الاثنين، 17 يوليو 2017

ضرب زيد وعمرو

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
وحكاية ضرب زيد وعمرو:
علمونا وعلمناها طلابنا
وأصبحت حكمة نتداولها فالضرب أو العقاب ليس لنا أن نوقعه إلا على مذنب وبالحجم الذي استجوبه الذنب لا نتجاوزه ونسرف فيه انتقاما
مع كل آسف كثيرون اتخذوا من العقوبة سبيلا للانتقام ، في حين أن العقوبة شكل من التربية
لقد تحول العقاب إلى شكل من أشكال المتعة الظاهرية ، أو سبيل لتحقيق أهداف باطنة
هناك من باع أرضه أو بيته ، ليعاقب جاره ، أو لعجزه عن معاقبته
وهناك من باع وباع ….
ونعود للمثل المعري : نكاية في الطهارة نبول في اللباس
وهذه حكاية زيد وعمرو
أراد داود باشا أحد الوزراء السالفين في الدولة العثمانية أن يتعلم اللغة العربية فأحضر أحد علمائها, وأنشأ يتلقى عليه دروسها عهدا طويلا فكانت نتيجة علمه ما ستراه.
سأل شيخه يوما ما الذي جناه عمرو من الذنوب حتى استحق أن يضربه زيد كل يوم ويقتله تقتيلا ويبرح به هذا التبريح المؤلم, وهل بلغ عمرو من الذل والعجز منزلة من يضعف عن الانتقام لنفسه، وضرب ضاربه ضربة تقضي عليه القضاء الأخير؟
سأل شيخه هذا السؤال وهو يتحرق غيظا وحنقا ويضرب الأرض بقدميه, فأجابه الشيخ: ليس هناك ضارب ولا مضروب، وإنما هي أمثلة يأتي بها النحاة لتقريب القواعد من أذهان المتعلمين، فلم يعجبه هذا الجواب, وأكبر أن يعجز مثل هذا الشيخ عن معرفة الحقيقة في هذه القضية فغضب عليه وأمر بسجنه، ثم أرسل إلى نحوي آخر فسأله كما سأل الأول فأجابه بنحو جوابه فسجنه كذلك، ثم ما زال يأتي بهم واحدا بعد واحد حتى امتلأت السجون وأقفرت المدارس وأصبحت هذه القضية المشؤومة الشغل الشاغل له عن جميع قضايا الدولة ومصالحها، ثم بدا له أن يستوفد علماء بغداد فأمر بإحضارهم فحضروا وقد علموا قبل الوصول إليه ماذا يراد بهم، وكان رئيس هؤلاء العلماء بمكانة من الفضل والحذق والبصر بموارد الأمور ومصادرها، فلما اجتمعوا في حضرة الوزير أعاد عليهم ذلك السؤال بعينه, فأجابه الرئيس: إن الجناية التي جناها عمرو يا مولاي يستحق أن ينال لأجلها من العقوبة أكثر مما نال، فانبسطت نفسه قليلا وبرقت أسارير وجهه, وأقبل على محدثه يسأله: ما هي جنايته؟ فقال له: إنه هجم على اسم مولانا الوزير واغتصب منه الواو فسلط النحويون عليه زيدا يضربه كل يوم جزاء وقاحته وفضوله "يشير إلى زيادة واو عمرو وإسقاط الواو الثانية من داود في الرسم" فأعجب الوزير بهذا الجواب كل الإعجاب، وقال لرئيس العلماء: أنت أعلم من أقلته الغبراء، وأظلته الخضراء، فاقترح علي ما تشاء، فلم يقترح عليه سوى إطلاق سبيل العلماء المسجونين، فأمر بإطلاقهم وأنعم عليهم وعلى علماء بغداد بالجوائز والصلات.
أحسن داود باشا في الأولى وأساء في الأخرى، ولو كنت مكانه لما أطلقت سبيل هؤلاء النحاة من سجنهم حتى آخذ عليهم
وما أجمل قول أمية بن أبي الصلت :
وَقَد يَقتُلُ الجَهلَ السُؤالُ وَيَشتَفي       إِذا عايَنَ الأَمرَ المُهِمَّ المُعاينُ
وَفي البَحثِ قِدماً وَالسُؤالُ لَذي العَمى       شِفاءٌ وأَشفى مِنهُما ما تُعاينُ
ورضي الله عن سيدنا علي بن أبي طالب إذ قال :
وَفي الجَهلِ قَبلَ المَــــــوتِ مَوتٌ لِأَهلِهِ       وَأَجســــــادُهُم قَبلَ القُبورِ قُبورُ
وَإِنَّ اِمرَءاً لَم يُــحيِ بِالعِلمِ مَيِّتٌ       وَلَيـــــــــسَ لَهُ حَتّى النَشورِ نُشورُ
النظرات - المنفلوطي(1/ 308)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق