الجمعة، 6 أبريل 2018

الشيخ صبحي الحميدة ( الصبوح ) رجل ضيعناه





الشيخ صبحي الحميدة ( الصبوح )
رجل ضيعناه
وهنا أقصد بالضياع أننا غفلنا عن علمه
إن قلت أنه خير مثقف في المدينة فقد أنقصه من حقه
هو رجل لو اختير له مكاناً لكان في ذوآبة العلماء
لم يكن في علمه أقل قدرا من سواه في المدينة كشيخ المعرة ووجهها وعالمها أحمد الحصري أو الشيخ أديب السمنة ( الآمنة ) رحمهم الله وأبدلنا بفقدهم خيراً
كان رحمه الله مكتبة علمية متنقلة
وأنا أعلم أن هناك من امتلك مكتبة في المدينة ، وقلة من امتلاكها ليمتلك ما فيها ، وربما كان الشيخ صبحي أحد تلك القلة القليلة
أحدثكم عن رجل عرفته وأنا أتجرع الألم عن عدم متابعته ، لأغرف من علمه ما أشاء ، فقد كانت ثقافته شمولية إلا أنه وفيما يتعلق بالشرع ، ذا خصوصية متميزة
زاهد ولكن لا لفقر أصابه ولا لقلة عانى منها بل لعلمه بأن الزهد شكل من العبادة
كان عالما ومتعلما حتى وفاته رحمه الله ، وتلك الصفة هي التي كانت سببا في معرفته
كنت مدرسا في ثانوية البنين في المعرة ، وقد لا حظت أن بعض الطلبة يطرح علي أسئلة تتفرض البحث للإجابة عليها ومع تكرارها ، طرحت الأمر على بعض زملائي فوجدت الهاجس نفسه عندهم ، ولا سيما عند مدرس اللغة العربية فكانت الأسئلة عن حالات إعرابية ذات وجوه ومن منهاج الطلاب وفي وجوهها عُدت مشكلة إعرابية ، وبعد استطلاع الأمر تبين لنا وعلمنا بأن الشيخ صبيحي يريد أن يداعبنا
توجه إليه بعض زملائنا راجين أن يتوجه إليهم مباشرة بالسؤال وكانت نتيجة الحوار أن يلفت الشيخ رحمه الله نظر معلمي الثانوية لضرورة التعلم المستمر ، فليس الحصول على الشهادة انتهاء كل شيء
على جلالة قدره كان السبب في معرفتي له . بعد صلاة العصر لشهر شعبان سنة 1402 هـ 1982 م طرق الباب وكانت المفاجأة أن الطارق هو الشيخ . وبلسان عربي هادئ مبين ألقى تحية الإسلام علي وخاطبيني : هل تقبلني زائراً يا ولدي .كانت سعادة أيما سعادة فقد كان علي أنا السعي إليه فأنال من علمه
قلت على الرحب والسعة
قال : علمت ممن يعرفك أنك على دراية بعلم الفلك
قلت : هذا من شأن دارس الرياضيات ولكن يا شيخنا عندي منه ما يساعدني في تدريس اختصاصي في مادة الجغرافيا لا أكثر
قال : إني سائلك عن أمر صَعُبَ علي وربما هان عليك
لماذا يؤذن المغرب في كل أيام شهر رمضان وحسب التوقيت الشرقي ودائما الساعة 12 دون تسبيق أو تقديم ؟ ويشاء الله أن الإجابة كانت لدي .
خرج الشيخ سعيداً وكانت سعادتي شديدة فقد كانت جِلسَة علم وأدب وتاريخ وفلك ، شعرت خلالها بضيق حجم ثقافتي أمام قامة ثقافية شامخة ومن المعرة
ما لفت نظري لم يكن سعة ثقافته فهو موسوعة شعرية ابتدأً بالشعر الجاهلي وإنتهاءً بعصر المتأخرين
في التاريخ كان ذا باع وسعة اطلاع
في حديث النبي صلى الله عليه وسلم كنز من الكنوز
ولكنه في كل علومه على طريقة السلف الصالح
قرأت في كتاب كذا ، ووجدت في ديوان فلان
وفي الحديث لا يحيد عن ذكر السند
وهذا ما زاد إكباري له
في اليوم التالي زارني وفي نفس التوقيت ، استقبلته وهو يقول تحمل يا ولدي مشقة زيارتي لك ثانية ، فو الله أنا بحاجة لتوضيح ما سألتك عنه البارحة مرة أخرى
دهشت لأخلاق هؤلاء الناس تواضع وكبرياء في نفس الوقت
رجل أكبر من والدي سناً – رحم الله الأثنين
راغب في التعلم ولقضية جزئية حريص على فهما
وكان ذلك
وبهذين اللقائين توطدت العلاقة بيني وبين شيخي رحمه الله تعالى
زرته مرة واحدة
زارني مرات تواضعا منه ، ورغبة مني رجاء أن أنهل من علمه وكان لا يبخل علي بشيء
لقاءات عديدة جمعتنا
ولا زلت أذكر أنه كان يتوجه إلي – في الجلسات العامة كعقد قرآن مثلا – إن كان هو المتحدث : يداعبني قائلا : ترى الأستاذ هشام بيزعل مني إن لم أذكر سند ما أقول
وفي إحدى حفلات عقد القرآن في المعرة ، كان من القدر أن تكون جلستي مواجهة له وقد طلب منه رحمه الله  الحديث ، فقلت لمن هو بجانبي ، لك أن تستقرأ  حب هذا الرجل لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بيسر وسهولة ، حتى وإن كنت ممن لا يعرفه ، فمن خلال لفظه لكلمات الحديث النبوي ، لن تحتاج لكثير ذكاء لتعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحب الخلق إليه
ولد الشيخ في المعرة ، وفي شهر جمادى الثانية لعام 1340 هـ  1922م وتوفي فيها سنة في شهر رمضان سنة 1420 هـ  1999 م
رحمك الله يا شيخنا ، رحمك الله يا شيخنا
المقر بمعروفك
هشام محمد كرامي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق