الثلاثاء، 31 مارس 2020

كذب بكذب ومن سيرة الأولين نتعلم


صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
كذب بكذب
ومن سيرة الأولين نتعلم
واكذب علي لأكذبك  عليك ، وربك العالم من الصادق
تقسم إلي بالحب وأقسم إليك بالود ، والله يخليك يا لساني كيف ما درتك بتندار .
ورحم الله القائل بسمع كلامك بصدقك ، وبشوف أحوالك فأتعجب
يصك أذنك بمدح أمه ويظهر من نفسه خالص الطاعة . وأنت تعلم أنه من سنين لم يراها . لا لبعدها بالمسافة بل إثبات للرجولة . وتكذب عليه أنت فتقول ما قصرت .يكذب فيمدحك بما ليس فيك . وتكذب أنت فتشكره .غارق في أكل أموال الناس بالباطل ، ولا يفتر لسانه : هدا حلال وهدا حرام . وتكذب عليه أنت بقولك صادق صادق. شارك الشياطين في آذى وطنه وأهله ، ولسانه يلهج بحب الوطن . وتكذب عليه أنت ودفعاً لأذاه . فتقول : ماضيك بيشهدلك .
خالد اخومهرويه كان وال بفارس، فبينما هو يوما في مجلسه، مشغول بأموره ، وإذ بشاعر دخل عليه ، فأنشده شعرا مدحه فيه، ومجّده. فلمّا فرغ قال: «قد أحسنت» . ثم أقبل على كاتبه فقال: أعطه عشرة آلاف درهم» . ففرح الشاعر فرحا شديدا؛ فلما رأى حاله . قال  : إن قولك هو من أوقعك مني هذا الموقع . اجعلوها ألف درهم فقط . وعلى الرغم من أن الغيظ كاد يقتل الشاعر . أظهر الفرح حتى كأنه كاد يخرج من جلده ، فلما رأى فرحه قد تضاعف، قال: «وإن فرحك ليتضاعف على قدر تضاعف القول؟ أعطه يا فلان أربعين ألفا» . فكاد الفرح يقتله. فلما رجعت إليه نفسه قال له: «أنت، جعلت فداك، رجل كريم؛ وأنا أعلم أنك كلما رأيتني قد ازددت فرحا، زدتني في الجائزة، وقبول هذا منك لا يكون إلا من قلة الشكر» . ثم دعا له وخرج. ثم إن خالدا قال لجلسائه يفسر سلوكه معه رجل سرّنا بكلام، وسررناه بكلام. هو حين زعم أني أحسن من القمر، وأشدّ من الأسد، وأن لساني أقطع من السيف، وأن أمري أنفذ من السّنان هل جعل في يدي من هذا شيئا أرجع به الى بيتي؟ ألسنا نعلم أنه قد كذب؟ ولكنه قد سرّنا حين كذب لنا، فنحن أيضا نسرّه بالقول ونأمر له بالجوائز، وإن كان كذبا، فيكون كذب بكذب وقول بقول. فأما أن يكون كذب بصدق وقول بفعل، فهذا هو الخسران المبين » .
ولعل حالنا وما وصلنا إليه اليوم نتاج الكذب
كذبوا فصدقوا ، والنتيجة خراب الوطن وهلاك الأهل
يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا
ـــــــــــــــــ
البخلاء للجاحظ (ص: 48)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق