الجمعة، 5 يوليو 2019

الدنيا دولاب ترفع وتخفض


صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
الدنيا دولاب ترفع وتخفض
ونحن قد سمعنا واليوم نرى من كان إن دخل ، أو خرج ، قام أو قعد ، تحدث أو صمت لا أثر ولا تأثير فإذا بالدنيا قد رفعته ليُسمع ويترك سواه ومن كان إن قال خشيه الناس ، ويأمر بعد أن كان يبحث عن من يأمره وسبحان الله العظيم .
ورحم الله المتنبي
ولو لم يعل إلا ذو محل ... تعالى الجيش وانحط القتام
والقصد بقول المتنبي : أن الدنيا ترفع قومًا لا يستحقون أن يرتفعوا وتحط من يجب أن يكون مرفوعًا, ولو لم يعل إلا من له مقدار في نفسه لكان الجيش أولى بالعلو من القتام الذي ترفعه حوافر الخيل.
ورحم الله من عرف للناس منزلهم وقدرهم . زارت حرقة بِنْت النُّعْمَان  وهي من سلالة الملوك سعد بْن أبي وَقاص
حَدَّثَ حَسّان بْن أبان البَعْلَبَكيّ، قَالَ: لمّا قَدِمَ سَعْد بْن أبي وَقاص الْقَادِسِيَّة أَمِيرا أتتْه حرقة بِنْت النُّعْمَان بْن الْمُنْذر فِي جَوَارٍ فِي مثل زِيَّها، تطلب صِلَته، فَلَمّا وقفن بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: أيتكن حرقة؟ قُلْنَ: هَذِهِ، قَالَ: أَنْت حرقة؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَمَا تكرارك استفهامي؟ إِن الدُّنْيَا دَار زَوَال وَإِنَّهَا لَا تدوم على حَال، تنْتَقل بِأَهْلِهَا انتقالا، وتُعقبهم بَعْدَ حَال حَالا، إِنَّا كنا ملوكَ هَذَا الْمِصْرِ قبلك، يُجْبى إِلَيْنَا خَرْجه، ويُطيعنا أَهله، مدَّة الْمدَّة وزمان الدّولة، فَلَمّا أدبر الْأَمر وانقضى، صَاح بِنَا صائحُ الدَّهْر، فصدع عصانا وشتّتَ ملأنا، وكذاك الدَّهْر يَا سَعْد، إِنَّهُ لَيْسَ من قَوْمٍ بحبرة إِلَّا والدهر مُعقبهم عَبْرة، ثُمَّ أنشأت تَقول:
فَبينا نَسُوسُ الناسَ وَالْأَمر أمرنَا ... إِذَا نَحْنُ فيهم سوُقةٌ نَتَنَصَّفُ
فأف لدُنْيَا لَا يَدُوم سرورها ... تقبل تاراتٍ بِنَا وتصرفُ
فَقَالَ سَعْد: قَاتل اللَّه عَدِيّ بْن زَيْدُ كَأَنَّهُ كَانَ ينظر إِلَيْهَا حَيْث تَقول:
إِن للدهر صَوْلةً فاحْذَرَنْها ... لَا تبين قَدْ أمنت الشُّرُورا
قَدْ يبيت الْفَتى مُعَافًى فيُرْزَا ... وَلَقَد كَانَ آمنا مَسْرُورًا
وَأَكْرمهَا سَعْد وَأحسن جائزتها فَلَمَّا أَرَادَت فِرَاقه، قَالَتْ: حَتَّى أُحَيِّيك تحيةَ أمْلاكِنَا بَعضهم بَعْضًا: لَا جعل الله لَك إِلَّا لئيمٍ حَاجَة، وَلَا زَالَ لكريم عنْدك حَاجَة، وَلَا نزع من عَبْد صَالح نعْمَة إِلَّا جعلك سَببا لردّها عَلَيْهِ. فَلَمّا خرجت من عِنْدَهُ تلقاها نساءُ الْمِصْر فَقُلْنَ لَهَا: مَا صنع بك الْأَمِير؟ قَالَتْ:
حَاطَ لي ذِمّتي وَأكْرم وَجْهي ... إِنَّمَا يُكْرم الكريمُ الكَريما
ــــــــــــــــــــــ
الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي - النهرواني(ص: 124)
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي (ص: 1255)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق