما في القوم خير بعد هذا . قَالَ: فو الله إنِّي لَفِي أَيْدِيهِمْ يَسْحَبُونَنِي إذْ أَوَى لِي رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُمْ، فَقَالَ وَيْحَكَ! أَمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ جِوَارٌ وَلَا عَهْدٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، وَاَللَّهِ، لَقَدْ كُنْتُ أُجِيرُ لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ ابْن نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ تِجَارَةً  ، وَأَمْنَعُهُمْ مِمَّنْ أَرَادَ ظُلْمَهُمْ بِبِلَادِي، وَلِلْحَارِثِ ابْن حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، قَالَ: وَيْحَكَ! فَاهْتِفْ بِاسْمِ الرَّجُلَيْنِ، وَاذْكُرْ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمَا. قَالَ: فَفَعَلْتُ، وَخَرَجَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إلَيْهِمَا، فَوَجَدَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: إنَّ رَجُلًا مِنْ الْخَزْرَجِ الْآنَ يُضْرَبُ بِالْأَبْطَحِ وَيَهْتِفُ بِكُمَا، وَيَذْكُرُ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمَا جِوَارًا، قَالَا: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَا: صَدَقَ وَاَللَّهِ، إنْ كَانَ لَيُجِيرُ لَنَا تِجَارَنَا، وَيَمْنَعُهُمْ أَنْ يُظْلَمُوا بِبَلَدِهِ. قَالَ: فَجَاءَا فَخَلَّصَا سَعْدًا مِنْ أَيْدِيهِمْ، فَانْطَلَقَ. وَكَانَ الَّذِي لَكَمَ سَعْدًا، سُهَيْلَ بن عَمْرو . قال البخاري رحمه الله وشْهَدْ بَدْرًا. والمشاهد كلها مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قال ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ، يصف ما حدث لسعد :

تداركتَ سَعْدًا عَنوةً فَأَخَذْتَهُ ... وَكَانَ شِفَاءً لَوْ تداركتَ مُنذِرَا

لو نِلته طُلَّت هُنَاكَ جراحُه ... وَكَانَتْ حَرِيًّا أَنْ يُهان ويُهدَرَا

فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه فِيهِمَا فَقَالَ:

لستَ إلَى سعدٍ وَلَا الْمَرْءِ مُنذِرٍ ... إذَا مَا مَطايا القومِ أصبحْن ضُمَّرَا

فَلَوْلَا أَبُو وهْبٍ لمرَّت قَصَائِدٌ ... عَلَى شرفِ البَرقاءِ يَهْوينَ حُسَّرَا

أتفخُر بالكتانِ لَمَّا لبسْتَه ... وَقَدْ تلبَس الأنباطُ رِيطًا مُقَصَّرَا

فَلَا تَكُ كالوَسْنانِ يحلمُ أَنَّهُ ... بقريةِ كِسْرَى أَوْ بقريةِ قَيْصَرَا

وَلَا تَكُ كالثَّكلَى وَكَانَتْ بمعْزِلٍ ... عَنْ الثُّكْلِ لَوْ كَانَ الفؤادُ تفكَّرَا

وَلَا تكَ كالشاةِ الَّتِي كَانَ حتفُها ... بحفرِ ذرِاعَيْها فَلَمْ ترضَ محفَرَا

وَلَا تَكُ كالعاوِي فأقبلَ نحرَه ... وَلَمْ يَخْشَه سَهْمًا مِنْ النَّبلِ مُضْمَرا

فَإِنَّا وَمَنْ يُهدِي القصائدَ نحوَنا ... كمسْتَبضِعٍ تمرًا إلى أهلِ خَيْبَرَا

واليوم فأنا لست شاكاً أن رجالا منا تمتعوا بصفات الكمال بالخير في هذا البلاء الذي حلَّ بنا ، وآخرون اليوم ومع الأسف كُثر تمتعوا بصفات الكمال باقتباسهم جُل صفات إبليس فساقوا إلينا الخراب والدمار

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ـــــــــــــــــــــــــ

سيرة ابن هشام (1/ 450)

الطبقات الكبرى – ابن سعد (3/ 460)

تاريخ دمشق لابن عساكر (20/ 262) - (20/ 246)

 

الأطم: بِنَاء مُرْتَفع

النسْعُ: حبل يضْفَر تُشَدُّ به الرحَالُ

صورة من معركة مؤتة وثوابت العقيدة

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

صورة من معركة مؤتة

وثوابت العقيدة

أربعة من الصحابة رُضْوَانُ الله عَلَيْهِمْ تناوبوا على قيادتها ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا، اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ «فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ - أَوِ اسْتُشْهِدَ - فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ - أَوِ اسْتُشْهِدَ - فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» فَلَقُوا الْعَدُوَّ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ . يتضح من كلام النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أن الثلاثة لا بد مقتولين . ومع ذلك لم يتردد أحد في تلبية ما أمره به رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جوَاءَ النُّعْمَانُ بْنُ فُنْحُصٍ الْيَهُودِيُّ يَقُولُ لِزَيْدٍ، اعْهَدْ فَإِنَّكَ لَا تَرْجِعُ أَبَدًا إِنْ كَانَ محمَّد نَبِيًّا. فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : أَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ صَادِقٌ بَارٌّ. وكان عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يخبر أصحابه بمجريات المعركة . مائتا ألف الروم والعرب مقابل أفل من ثلاثة آلاف . لم تكن الرابطة الدينية التي ربطت بين أكثر عرب بلاد الشام والبيزنطيين، هي العامل الوحيد الذي جعل أولئك العرب ينضمون إلى صفوف الروم في الدفاع عنهم وفي مقاومة جيوش المسلمين، بل كانت هنالك عوامل أخرى، مثل المنافع المادية التي كان يجنيها سادات الأعرب من البيزنطيين، حيث كانوا ينالون هدايا ورواتب منهم في مقابل حماية الحدود والمحافظة عليها من غارات الأعراب، وفي مقابل الغارات التي كان البيزنطيون يكلفونهم بها لغزو حدود العراق؛ لإزعاج أعدائهم الفرس وقت الحاجة والضرورة، ومثل التسهيلات التي كانوا ينالونها من البيزنطيين في الاتجار مع مدن الشام وفي معاملات البيع والشراء والرواتب السخية التي تدفع للأعراب إذا خدموا في صفوف العساكر المتطوعة، وهي رواتب سخية إذا قِيسَتْ بالنسبة لحالة أهل البادية المنخفضة من الناحية المادية كثيرًا بالنسبة إلى حالة سكان بلاد الشام.

واليوم يتكرر الموقف وتستعاد الصورة ، فمن كان سببا في بلائنا شدتهم المنافع من هنا وهناك فنسوا كل الروابط بينهم وبين الوطن والأهل

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

مسند الإمام أحمد (3/ 278)

البداية والنهاية – ابن كثير (4/ 275)

المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام – الدكتور جواد علي (7/ 243)




جناب بن حارثة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وبره أبيه حتى وإن ظل على كفر

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

جناب بن حارثة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  وبره أبيه حتى وإن ظل على كفر

وهو بن صخر بن مالك بن عبد مناة العذريّ. ذكره أبو حاتم السّجستانيّ في «المعمّرين» ، فقال: أدرك حارثة الإسلام فلم يسلم، وعاش مائة سنة وثمانين سنة حتى أدرك الإسلام فلم يسلم، وأسلم ابنه جناب بن حارثة بن صخر، وهاجر إلى المدينة، فجزع من ذلك جزعا شديدا. وأسلم ابنه جناب، وهاجر إلى المدينة فجزع أبوه من ذلك جزعا شديدا، وأنشأ يقول:

إذا هتف الحمام على غصون ... جرت عبرات دمعي بانسكاب

يذكّرني الحمام صفيّ عيشي ... جنابا من غذيري من جناب

أردت ثواب ربّك في فراقي ... وقربي كان أقرب للثّواب

تركت أباك بالأدوات كَّلا ... وأمَّك كالعجول من الظِّراب

فلا وأبيك ما باليت وجدي ... ولا شوقي الشَّديد ولا اكتئابي

ولا دمعا تجود به المآقي ... ولا أسفي عليك ولا انتحابي

فعمرك لا تلوميني ولومي ... جنابا حين أزمع بالذَّهاب

وقيل فبلغت أبياته عمر، ، ثم أتاه جناب يوما وهو في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم وحوله المهاجرون والأنصار، فوقف عليه ثم أنشأ يقول:

أعاذل قد عذلت بغير قدر ... ولا تدرين عاذل ما ألاقي

فإمّا كنت عاذلتي فردّي ... كلابا إذ توجّه للعراق

ولم أقض اللّبانة من كلاب ... غداة غد وأذّن بالفراق

فتى الفتيان في عسر ويسر ... شديد الرّكن في يوم التلاقي

فلا واللّه ما باليت وجدي ... ولا شفقي عليك ولا اشتياقي

وإبقائي عليك إذا شتونا ... وضمّك تحت نحري واعتناقي

إِن الْفَارُوق لم يردد كلاباً ... إِلَى شيخين هامهما زواقي

قَالَ: فَبكى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  بكاء شَدِيدا وقَالَ لَهُ: مَا بلغ من برك بأبيك قَالَ: كنت أوثره وأكفيه أمره وَكنت أعْتَمد إِذا أردْت أَن أحلب لَهُ لَبَنًا أغزر ناقةٍ فِي أبله وأسمنها فأريحها فأتركها حَتَّى تَسْتَقِر ثمَّ أغسل أخلافها حَتَّى تبرد ثمَّ أحلب لَهُ فأسقيه. فَبعث عمر إِلَى أُميَّة فجَاء يتهادى وَقد ضعف بَصَره وانحنى فَقَالَ لَهُ: كَيفَ أَنْت يَا أَبَا كلاب فَقَالَ: كَمَا ترى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ.) فقَالَ له عمر : فَهَل لَك من حَاجَة قَالَ: نعم أشتهي أَن أرى كلاباً فأشمه شمةً وأضمه ضمةً قبل أَن أَمُوت فَبكى عمر وَقَالَ: ستبلغ فِي هَذَا مَا تحب إِن شَاءَ الله ثمَّ أَمر كلاباً أَن يحتلب لِأَبِيهِ نَاقَة كَمَا كَانَ يفعل وَيبْعَث إِلَيْهِ بلبنها. فَفعل فَنَاوَلَهُ عمر الْإِنَاء وَقَالَ: دُونك هَذَا يَا أَبَا كلاب. فَلَمَّا أَخذه وَأَدْنَاهُ إِلَى فَمه قَالَ: لعمر الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي لأشم رَائِحَة يَدي كلاب من هَذَا الْإِنَاء. فَبكى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  وَقَالَ لَهُ: هَذَا كلابٌ عنْدك حَاضر قد جئْنَاك بِهِ. فَوَثَبَ إِلَى ابنه فضمه إِلَيْهِ وَقَبله وَجعل عمر يبكي وَمن حَضَره وَقَالَ لكلاب: الزم أَبَوَيْك فَجَاهد فيهمَا مَا بقيا ثمَّ شَأْنك بِنَفْسِك بعدهمَا.

ــــــــــــ

المعمرون والوصايا - السجستاني(ص: 23)

الإصابة في تمييز الصحابة – ابن حجر العسقلاني(1/ 606)

 

الإرجاء والتأجيل ومن نهاية الأعشى لنا وقفة وتأمل

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

الإرجاء والتأجيل ومن نهاية الأعشى لنا وقفة وتأمل :

فالتّسويفُ: هو التّأخيرُ كقولنا: سوف أَفْعَلُ كذا ، والتسويف، هو العيش بالأماني. وكم خزل وانخذل أصحاب التسويف

فالمرء حين يتبن له الحق فينجذب إليه ينقذ نفسه من متاهات الباطل . إلا أن من الناس من يرجئ اتباع الحق متعللاً بأذيال أماني إبليس ويغفل عن قضية حياتية أن ما فات قد لا يدرك . ترى من ساهم في إيذاء أهله والاسهام في دمار وطنه ثم وقف وقفة صدق مع نفسه يراجعها . خاطبه العقل أن عُد وفارق الأوهام الخبيثة . يقول شيطانه : قول انشا الله . لا بمعنى الاستعانة بالله على التحول للحق ، بل بمعنى التسويف .

أعشى بني قيس وهو غير أعشى باهلة لَمَّا كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، اعْتَرَضَهُ بعضُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَمْرِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ جَاءَ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُسْلِمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا بَصِيرٍ، إنَّهُ يحرِّم الزِّنَا، فَقَالَ الْأَعْشَى: وَاَللَّهِ إنَّ ذَلِكَ لَأَمْرٌ مَا لِي فِيهِ مِنْ أرَب ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا بَصِيرٍ، فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ الْخَمْرَ، فَقَالَ الْأَعْشَى: أَمَّا هَذِهِ فَوَاَللَّهِ إنَّ فِي النَّفْسِ مِنْهَا لعُلالات ، وَلَكِنِّي مُنْصَرِفٌ فأتروَّى مِنْهَا عَامِي هَذَا، ثُمَّ آتِيهِ فأسْلم ، فَانْصَرَفَ فَمَاتَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَعُدْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.

والأعشى كان قد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم وكان متجها إلى يثرب

متى ما تناخى عند باب ابن هاشم ... تراحى وتلقى من فواضله ندا

نبىّ يرى ما لا ترون وذكره ... أغار لعمرى فى البلاد وأنجدا

له صدقات ما تغبّ ونائل ... وليس عطاء اليوم مانعه غدا

أجدّك لم تسمع وصاة محمد ... نبىّ الإله حيث أوصى وأشهدا

إذا أنت لم ترحل بزاد من التّقى ... ولا قيت بعد الموت من قد تزوّدا

ندمت على ألّا تكون كمثله ... فترصد للأمر الذى كان أرصدا

فإيّاك والميتات لا تقربنّها ... ولا تأخذن سهما حديدا لتفصدا

ولا النّصب المنصوب لا تنسكنّه ... ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا

ولا تقربنّ جارة إنّ سرّها ... عليك حرام فانكحن أو تأبّدا

وذا الرّحم القربى فلا تقطعنّه ... لعاقبة ولا الأسير المقيّدا

وسبّح على حين العشيّات والضّحى ... ولا تحمد الشّيطان والله فاحمدا

ولا تسخرن من بائس ذى ضرارة ... ولا تحسبنّ المال للمرء مخلدا

ترى كم من المسوفين في بلادنا ؟

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ـــــــــــــــــــ

سيرة ابن هشام (2/ 26)

آداب النفوس للمحاسبي (ص: 118)

بهجة المجالس وأنس المجالس – النمري (ص: 238)

نهاية الأرب في فنون الأدب - الدينوري(18/ 70)

 

سوف:

مصاحبة من يُرِيد مَا تُرِيدُ ومفارقة من لَا يُرِيد مَا تُرِيدُ فَإِن صُحْبَة من لَا يُرِيد مَا تُرِيدُ تَضُرك وانت لَا تشعر وصحبة من يُرِيد مَا تُرِيدُ تنفعك وَلَا تَضُرك وان كنت لَا تشعر

 

قال محمد بن عبد الملك الزيات:

وكذا الدنيا إذا ما انقلبت ... جعلت معروفها منكرها

 


السبت، 28 نوفمبر 2020

ما نافق أبو سفيان حين أسلم وكثر هم المنافقين اليوم

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

ما نافق أبو سفيان حين أسلم وكثر هم المنافقين اليوم

وقِصَّةُ إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى يَدِ الْعَبَّاسِ :

فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ الظَّهْرَانِ، قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: فَقُلْتُ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ، وَاَللَّهِ لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَنْوَةً قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ، إنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ. قَالَ: فَجَلَسْتُ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْضَاءِ، فَخَرَجْتُ عَلَيْهَا. قَالَ: حَتَّى جِئْتُ الْأَرَاكَ، فَقُلْتُ: لَعَلِّي أَجِدُ بَعْضَ الْحَطَّابَةِ أَوْ صَاحِبَ لَبَنٍ أَوْ ذَا حَاجَةٍ يَأْتِي مَكَّةَ، فَيُخْبِرَهُمْ بِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيَخْرُجُوا إلَيْهِ فَيَسْتَأْمِنُوهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عنْوَة. قَالَ: فو الله إنِّي لَأَسِيرُ عَلَيْهَا، وَأَلْتَمِسُ مَا خَرَجْتُ لَهُ، إذْ سَمِعْتُ كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ، وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ، وَأَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ نِيرَانًا قَطُّ وَلَا عَسْكَرًا، قَالَ: يَقُولُ بُدَيْلِ: هَذِهِ وَاَللَّهِ خُزَاعَةُ حَمَشَتْهَا  الْحَرْبُ. قَالَ: يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ: خُزَاعَةُ أَذَلُّ وَأَقَلُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ نِيرَانَهَا وَعَسْكَرَهَا، قَالَ: فَعَرَفْتُ صَوْتَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ، فَعَرَفَ صَوْتِي، فَقَالَ: أَبُو الْفَضْلِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نعم، قَالَ: مَا لَك؟ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: قُلْتُ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ وَاَللَّهِ. قَالَ: فَمَا الْحِيلَةُ؟ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: قُلْتُ: وَاَللَّهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِكَ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، فَارْكَبْ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ حَتَّى آتِيَ بِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَأْمِنَهُ لَكَ، قَالَ: فَرَكِبَ خَلْفِي وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ، قَالَ: فَجِئْتُ بِهِ، كُلَّمَا مَرَرْتُ بِنَارِ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَإِذَا رَأَوْا بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَيْهَا، قَالُوا عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ، حَتَّى مَرَرْتُ بِنَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ وَقَامَ إلَيَّ، فَلَمَّا رَأَى أَبَا سُفْيَانَ عَلَى عَجُزِ الدَّابَّةِ، قَالَ: أَبُو سُفْيَانَ عَدُوُّ اللَّهِ! الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ، ثُمَّ خَرَجَ يَشْتَدُّ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَكَضْتُ الْبَغْلَةَ، فَسَبَقَتْهُ بِمَا تَسْبِقُ الدَّابَّةُ الْبَطِيئَةُ الرَّجُلَ الْبَطِيءَ. قَالَ: فَاقْتَحَمْتُ عَنْ الْبَغْلَةِ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو سُفْيَانَ قَدْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ، فَدَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ، ثُمَّ جَلَسْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ، فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ لَا يُنَاجِيهِ اللَّيْلَةَ دُونِي رَجُلٌ، فَلَمَّا أَكْثَرَ عُمَرُ فِي شَأْنِهِ، قَالَ: قُلْتُ: مَهْلًا يَا عمر، فو الله أَن لَو كَانَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْتُ هَذَا، وَلَكِنَّكَ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ مِنْ رِجَالِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، فَقَالَ: مَهْلًا يَا عبّاس، فو الله لَإِسْلَامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتُ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ إسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ، وَمَا بِي إلَّا أَنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ إسْلَامَكَ كَانَ أَحَبَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبْ بِهِ يَا عَبَّاسُ إلَى رَحْلِكَ، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَأْتِنِي بِهِ، قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ إلَى رَحْلِي، فَبَاتَ عِنْدِي، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَوْتُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَوْصَلَكَ، وَاَللَّهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللَّهِ إلَهٌ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى عَنِّي شَيْئًا بَعْدُ، قَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ! أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَوْصَلَكَ! أَمَّا هَذِهِ وَاَللَّهِ فَإِنَّ فِي النَّفْسِ مِنْهَا حَتَّى الْآنَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: وَيْحَكَ! أَسْلِمْ وَاشْهَدْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُكَ. قَالَ: فَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، فَأَسْلَمَ، قَالَ الْعَبَّاسُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هَذَا الْفَخْرَ، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا، قَالَ: نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَنْصَرِفَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَبَّاسُ، احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ ، حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ فَيَرَاهَا. قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى حَبَسْتُهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي، حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَحْبِسَهُ. وحضر أبو سفيان مشاهد الفتح في بلاد الشام مقاتلا حتى فقئت عينه يوم اليرموك . وما أجمل أن يتحرى المرء بالصدق يظهر ما يبطن دون خوف ولا جزع . والبوم نرى من كان سببا في بلاء أناس أظهروا ما لم يبطنوا تعاونوا مع أعداء الوطن وأهله فجاؤوا بالدمار والخراب للوطن وأهله .

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

سيرة ابن هشام (2/ 402)

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

حمشتها الْحَرْب: أحرقتها. ومَعْنَاه: اشتدت عَلَيْهَا، وَهُوَ مَأْخُوذ من الحماسة، وَهِي الشدَّة والشجاعة.

ألم يَأن: ألم يحن

خطم الْجَبَل. الخطم: أنف الْجَبَل.