الأحد، 17 يناير 2016

عبد العزيز بن مروان من صناع التاريخ

عبد العزيز بن مروان من صناع التاريخ
جميل أن يدرك المرء ذاته ، وادراك الذات تعني فيما تعني معرفة طاقات المرء وقدراته
إلا أن المعرفة صفة كاشفة غير مؤثرة إن لم تسعف بإرادة ينتج عنها فعل يؤثر في حياة المرء وربما يحولها إلى واقع جديد يترك أثره حتى عبر الزمن
ونحن أمة نمتلك تاريخا أبسط وأهم صفاته الديمومة الباقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
جميل أن تتحول القيم التي يؤمن بها الإنسان إلى محرك لسلوكه باعتبارها أساساً ومنطلقا ، في الحياد عنه الهلاك والدمار
وعبد العزيز بن مروان رحمه الله تعالى أنموذجاً من أولئك ، وممن نسميهم السلف الصالح ومن الذين عرفوا ما يريدون واتخذوا السبل السامية للوصل إليه
أعلا درجات صفاته أنه ثقة فقَدْ رَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثُهُ عَنْهُ في مسند أحمد وسنن أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " شَرُّ مَا فِي الرَّجُلِ جبن خالع وشح هالع ".
وكان رحمه الله إن أدرك عيبا في ذاته سعى لإزالته وتجاوزه ومن ذلك أنه كَانَ يَلْحَنُ فِي الْحَدِيثِ وَفِي كَلَامِهِ، ثُمَّ تَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ فَأَتْقَنَهَا وَأَحْسَنَهَا فَكَانَ مِنْ أَفْصَحِ النَّاس، وَكَانَ سَبَبُ ذلك أنه دخل عليه رجل يشكو خَتَنَهُ - وَهُوَ زَوْجُ ابْنَتِهِ - فَقَالَ لَهُ عَبْدُ العزيز: من ختَنَك؟ فقال الرجل: ختني الْخَاتِنُ الَّذِي يَخْتِنُ النَّاسَ، فَقَالَ لِكَاتِبِهِ وَيْحَكَ بِمَاذَا أَجَابَنِي؟
فَقَالَ الْكَاتِبُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ مَنْ خِتنُك
فقال عبد العزيز: أراني أتكلم بكلام لا تعرفه العرب لا شاهدت الناس حتى أعرف اللحن.
قال: فأقام في البيت جمعة لا يظهر ومعه من يعلمه العربية. قال: فصلى بالناس الجمعة وهو من أفصح الناس. وكان يعطي على العربية ويحرم على اللحن ، حتى قدم عليه زوار من أهل المدينة وأهل مكة من قريش فجعل يقول للرجل منهم: ممن أنت؟ فيقول له: من بني فلان. فيقول للكاتب: أعطه مئتي دينار. حتى جاءه رجل من بني عبد الدار بن قصي. قال: ممن أنت؟ فقال: من بنو عبد الدار. فقال: تجدها في جائزتك.
فقال للكاتب: اعطه مئة دينار.
حينها َتَسَارَعَ النَّاسُ فِي زَمَانِهِ إِلَى تَعَلُّمِ الْعَرَبِيَّةِ
وهو أيضاً يدرك قداسة بناء البيت ويعي النتائج الحاصلة من الزواج قَالَ لِقَيِّمِهِ يوما : اجْمَعْ لِي أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ مِنْ طَيِّبِ مَالِي فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ لَهُمْ صَلاحٌ. قَالَ فَتَزَوَّجَ أُمَّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فكانت حصيلة هذا الزواج عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وهو قادر على حسن التعامل مع الناس فكيف إن كانوا من ساداتهم فعَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: ارْفَعْ إِلَيَّ حَاجَتَكَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ".
وَلَسْتُ أَسْأَلُكَ شَيْئًا وَلَا أرد رزقاً رزقنيه الله عز وجل منك.
فأرسل له مالا مع سُوِيدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: بَعَثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ بِأَلْفِ دِينَارٍ إِلَى ابن عمر قال: فجئت فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ الْكِتَابَ فَقَالَ: أَيْنَ الْمَالُ؟ فَقُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُهُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أُصْبِحَ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا يَبِيتُ ابْنُ عُمَرَ اللَّيْلَةَ وَلَهُ أَلْفُ دِينَارٍ، قَالَ: فَدَفَعَ إِلَيَّ الْكِتَابَ حَتَّى جِئْتُهُ بِهَا فَفَرَّقَهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَمِنْ جميل كَلَامِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ : عَجَبًا لِمُؤْمِنٍ يُؤْمِنُ وَيُوقِنُ أَنَّ اللَّهَ يَرْزُقُهُ وَيُخْلِفُ عَلَيْهِ، كَيْفَ يَحْبِسُ مالاً عن عظيم أجر وحسن ثناء.
----------------------
-         المنتظم في تاريخ الملوك والأمم – ابن الجوزي(7/ 32)
-         الطبقات الكبرى – ابن سعد (5/ 255)
-         البداية والنهاية - ابن كثير (9/ 70)
-         تهذيب الكمال في أسماء الرجال - القضاعي (18/ 198)
-         البداية والنهاية ط الفكر (9/ 57)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق