الثلاثاء، 26 مايو 2020

لا نقبل الخطأ ، ولا تعايش مع من أخطأ قضية فيها نظر

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

لا نقبل الخطأ ، ولا تعايش مع من أخطأ

قضية فيها نظر

ومن سيرة أبي محجن الثقفي نتعلم كيفية التعايش مع من أخطأ

مبدأ البعض الترحيل إما على الجنة ، وإما إلى النار ، مبدأ من انحرف عن جادة الصواب ، والترحيل للجنة أو النار ، شأن خاص بمن خلقهما وهو العدل جلّ في علاه . إلا البعض وضعوا أنفسهم نوابا عن ربهم وكأن الله أطلعهم على غيبه فأطلقوا أحكامهم هكذا جذافاً ففلان في الجنة وفلان في النار . ننتقم لأنفسنا وننسب غضبنا ونقمتنا لله . فمن لا نحبه ومن خالفنا بل من كان معارضا لوجهة نظر هو من أهل النار . ومن والانا ووقف في صفنا هو من أهل الجنة . من أخطأ نصب عليه جام غضبنا ، مقاطعة لا رجعة عنها . وتسأل نفسك لِم أنزل الله الحدود ؟ أجعلها كفارة للذب ؟ أم باب للانتقام ؟

أبو مِحْجَن  الثقفي، صحابي أسلم حين أسلمت ثقيف وَكَانَ أَبُو محجن من الشجعان الأبطال فِي الجاهلية والإسلام، من أولي البأس والنجدة ، وَكَانَ شاعرًا مطبوعًا كريمًا، إلا أنه كَانَ منهمكًا فِي الشراب، لا يكاد يقلع عنه، ولا يردعه حد ولا لوم لائم، وَكَانَ أَبُو بَكْر الصديق يستعين به، وجلده عُمَر بْن الْخَطَّابِ فِي الخمر مرارًا، ونفاه إِلَى جزيرة فِي البحر، وبعث معه رَجُلا، فهرب منه ولحق بسعد بْن أبي وقاص بالقادسية، وَهُوَ محارب للفرس، وَكَانَ قد هم بقتل الرجل الَّذِي بعثه معه عمر، فأحس الرجل بذلك، فخرج فارًا فلحق بعمر فأخبره خبره، فكتب عمر إِلَى سعد بْن أبي وقاص بحبس أبي محجن، فحبسه. فلما كَانَ يوم ؟ بالقادسية، والتحم القتال ، و أَبُو محجن ينظر وكأن ثغرة في جيش المسلمين قد فتحت ، تألم أبو محجن وأنشد قائلا :

كفى حزنا أن ترتدي الخيل بالقنا ... وأترك مشدودًا علي وثاقيا

إذا قمت عناني الحديد وغلقت ... مصارع دوني قد تصم المناديا

وقد كنت ذا مال كثير وإخوة ... فقد تركوني واحدًا لا أخا ليا

وقد شف جسمي أنني كل شارق ... أعالج كبلًا مصمتًا قد برانيا

فلله دري يوم أترك موثقًا ... ويذهل عني أسرتي ورجاليا

حبسنا عَنِ الحرب العوان وقد بدت ... وأعمال غيري يوم ذاك العواليا

فلله عهد لا أخيس بعهده ... لئن فرجت ألا أزور الحوانيا

وسأل امرأة سعد أن تحل قيده وتعطيه فرس سعد، وعاهدها أنه إن سلم عاد إِلَى حاله من القيد والسجن، وإن استشهد فلا تبعة عَلَيْهِ ،  فحلت عنه قيوده، وحمل عَلَى البلقاء فرس سعد كَانَ فِي الدار، وأعطى سلاحًا، ثم خرج يركض حَتَّى لحق بالقوم، فجعل لا يزال يحمل عَلَى رجل فيقتله ويدق صلبه، فنظر إليه سعد فجعل منه يتعجب ويقول: من ذلك الفارس؟ فلم يلبثوا إلا يسيرًا حَتَّى هزمهم اللَّه ورد السلاح، وجعل رجليه فِي القيود كما كَانَ، فجاء سعد، فقالت له امرأته- أَوْ أم ولده: كيف كَانَ قتالكم؟ فجعل يخبرها، ويقول: لقينا ولقينا، حَتَّى بعث اللَّه رَجُلا عَلَى فرس أبلق، لولا أني تركت أبا محجن فِي القيود لظننت أنها بعض شمائل أبي محجن. فقالت: والله إنه لا بو محجن، كَانَ من أمره كذا وكذا ... فقصت عَلَيْهِ قصته، فدعا به، وحل قيوده، وَقَالَ: والله لا نجلدك عَلَى الخمر أبدًا. قَالَ أَبُو محجن: وأنا والله لا أشربها أبدًا، كنت آنف أن أدعها من أجل جلدكم. قَالَ: فلم يشربها بعد ذلك.

من الصحابة رضوان الله عليهم ، نتعلم الوقوف عند الحدود

ونحنا مبدؤنا غضبت عليك قطعت راسك . ورضيت بس من وين بقا بدي جبلك راس

تسرع لا مبرر له ، وما وراء السرعة إلا الهلاك

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ـــــــ

الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى - القرطبي(1/ 219)

الاستيعاب في معرفة الأصحاب - النمري(4/ 1746)

 

===========

أَبُو محجن الثقفي.

اختلف فِي اسمه، فقيل: اسمه مالك بْن حبيب.

وقيل عَبْد اللَّهِ بْن حبيب بْن عَمْرو بْن عمير بْن عوف بن عقدة بن غيرة  ابن عوف بْن قسي- وَهُوَ ثقيف- الثقفي. وقيل اسمه كنيته. أسلم حين أسلمت ثقيف، وسمع من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عنه. حدث عنه أَبُو سعد البقال، قَالَ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أخوف مَا أخاف عَلَى أمتي من بعدي ثلاث: إيمان بالنجوم، وتكذيب بالقدر، وحيف الأئمة. ومن رواية أهل الأخبار أن ابنًا لأبي محجن الثقفي دخل عَلَى معاوية، فَقَالَ له معاوية: أبوك الّذي يقول:

إذا مت فادفني إِلَى جنب كرمة ... تروي عظامي بعد موتى عروقها

ولا تدفننّي بالفلاة فإنني ... أخاف إذا مَا مت أن لا أذوقها

فَقَالَ له ابْن أبي محجن: لو شئت ذكرت أحسن من هَذَا من شعره، فقال: وما ذاك؟ قال: قوله:

لا تسأل الناس عَنْ مالي وكثرته ... وسائل الناس عَنْ حزمي وعن خلقي

القوم أعلم أني من سراتهم ... إذا تطيش يد الرعديدة الفرق

قد أركب الهول مسدولًا عساكره ... وأكتم السر فيه ضربة العنق

أعطي السنان غداة الروع حصته ... وحامل الرمح أرويه من العلق

قد يعسر المرء حينًا وَهُوَ ذو كرم ... وقد يثوب سوام العاجز الحمق

سيكثر المال يومًا بعد قلته ... ويكتسي العود بعد اليبس بالورق

فَقَالَ له معاوية: لئن كنا أسأنا القول لنحسنن لك الصفد، وأجزل جائزته. وَقَالَ: إذا ولدت النساء فلتلدن مثلك. وزعم هيثم  بْن عدي أنه أخبره من رأى قبر أبي محجن الثقفي بأذربيجان- أَوْ قَالَ فِي نواحي جرجان، وقد نبتت عَلَيْهِ ثلاثة أصول كرم، وقد طالت  وأثمرت، وهي معروشة عَلَى قبره، ومكتوب عَلَى القبر: هَذَا قبر أبي محجن الثقفي. قَالَ: فجعلت أتعجب، وأذكر قوله: إذا مت فادفني إِلَى جنب كرمة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق