الثلاثاء، 6 أغسطس 2019

محمد بن أبي عامر الأندلسي دنجوان إلا أنه عربي


صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
محمد بن أبي عامر الأندلسي دنجوان إلا أنه عربي
ويقولون عندنا في المعرة أيضاً : عينو زايغة
وربما كانت صفة الملول ومن كل شيء ، أقرب الصفات إليه . متقلب حتى في عواطفه . إن وقعت عينه على حسناء غرق في حبها وسعى للاقتران بها ثم ما لبث بعد حين أن ملها ففارقها
يمل حتى ممن صادقه ليبحث بعد حين عن آخرين
يمل حتى من ثيابه ، وأغرب ما في الأمر أن يمل المرء من اسمه
قال ابن حزم رحم الله : وأهل هذا الطبع أسرع الخلق محبة، وأقلهم صبراً على المحبوب وعلى المكروه، وانقلابهم عن الود علي قدر تسرعهم إليه؛ فلا تثق بملول ولا تشغل به نفسك، ولا تعنها بالرجاء في وفائه . ثم يقول : وما رأيت قط هذه الصفة أشد تغلباً منها محمد بن أبي عامر رحمه الله، فلو وصف لي واصف بعض ما علمته منه لما صدقته. فهو ابن ساعته.
ولقد كان أبو عامر يرى الجارية فلا يصبر عنها، ويحيق به من الاغتمام والهم ما يكاد أن يأتي عليه حتى يملكها، ولو حال دون ذلك شوك القتاد، فإذا أيقن بتصيرها إليه عادت المحبة نفاراً، وذلك الأنس شروداً والقلق إليها قلقاً منها، ونزاعه نحوها نزاعاً عنها، فيبيعها بأوكس الأثمان. هذا كان دأبه حتى أتلف فيما ذكرنا عشرات ألوف الدنانير عدداً عظيماً.
ولقد مات من محبته جواركن علقن أوهامهن به، ووفي له فخانهن مما أملنه منه، فصرن رهائن البلى وقتلهن الوحدة.
وأنا اعرف جارية منهن كانت تسمى عفراء، عهدي بها لا تتستر بمحبته حيثما جلست، ولا تجف دموعها، وكانت قد تصيرت من داره إلى البركات الخيال صاحب الفتيان. ويقول ابن حزم : ولقد كان رحمه الله يخبرني عن نفسه انه يمل اسمه فضلاً عن غير ذلك. وأما إخوانه فإنه متبدل بهم في عمره على قصره مراراً، وكان لا يثبت على زي واحد كأبي براقش، حيناً يكون في ملابس الملوك وحيناً في ملابس الفتاك. وكان رحمه الله مع هذا من أهل الأدب والحذق والذكاء والنبل والحلاوة والتوقد، مع الشرف العظيم والمنصب الفخم والجاه العريض؛ وأما حسن وجهه وكمال صورته فشيء تقف الحدود عنه وتكل الأوهام عن وصف أقله ولا يتعاطى أحد وصفه.ولقد كانت الشوارع حين تخلو ، تجد من يقصده لأخد الأدب عنه . ورحم الله القائل :
فلا تصحبن مستطرفاً ذا ملالة ... فليس على عهد يدوم ملول
وما أكثر المتقلبين اليوم
ودهم مقرون بمصلحة آنية
لا قيمة لأهل ولا وطن
شرفهم منفعتهم الخاصة
نظرهم عند أقدامهم
ربما كانوا سر البلاء الذي نحن فيه
يا رب فرّج عن الشام وأهل الشام
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
طوق الحمامة لابن حزم (ص: 198)
محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء (1/ 532)
الصداقة والصديق – أي حيان التوحيدي (ص: 164)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القتاد: شجر له شوك كثير شديد
الفتاك : الذين يرتكبون ما تدعوهم إليه أنفسهم من الجنايات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق