الجمعة، 5 يوليو 2019

عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْحَمِقُ الْمُطَاعُ صفة أطلقها عليه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْحَمِقُ الْمُطَاعُ
صفة أطلقها عليه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وصورة من حياة الناس في عهد النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحابته رضوان الله عليهم نتعلم منها
فَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: مَنْ هَذِهِ الْحُمَيْرَاءُ يَا مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذِهِ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ» , فَقَالَ: أَلَا أَنْزِلُ لَكَ عَنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، عَنِ ابْنَةِ جَمْرَةٍ فَتَنْكِحُهَا؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا» قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَ قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا الْحَمِقُ الْمُطَاعُ» . وروى أصحاب السير أن عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ َأقْبَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ ، فَتَلَقَّاهُ رَكْبٌ خَارِجِينَ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ هَذَا الرَّجُلِ , قَالُوا: النَّاسُ فِيهِ ثَلَاثَةٌ، رَجُلٌ أَسْلَمَ فَهُوَ مَعَهُ يُقَاتِلُ قُرَيْشًا وَالْعَرَبَ، وَرَجُلٌ لَمْ يُسْلِمْ فَهُوَ يُقَاتِلُهُ، فَبَيْنَهُمُ التَّذَابُحُ، وَرَجُلٌ يُظْهِرُ لَهُ الْإِسْلَامَ وَيُظْهِرُ لِقُرَيْشٍ أَنَّهُ مَعَهُمْ، قَالَ: مَا يُسَمَّى هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ، قَالُوا: يُسَمَّوْنَ الْمُنَافِقِينَ، قَالَ: مَا فِي مَا وَصَفْتُمْ أَحْزَمَ مِنْ هَؤُلَاءِ، اشْهَدُوا أَنِّي مِنْهُمْ ".
شَهِدَ عُيَيْنَةُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ائْذَنْ لِي حَتَّى آتِيَ حِصْنَ الطَّائِفِ فَأُكَلِّمَهُمْ. فَأَذِنَ لَهُ , فَجَاءَهُمْ، فَقَالَ: أَدْنُو مِنْكُمْ وَأَنَا آمِنٌ؟ , قَالُوا: نَعَمْ. وَعَرَفَهُ أَبُو مِحْجَنٍ فَقَالَ: أَدْنُوهُ. قَالَ: فَدَنَا فَدَخَلَ عَلَيْهِمُ الْحِصْنَ، فَقَالَ: فِدَاكُمْ أَبِي وَأُمِّي، لَقَدْ سَرَّنِي مَا رَأَيْتُ مِنْكُمْ، وَاللَّهِ إِنْ فِي الْعَرَبِ أَحَدٌ غَيْرُكُمْ، وَمَا لَاقَى مُحَمَّدٌ مِثْلَكُمْ قَطُّ، وَلَقَدْ مُلَّ الْمَقَامُ، فَاثْبُتُوا فِي حِصْنِكُمْ، فَإِنَّ حِصْنَكُمْ حَصِينٌ وَسِلَاحَكُمْ كَثِيرٌ، وَنَبْلَكُمْ حَاضِرَةٌ، وَطَعَامَكُمْ كَثِيرٌ، وَمَاءَكُمْ وَاتِنٌ، لَا تَخَافُونَ قَطْعَهُ. فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ ثَقِيفٌ لِأَبِي مِحْجَنٍ: فَإِنَّا كَرِهْنَا دُخُولَهُ عَلَيْنَا وَخَشِينَا أَنْ يُخْبِرَ مُحَمَّدًا بِخَلَلٍ إِنْ رَآهُ مِنَّا، أَوْ فِي حِصْنِنَا. فَقَالَ أَبُو مِحْجَنٍ: أَنَا كُنْتُ أَعْرَفُ بِهِ , لَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ أَشَدُّ عَلَى مُحَمَّدٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ". فَلَمَّا رَجَعَ عُيَيْنَةُ إِلَى النَّبِيِّ قَالَ لَهُ: «مَا قُلْتَ لَهُمْ؟» قَالَ: قُلْتُ: ادْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، فَوَاللَّهِ لَا يَبْرَحُ مُحَمَّدٌ عُقْرَ دَارِكُمْ حَتَّى تَنْزِلُوا فَخُذُوا لِأَنْفُسِكُمْ أَمَانًا، قَدْ نَزَلَ بِسَاحَةِ أَهْلِ الْحُصُونِ قَبْلَكُمْ: قَيْنُقَاعَ وَالنَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ وَخَيْبَرَ , أَهْلُ الْحَلْقَةِ وَالْعُدَّةِ وَالْأَطَامِ. فَخَذَّلْتُهُمْ مَا اسْتَطَعْتُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاكِتٌ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ حَدِيثِهِ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبْتَ، قُلْتَ لَهُمْ كَذَا وَكَذَا، لِلَّذِي قَالَ» ، قَالَ: فَقَالَ عُيَيْنَةُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أُقَدِّمُهُ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي»
قَالُوا: وَكَانَ عُيَيْنَةُ قَدِ ارْتَدَّ حِينَ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، وَلَحِقَ بِطُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ حِينَ تَنَبَّأَ، فَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ عَلَى مَا ادَّعَى مِنَ النُّبُوَّةِ، فَلَمَّا هُزِمَ طُلَيْحَةُ وَهَرَبَ أَخَذَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ , فَبَعَثَ بِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي وَثَاقٍ فَقَدِمَ بِهِ الْمَدِينَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَنَظَرْتُ إِلَى عُيَيْنَةَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ يَنْخُسُهُ غِلْمَانُ الْمَدِينَةِ بِالْجَرِيدِ، وَيَضْرِبُونَهُ، وَيَقُولُونَ: أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، كَفَرْتَ بِاللَّهِ بَعْدَ إِيمَانِكَ، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ آمَنْتُ. وَوَقَفَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: خِبْتَ وَخَسِرْتَ , إِنَّكَ لِمَوْضِعٌ فِي الْبَاطِلِ قَدِيمًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: أَقْصِرْ أَيُّهَا الرَّجُلُ، فَلَوْلَا مَا أَنَا فِيهِ لَمْ تُكَلِّمْنِي بِمَا تُكَلِّمُنِي بِهِ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَلَمَّا كَلَّمَهُ أَبُو بَكْرٍ رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَبِلَ مِنْهُ وَعَفَا عَنْهُ وَكَتَبَ لَهُ أَمَانًا . وجاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر فقالا يا خليفة رسول الله إن عندنا أرضا سبخة ليس فيها نخلا ولا منفعة فإن رأيت أن تقطعناها لعلنا نحرثها ونزرعها فلعل الله ينفع بها بعد اليوم قال فأقطعهم إياها وكتب لهما كتابا وأشهد وعمر ليس في القوم فانطلقا إلى عمر ليشهداه فوجداه يصلح بعيرا له فقالا إن أبا بكر قد أشهدك على ما في هذا الكتاب أفنقرأ عليك  أو تقرأ قال أنا على الحال التي ترياني فإن شئتما فاقرئا وإن شئتما فانتظرا حتى أفرغ فأقرأ قالا بل نقرأه فلما سمع ما في الكتاب تناوله من أيديهما ثم تفل فيه فمحاه فتذمراه وقالا مقاله شتم فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتألفكما والإسلام يومئذ ذليل وأن الله عز وجل قد أعز الإسلام فاذهبا فاجهدا جهدكما لا أرعى الله عليكما إن أرعيتما قال فاقبلا إلى بكر وهما يتذمران فقالا والله ما ندري أنت الخليفة أم عمر فقال بل هو لو كان شيئا قال فجاء عمر مغضبا حتى وقف على أبي بكر فقال أخبرني عن هذه الأرض التي أقطعتها هذين الرجلين أرض لك خاصة أم هي بين المسلمين عامة قال فما حملك على أن تخص هذين بها دون جماعة المسلمين قال استشرت هؤلاء الذين حولي فأشاروا علي بذلك قال فإذا استشرت هؤلاء الذين حولك أكل المسلمين أوسعت مشورة ورضى قال فقال أبو بكر قد كنت قلت لك إنك أقوى على هذا الأمر مني ولكنك غلبتني .
ــــــــــــــــ
الطبقات الكبرى – ابن سعد (ص: 561)
تاريخ الإسلام – الإمام الذهبي  (3/ 351)
تاريخ دمشق لابن عساكر (9/ 196)

ومن سيرة عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ
وَلَمَّا قَدِمَ وَفْدُ هَوَازِنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ السَّبْيَ، كَانَ عُيَيْنَةُ قَدْ أَخَذَ رَأْسًا مِنْهُمْ، نَظَرَ إِلَى عَجُوزٍ كَبِيرَةٍ فَقَالَ: هَذِهِ أُمُّ الْحَيِّ، لَعَلَّهُمْ أَنْ يُغْلُوا بِفِدَائِهَا، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي الْحَيِّ نَسَبٌ، فَجَاءَ ابْنُهَا إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ؟ قَالَ: لَا. فَرَجَعَ عَنْهُ فَتَرَكَهُ سَاعَةً، وَجَعَلَتِ الْعَجُوزُ تَقُولُ لِابْنِهَا: مَا أَرَبُكَ فِيَّ بَعْدَ مِائَةِ نَاقَةٍ؟ اتْرُكْهُ، فَمَا أَسْرَعَ مَا يَتْرُكُنِي بِغَيْرِ فِدَاءٍ. فَلَمَّا سَمِعَهَا عُيَيْنَةُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ خُدْعَةً، وَاللَّهِ مَا أَنَا مِنْ هَذِهِ الْعَجُوزِ إِلَّا فِي غُرُورٍ، لَا جَرَمَ وَاللَّهِ لَأُبَاعِدَنَّ أَثَرَكِ مِنِّي. قَالَ: ثُمَّ مَرَّ بِهِ ابْنُهَا , فَقَالَ عُيَيْنَةُ: هَلْ لَكَ فِيمَا دَعَوْتَنِي إِلَيْهِ. فَقَالَ: لَا أَزِيدُكَ عَلَى خَمْسِينَ. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَا أَفْعَلُ , ثُمَّ لَبِثَ سَاعَةً فَمَرَّ بِهِ وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهُ , فَقَالَ لَهُ عُيَيْنَةُ: هَلْ لَكَ فِي الَّذِي بَذَلْتَ لِي؟ قَالَ لَهُ الْفَتَى: لَا أَزِيدُكَ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَرِيضَةٍ. قَالَ عُيَيْنَةُ: وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ , فَلَمَّا تَخَوَّفَ عُيَيْنَةُ أَنْ يَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَيَرْتِحِلُوا قَالَ: هَلْ لَكَ إِلَى مَا دَعَوْتَنِي إِلَيْهِ؟ قَالَ الْفَتَى: هَلْ لَكَ فِي عَشْرِ فَرَائِضَ؟ قَالَ: لَا أَفْعَلُ. فَلَمَّا رَحَلَ النَّاسُ نَادَاهُ عُيَيْنَةُ: هَلْ لَكَ إِلَى مَا دَعَوْتَنِي إِلَيْهِ إِنْ شِئْتَ؟ قَالَ الْفَتَى: أَرْسِلْهَا وَأَحْمَدُكَ. قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا لِي حَاجَةٌ بِحَمْدِكَ. فَأَقْبَلَ عُيَيْنَةُ عَلَى نَفْسِهِ لَائِمًا لَهَا يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ امْرَءًا أَنْكَدَ، قَالَ الْفَتَى: أَنْتَ صَنَعْتَ هَذَا بِنَفْسِكَ، عَمَدْتَ إِلَى عَجُوزٍ كَبِيرَةٍ، وَاللَّهِ مَا ثَدْيُهَا بِنَاهِدٍ , وَلَا بَطْنُهَا بِوَالِدٍ، , وَلَا فُوهَا بِبَارِدٍ , وَلَا صَاحِبُهَا بِوَاجِدٍ، فَأَخَذْتَهَا مِنْ بَيْنِ مَنْ تَرَى. فَقَالَ لَهُ عُيَيْنَةُ: خُذْهَا، لَا بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا. قَالَ: يَقُولُ الْفَتَى: يَا عُيَيْنَةُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَسَا السَّبْيَ فَأَخْطَأَهَا مِنْ بَيْنِهِمُ الْكِسْوَةَ، فَهَلْ أَنْتَ كَاسِيهَا ثَوْبًا؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، مَا لَهَا ذَاكَ عِنْدِي. قَالَ: لَا تَفْعَلُ. فَمَا فَارَقَهُ حَتَّى أَخَذَ مِنْهُ شَمْلَ ثَوْبٍ، ثُمَّ وَلَّى الْفَتَى وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّكَ لَغَيْرُ بَصِيرٍ بِالْفُرَصِ.
الطبقات الكبرى – ابن سعد (ص: 599)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق