الأربعاء، 4 مارس 2020

إذا غاب عنك أصله كانت دلائله فعله ومن سيرة الأولين نتعلم


صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
إذا غاب عنك أصله كانت دلائله فعله
ومن سيرة الأولين نتعلم
ومن حسنات البلاء أن كشف حقيقة الكثيرين ممن كنا نظنهم من الأخيار وإذ بهم بالشر قد تضلعوا حتى غدوا عناوين له . وآخرين كان ظننا بهم السوء وإذ بهم في ذوابة الأخيار .
فالقضية ليست بكلام معسول جوهره السُّمُ الزعاف ولا بأهداف براقة تشد العوام وراءها
ليست بنسب طاهر نتكل عليه . وليست بفضيلة صنعها سلف المرء . بل إن الفعل هو الأصل وعلى أساسه يعول
يحكى عن مملوك كان لبعض الفلاسفة أنه افتخر عليه بعض رؤساء زمانه فقال له إن افتخرت علىَّ بفرسك فالحسن والفراهة للفرس لا لك. وإن افتخرت بثيابك وآلاتك فالحسن لها دونك. وإن افتخرت بآبائك فالفضل كان فيهم دونك. فإذا كانت الفضائل والمحاسن خارجة عنك وأنت منسلخ عنها وقد رددناها على أصحابها . فما لك من فخر . قال البريدي :
ليس الفتى كلّ الفتى ... إلا الفتى في أدبه
وبعض أخلاق الفتى ... أولى به من نسبه
وحكى الأصمعي أن حرباٌ كانت بالبادية، ثم اتصلت بالبصرة فتفاقم الأمر فيها، ثم مشي بين الناس بالصلح، فاجتمعوا في الجامع، قال: فبعثت وأنا غلام إلى ضرار بن القعقاع من بني دارم، فاستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت، فإذا به في شملة يخلط بزراٌ له حلوب، فخبرته بمجتمع القوم، فأمهل حتى أكلت العنز، ثم غسل الصحفة وصاح: يا جارية غدينا، قال: فأتته بزيت وتمر، قال: فدعاني فقذرت أن آكل معه، حتى إذا قضى من أكله حاجة، وثب إلى طين ملقى في الدار، فغسل به يده، ثم صاح: يا جارية، اسقيني الماء، فأتته بماء، فشربه، ومسح فضله على وجهه، ثم قال: الحمد لله، ماء الفرات، بتمر البصرة، بزيت الشام، متى نؤدي شكر هذه النعم! ثم قال: يا جارية، علي بردائي، فأتته برداء عدني، فأرتدى به على تلك الشملة.
قال الأصمعي: فتجافيت عنه استقباحاً لزيه، فلما دخل المسجد صلى ركعتين، ثم مشى إلى القوم، فلم تبق حبوة إلا حلت إعظاماً له، ثم جلس، فتحمل جميع ما كان بين الأحياء في ماله وانصرف.
ليس الفتى بالذي لا يستصاء به ... ولا يكون له في الأرض آثار
والتاريخ يُذكِّرنا بمن بنى ولا ينسينا من سعى للخراب
إنّ آثارنا تدلّ علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار
يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا
ــــــــــــ
الكامل في اللغة والأدب - المبرد(1/ 116)
تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق  - مسكويه (ص: 206)
اللطائف والظرائف – الثعالبي (ص: 57)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق