الأحد، 29 سبتمبر 2019

بين النفاق والوفاء


صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
بين النفاق والوفاء
نفاق اعترى مسلم ، ووفاء تحلى به رجل من يهود
ومن سيرة طالوت بن عبد الجبار المعافري الأندلسي نتعلم
وهو من أهل قرطبة. وكان أحد ممن أخذ عن مالك بن أنس في ذهابه للحج، وكان من أهل العلم. واشتهر بالصلاح والفضل. اختفى خوفا من بطش الحكم بن هشام وقد قرب إليه أهل الفسق فثار عليه أهل قرطبة عليه. وتمكن الحكم من قم ثورتهم  استخفى طالوت خوفاً على نفسه، عند رجل من اليهود من جيرانه، وثق به. فتقبله أحسن قبول. ومكث عنده بأفضل حال، حولاً. حتى طفيت الثائرة وظن الفتية أنه أهل اليهودي. وكانت بينه وبين أبي البسّام الوزير، وصلة جذبها إليه رجاء الأخذ له الأمان. فساء اليهودي تحوّله عنه، ونصحه. فلج وقصد الوزير خفية بين العشائين فأظهر القبول، وسأله أين كان قبل. فأخبره فصوّب رأيه في انتقاله إليه، ووعده الشفاعة له، وبادر بالركوب في وقته، وقد وكل به من يحرسه، فقال الأمير ما رأيك في عجل سمين عاكف على مذودة منذ سنة يلذ مطعمه، هذا طالوت رأس المنافقين عندي. قد أظفرك الله له. قال: قم فعجّل به، ووثب فجلس على كرسي بباب مجلسه، يتوقد غيظاً عليه. فلم يلبث أن أدخل طالوت عليه، فجعل يتقرعه بذنوبه، ويقول: طالوت الحمد الله الذي أظفرني بك، ويحك أخبرني لو أن أباك أو أبنك قعد مقعدي بهذا القصر، أكانا يزيدانك من البر والإكرام على ما فعلته أنا بك؟ هل رددت قط حاجة لك أن لغيرك؟ ألم أشاركك في حلوك ومرِّك؟ ألم أعدك مرات في محلاتك؟ ألم أشاركك في حزنك على زوجتك؟ ومشيت في جنازتها راجلاً إلى مقبرة الربض؟ وانصرفت مقك كذلك إلى منزلك؟ وغير شيء من التوقير فعلته بك؟ ما حملك على ما قابلت به إجمالي؟ ولم ترض مني إلا بخلع سلطاني، وسعي لسفك دمي، واستباحة حرمتي؟ فقال له طالوت: ما أجد لي في هذا الوقت مقالاً أنجى من صدقك به. أبغضتك لله وحده. فلم ينفعك عندي كل ما صنعته، عوض دنياك. فسري عن الأمير وسكن غيظه، وملىء عليه رقة. فقال: والله لقد أحضرتك، وما في الدنيا عذاب إلا وقد عرضته اختار بعضه لك، وقد حيل بيني وبينك، فأنا أعلمك أن الذي أبغضني له، صرفني عنك، فانصرف في أمان الله تعالى، وانصرف حيث شئت، وارفع إليّ حاجتك، فلم تعدم فيّ براً. فيا ليت الذي كان لم يكن. فقال له طالوت صدقت فلو لم يكن كان خيراً لك، ولا مرد لأمر الله.
ثم نادى على وزيره " أبي البسام " وقال له : يا لك من رجل سوء - قاتلك الله أيها المشؤوم ." أكرمه يهودي من أعداء الملّة ، وسترَ عليه لمكانة العلم والدين ، وخاطرَ بنفسه من أجله ، وغدرت به أنت يا صاحب الدين حين قصدك !!
أيها المشئوم ألا أديت له حق تعليمه لك ؟؟ ألم تعلم أنه من خيار أهلِ ملّتك ، وأردتَ أن تزيدنا فيما نحن قائمون عليه
من سوء الانتقام  أُخرج عني.. قبّحك الله .. لا أرانا الله في القيامة وجهك هذا - إن رأينا لك وجها ولا أريد أن أراك بعد اليوم أيها المشئوم ثم طرده من الوزارة وضيّق أرزاقه ، ثم مضت سنوات فرأى الناس هذا الوزير المنافق الكاذب - في فاقةٍ وذُلّ ،
فقيل له مابك وما الذى أصابك فقال: استُجيبت فيَّ دعوة الفقيه طالوت وكتب الحَكم لليهودي كتابا بالجزية فيما ملك ،
وزاد في إحسانه ، فلما رأى اليهودي ذلك ، أسلم .
وأما " طالوت " فلم يزل مبرورًا عند الأمير إلى أن توفي ، فحضر " الحَكم " جنازته وأثنى عليه بصدقه. وإخلاصه -وعلمه-
فلم يزل طالوت لديه بعد مبروراً، إلى أن توفي عن قريب، فأنبىء له الحكم وحضر جنازته وأثنى عليه به بصدقه.
ــــــــــــــــــــــ
ترتيب المدارك وتقريب المسالك - اليحصبي (3/ 340)
سير أعلام النبلاء– الإمام الذهبي  (7/ 281)
المغرب في حلى المغرب -  سعيد المغربي الأندلسي(1/ 43)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق