الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017

لنتعلم الأدب ومن حياة سلفنا نتعلم

لنتعلم الأدب
ومن حياة سلفنا نتعلم
بين المأمون والنضر بن شميل المازني
طوال حياتي في التعليم كنت أدعو لضرورة المعلم القدوة ، المعلم المؤدب
اصطنعوا المعلم المرشد النفسي ليدخل تحت ظله معلمون راغبون في تطبيق ما تعلموه في الجامعة من معلومات نظرية هي في أصولها بعيدة عن بيئتنا وثوابت قيمنا ، بعدها هذا يقف حجر عثرة شديد القوة يواجههم في عملهم ، لننشئ لا هو بالعربي من جانب ولا بالمتمدن بمفهوما الغربي
والمشكلة في أن الخريجين يحملون أفكار نبتت في غير أرضنا والمطلوب ترجمتها على أرض الواقع سلوكا في حياة أبنائنا وكأننا لانملك قواعد تعيد مجد أمتنا
الحياة العربية والتاريخ العربي الإسلامي ، والتربية في الإسلام لا شأن لهم بها . وإن درست فبشكل عابر
وفي التربية لا بد من استيعاب الواقع لتملك القدرة على إحداث تغير فيه ، وفهم الواقع مناط بفهم حذور المشكلات عبر تاريخها ، وهنا يحتاج الأمر لركائز منها قضية الثقافة والسن بالنسبة للمعلم المؤدب فانقياد المعلم الأكبر سناً للأصغر قضية فيها ما فيها من صعوبة ، كذلك إن خبرات المعلم المؤدب وتجاربه ذات أهمية بالغة في تعامله مع محيط عمله
ومن تاريخنا نتعلم الأدب ومن خلال القصة التي التالية نلاحظ أدب المعلم وأدب الخلفية التي تأدب على القيم العربية :
حدث أبو بشر محمد بن ناصح الاصبهاني عن النضر بن شميل المازني قال: كنت أدخل على المأمون في سمره فدخلت عليه ذات ليلة وعلي قميص مرقوع فقال يا نضر ما هذا القشف فقلت يا أمير المؤمنين أنا شيخ ضعيف وحر مر وشديد فأتبرد بهذه الخلقان، قال لا ولكنك قشف وأجرينا الحديث إلى أن أخذ المأمون فى ذكر النساء فقال:حدثنا هُشيم عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال قال رسول الله :(إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سَدادٌ من عَوَزٍ) فقلت صدق يا أمير المؤمنين هُشيم : حدثنا عوف بن أبي جميلة عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله : قال (إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سِدادٌ من عَوَزٍ) قال وكان متكئاً فاستوى جالسا فقال يا نضر كيف قلت سِدادٌ قلت يا أمير المؤمنين السداد ههنا لحن قال ويحك أتلحنني قلت إنما لحن هُشيم وكان لحانه فتبع أمير المؤمنين لفظه، قال فما الفرق بينهما قلت السِّداد القصد في الدين والسبيل، والسداد البلغة وكل ما سددت به شيئا فهو سداد، قال وتعرف العرب هذا؟ قلت نعم العرجى يقول:
(أضاعوني وأى فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسِداد ثغر)
قال قبح الله من لا أدب له، ثم أطرق مليا ثم قال: أنشدني أخلب بيت قالته العرب قلت حمزة بن
تقول لي والعُيونُ هاجعةٌ ... اقم علينا يوماٌ فلم اقم
أى الوجوه انتجعت قلت لها ... وأى وجه إلا الى الحكَم
متى يقل صاحبا سرادقه ... هذا ابن بيض بالباب يبتسم
قد كنت أسلمتُ فيك مقتبلا ... فهات أدخل أو قى سلمى
فقال أحسن ما شاء، أنشدني أنصف بيت قالته العرب قلت أبو عروه المدني حيث يقول:
إني وان كان ابن عمي واغرا ... لمزاحم من خلفه وورائه
وممده تصرى وإن كان امرأ ... متزحزحا في أرضه وسمائه
فقال أحسن ما شاء، ما مالك يا نضر؟ فقلت أريض لي بمرو أتصابها وأتمززها قال ألا نفيدك مع ذلك مالا؟ قلت إني الى ذلك محتاج قال فأخذ القرطاس وكتب ولا أدري ما كتب، قال كيف تقول من التراب اذا أمرت أن تترب؟ قلت أتربه، قال فهو ماذا؟ قلت مترب، قال فمن الطين؟ قلت وطنه، قال فهو ماذا؟ قلت مطين، قال هذه أحسن من الأولى ثم قال يا غلام أتربه وطنه، ثم صلى بنا العشاء ثم قال لخادمه تبلغ معه إلى الفضل بن سهل. فأتيته فلما قرأ الكتاب قال يا نضر إن أمير المؤمنين أمر لك بخمسين ألف درهم فما كان السبب فأخبرته ولم أكذبه فقال لحنت أمير المؤمنين فقلت كلا إنما لحن هشيم وكان لحانة فتبع أمير المؤمنين لفظه وقد تتبع الفقهاء، فأمر لى الفضل بثلاثين ألفاَ فأخذت ثمانين ألفا بحرف استفاده منى.
ـــــــ
ديوان المعاني – أبو الهلال العسكري(1/ 12)
ــــــــــــــــــــــ
الخلقان : بالية
قشف : متقشف
الظفر : الحصول على الشيء بمشقة وتعب على بعد منه


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق