الأربعاء، 4 مارس 2020

الاستكبار عن الحق سبيل للهلاك ومن لهب بن أبي لهب و عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ نتعلم


صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
الاستكبار عن الحق سبيل للهلاك
ومن لهب بن أبي لهب و عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ نتعلم
فقضية الاستكبار ربما كانت سر البلاء الذي نحن فيه . فقد قتل قابيل آخاه هابيل وكان هابيل الأقدر على قتله إلا أنه انصاع للحق فَقَالَ هَابِيلُ لأخيه : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَ‌ٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴿٢٩﴾سورة المائدة  . أَيْ أُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْكَ خَطِيئَتُكَ وَدَمِي فَتَبُوءَ بِهِمَا . وكذلك قوم سيدنا نوح : .. جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ﴿٧﴾سورة نوح والحال مستمر حتى من كفر من قريش . ومن نماذج المستكبرين : كَانَ لهب بْن أَبِي لهب وقيل عتبة ، فكان يسب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلّم: «اللَّهمّ، سلط عَلَيْهِ كلبا من كلابك» . وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ يَحْمِلُ الْبَزَّ إِلَى الشَّامِ، فَبْعَثُ بِوَلَدِهِ مَعَ غِلْمَانِهِ وَوُكَلَائِهِ وَقُالُ: أَبُو لَهب لمن رافقه : إِنَّكُم قد عَرَفْتُمْ سني وحقي وَأَن مُحَمَّدًا قد دَعَا على ابْني دَعْوَة وَالله مَا آمنها عَلَيْهِ فَيُتعَاهِدُوهُ، فكَانُوا إِذَا نَزَلَوا الْمَنْزِلَ أَلْزَقُوهُ إِلَى الْحَائِطِ، وَغَطُّوا عَلَيْهِ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ زَمَانًا، ومرة خَرَجَوا حَتَّى نَزَلُوا الزرقاء مَكَانٍ مِنَ الشَّامِ وافرشوا عَلَى لهب وحوله وجعلوا متاعهم كالصومعة تلبية لرغبة أبي لهب وَبَات هُوَ فَوق الْمَتَاع وَكانوا حوله فجَاء الْأسد فشم وُجُوه القوم وعُتَيْبَةُ يَقُولُ: يَا وَيْلُ أُمِّي هُوَ وَاللهِ آكِلِي كَمَا دَعَا مُحَمَّدٌ عَلَيَّ، قَتَلَنِي ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَأَنَا بِالشَّامِ فَلَمَّا لم يجد مَا يُرِيد تقبض ثمَّ وثب فاذا هُوَ فَوق الْمَتَاع فشم وَجهه ثمَّ هَزَمه هزمة ففضخ رَأسه . نعم كان أبو لهب وابنه على علم بصدق النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أنه الاستكبار .
عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ كان عَدُوُّ اللَّهِ، وعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكان يُرِيدُ الْغَدْرَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: يَا عَامِرُ، إنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا فَأَسْلِمْ. قَالَ:وَاَللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ آلَيْتُ أَنْ لَا أَنْتَهِيَ حَتَّى تَتْبَعَ الْعَرَبُ عَقِبِي، أَفَأَنَا أَتْبَعُ عَقِبَ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ! ثُمَّ قَالَ لِأَرْبَدَ بن قيس العامري ابن عمه: إذَا قَدِمْنَا عَلَى الرَّجُلِ، فَإِنِّي سَأَشْغَلُ عَنْكَ وَجْهَهُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَاعْلُهُ بِالسَّيْفِ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: يَا مُحَمَّدُ، خَالِنِي ، قَالَ: لَا وَاَللَّهِ حَتَّى تُؤْمِنَ باللَّه وَحْدَهُ. قَالَ: يَا مُحَمَّدُ خَالِنِي. وَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ وَيَنْتَظِرُ مِنْ أَرْبَدَ مَا كَانَ أَمَرَهُ بِهِ، فَجَعَلَ أَرْبَدُ لَا يُحِيرُ شَيْئًا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَى عَامِرُ مَا يَصْنَعُ أَرْبَدُ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ خَالِنِي قَالَ: لَا، حَتَّى تُؤْمِنَ باللَّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. فَلَمَّا أَبَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلًا وَرِجَالًا، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ اكْفِنِي عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ. فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَامِرٌ لِأَرْبَدَ: وَيْلَكَ يَا أَرْبَدُ أَيْنَ مَا كُنْتُ أَمَرْتُكَ بِهِ؟ وَاَللَّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ رَجُلٌ هُوَ أَخْوَفَ عِنْدِي عَلَى نَفْسِي مِنْكَ. وَاَيْمُ اللَّهِ لَا أَخَافُكَ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا. قَالَ: لَا أَبَا لَكَ! لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، وَاَللَّهِ مَا هَمَمْتُ بِاَلَّذِي أَمَرْتنِي بِهِ مِنْ أَمْرِهِ إلَّا دَخَلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّجُلِ، حَتَّى مَا أَرَى غَيْرَكَ، أَفَأَضْرِبكَ بِالسَّيْفِ؟ وَخَرَجُوا رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، بَعَثَ اللَّهُ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ الطَّاعُونَ فِي عُنُقِهِ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ . وأما أربد فخين لحق بقومه قالوا : مَا وَرَاءَكَ يَا أَرْبَدُ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ وَاَللَّهِ، لَقَدْ دَعَانَا إلَى عِبَادَةِ شَيْءٍ لَوَدِدْتُ أَنَّهُ عِنْدِي الْآنَ، فَأَرْمِيَهُ بِالنَّبْلِ حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَخَرَجَ بَعْدَ مَقَالَتِهِ بِيَوْمِ أَوْ يَوْمَيْنِ مَعَهُ جَمْلٌ لَهُ يَتْبَعُهُ ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَلِهِ صَاعِقَةً، فَأَحْرَقَتْهُمَا.
عناد لا أكثر وهل جرى علينا البلاء سوى العناد والمعاندين
يا رب أهلك كل من كان ولا يزال سببا في بلائنا كما أهلكت أربد
يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا يا رب
ـــــــــــــــــ
أسد الغابة – ابن الأثير (4/ 395)
دلائل النبوة للبيهقي (2/ 338)
سيرة ابن هشام (2/ 568)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق