الجمعة، 19 أكتوبر 2018

ومن الهجرة نتعلم أن اتخاذ الأسباب من لوازم الوصول للهدف


صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
ومن الهجرة نتعلم
أن اتخاذ الأسباب من لوازم الوصول للهدف
من أجل ذلك، استعمل الرسول صلّى الله عليه وسلم كل الأساليب والوسائل المادية التي يهتدي إليها العقل البشري في مثل هذا العمل، حتى لم يترك وسيلة من هذه الوسائل إلا اعتدّ بها واستعملها، فترك علي بن أبي طالب ينام في فراشه ويتغطى ببرده، واستعان بأحد المشركين- بعد أن أمنه- ليدله على الطرق الفرعية التي قد لا تخطر في بال الأعداء، وأقام في الغار ثلاثة أيام متخفيا، إلى آخر ما عبّأه من الاحتياطات المادية التي قد يفكر بها العقل، ليوضح بذلك أن الإيمان بالله عز وجل لا ينافي استعمال الأسباب المادية التي أراد الله عز وجل بعظيم حكمته أن يجعلها أسبابا.
وليس قيامه بذلك بسبب خوف في نفسه، أو شكّ في إمكان وقوعه في قبضة المشركين قبل وصوله المدينة. والدليل على ذلك أنه عليه الصلاة والسلام بعد ما استنفد الأسباب المادية كلها، وتحلق المشركون حول الغار الذي يختبئ فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وصاحبه- بحيث لو نظر أحدهم عند قدمه لأبصر الرسول صلّى الله عليه وسلم- استبد الخوف بقلب أبي بكر رضي الله عنه على حين كان يطمئنه عليه الصلاة والسلام قائلا: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟» ، ولقد كان من مقتضى اعتماده على كل تلك الاحتياطات أن يشعر بشيء من الخوف والجزع في تلك الحال.
لقد كان كل ما فعله من تلك الاحتياطات إذن، وظيفة تشريعية قام بها، فلما انتهى من أدائها، عاد قلبه مرتبطا بالله عز وجل معتمدا على حمايته وتوفيقه، ليعلم المسلمون أن الاعتماد في كل أمر لا ينبغي أن يكون إلا على الله عز وجل، ولكن لا ينافي ذلك احترام الأسباب التي جعلها الله في هذا الكون أسبابا.
ـــــــــــــــــــ
فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة (ص: 138)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق