الأحد، 22 سبتمبر 2019

العاقل من فهم مقادير الزمان


صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
العاقل من فهم مقادير الزمان
وقالت العرب وقلنا
نحن نطلق لفظ الولد للمولود وكذلك لفظ الطفل . والغلام إذا بلغ عشرا تقول العرب قد رمى أي قويت يده ، ونحن نقول عنه صبي ، ويقال أيضا : عَجيٌّ، والبنت عَجيّة والجميع  .وفي عشرين يقولون قد لوى أي هو قادر على لي يد غيره، ونحن نقول جاهل .وفي الثلاثين قد غوى، وهو الإنهماكُ في الغَيّ . فإذا بلغ الأربعين قيل قد استوى، وفي حال الخمسين قد حرى أي صار حريا بأن يظهر فضله.
وحكي عن بزرجمهر أنه قال: إذا بلغ عشر سنين فقد انعقد وأطلق عليها عقدة العشرة .فإذا صار إلى عشرين فقد توسط الخير والشر توسط الإبهام للسبابة والوسطى، فإذا صار إلى الثلاثين فقد كمل واستوى وإذا بلغ الأربعين فقد بلغ الأشد وشدّ الأزر وإذا بلغ الخمسين فقد انكسر وقعد، وإذا بلغ الستين فقد انضم، فإذا بلغ السبعين فقد عاد في أخلاق الصبيان، ونحن نقول : خرفان . فإذا بلغ الثمانين فقد تقوّس عقد ما فإذا بلغ التسعين فقد صار في ضيق عيش كضيق عقدها، وإذا بلغ المائة انتقل عن الدنيا انتقال عقدها إلى اليد الأخرى.
فإذا شُبِه العمر بالسِلّم ، يرتقي فيه المرء وليس إلى مالا نهاية فلا بد بعد الصعود أن ينحط
ترى أين بصمة العقلاء ؟ ممن بلغ العشرين وزاد عن ...
هناك من يعصي الله ويصور المعصية على أنها عمل في سبيل الله
يسب ويلعن ، يودي بنفسه وأهله للتهلكة .وقد يقتل وكلها في سبيل الله
نحن بانتظار أصحاب الهمم ، ليكونوا سببا في رفع البلاء عنا
يا رب يا رب فرج عن الشام وأهل الشام
ــــــــــــــ
أمثال العرب - الضبي(ص: 26)
جمهرة اللغة (3/ 1295)
محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء- الراغب الأصفهاني (2/ 361)
صيد الخاطر – ابن الجوزي (ص: 278)

يقول ابن الجوزي رحمه الله : فالعاقل من فهم مقادير الزمان؛ فإنه فيما قبل البلوغ صبي، ليس على عمره عيار، إلا أن يرزق فطنة، ففي بعض الصبيان فطنة تحثهم من الصغر على اكتساب المكارم والعلوم.
فإذا بلغ، فليعلم أنه زمان المجاهدة للهوى، وتعلم العلم، فإذا رزق الأولاد، فهو زمان الكسب للمعاملة، فإذا بلغ الأربعين، انتهى تمامه، وقضى مناسك الأجل، ولم يبق إلا الانحدار إلى الوطن.
كأن الفتى يرقى من العمر سلمًا ... إلى أن يجوز الأربعين وينحطُّ
فينبغي له عند تمام الأربعين أن يجعل جل همته التزود للآخرة، ويكون كل تلمحه لما بين يديه، ويأخذ في الاستعداد للرحيل، وإن كان الخطاب بهذا لابن عشرين، إلا أن رجاء التدارك في حق الصغير لا في حق الكبير.
فإذا بلغ الستين؛ فقد أعذر الله إليه في الأجل، وجاز من الزمن ، فليقبل بكليته على جمع زاده، وتهيئة  آلات السفر، وليعتقد أن كل يومٍ يحيا فيه غنيمة4 ما هي في الحساب، خصوصًا إذا قوي عليه الضعف وزاد، فإنه لا محرك لهو وكلما علت سنه، فينبغي أن يزيد اجتهاده.
فإذا دخل في عشر الثمانين، ليس إلا الوداع، وما بقي من العمر إلا أسف على تفريط، أو تعبد على ضعف.
نسأل الله عز وجل يقظة تامة، تصرف عنا رقاد الغفلات، وعملًا صالحًا نأمن معه من الندم يوم الانتقال. والله الموفق.
__________
1 العيار: الوزن أو الكيل.
2 مضى من العمر أكثره.
3 في الأصل: تهييئ.
4 في الأصل: لغنيمة.
5 أي: كالضعف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق