السبت، 14 ديسمبر 2019

المنفعة توجب المحبة


صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
المنفعة توجب المحبة
كما قالوا إن المضرة توجب البغضة، والمخالفة توجب العداوة ، وقيل : طبع الناس على حب المنفعة ودفع المضرة .
إلا أن تفسير المنفعة بين الناس قضية ذات شجون ، والفرق في ذلك بين من يتبع عقله ، وبين من يكون قائده هواه
ومن المعرف الثابت أن من أطاع هواه ضل.
أليست السرقة في أحد وجهها صورة من صور المنفعة ، ولا أقصد بالسرقة السطو فقط . فقد يسرق المرء في خلل ميزانه
وفي الغش أيضا منفعة .
كل ذلك استعجال للمنفعة فالسرقة استعجال للرزق ومن الثابت أن ما قسم لك لن يناله سواك ومن اليقين أن المرء لن ينتهي أجله وله في الدنيا شهيق أو زفير واحد . أبو العلاء على ذكاء وصف به لم يفطن لحكمة الأمانة فقال :
يَدٌ بِخَمسِ مِئينَ عَسجَدٍ فُدِيَت ... ما بالُها قُطِعَت في رُبعِ دينارِ
تَناقُضٌ ما لنا إِلّا السُكوتُ لَهُ ... وَأَن نَعوذَ بِمَولانا مِنَ النارِ
فأجابه علم الدّين السخاوي رحمه الله بقوله
عِزُّ الأمانةِ أغْلاها وَأرْخصها ... ذُلُّ الخِيانةِ فافْهمْ حِكمةَ الْباري
فأسقِط في يد أبي العلاء ، فالحق وإن كان في ظاهره الضرر خير من باطل يسر لوقته ويورث الندامة في نهاية ، فكم من حق يضر ، خير من باطل يسر. وكم من مرغوب فيه يسوء ولا يسر، ومرهوب منه ينفع ولا يضر.
وكم زين إبليس للناس القطيعة على أنها ضرورة فقال بعضهم : يا حية الله ، لا تقربيني ولا بقربك
وكم زين الشيطان لآخرين بشعار : إذا ما خربت ما بتعمر .
ترى وما هي الضمانة أن لا يذهب الخراب بمن بدأ به وكان يظنه منفعة
حين يُبزل العلم وكله منفعة ، فعلى المرء حتى في العلم أن يبزله في محله . المازني أبو عثمان ، كان إمام عصره في النحو والأدب، وكان في غاية الورع، ومما رواه المبرد أن بعض أهل الذمة قصده ليقرأ عليه كتاب سيبويه وبذل له مائة دينار في تدريسه، فامتنع أبو عثمان من ذلك، فقال له المبرد: أترد هذه المنفعة مع فاقتك وشدة ضاقتك؟ فقال: إن هذا الكتاب يشتمل على ثلاثمائة وكذا كذا آية من كتاب الله ولست أرى أن أُمكن ذمياً منها غيرة على كتاب الله .
لَا يشبه النافع من لَا ينفع ... غيرى لسرى إِن أضعت أضيع
وأقول : هناك وحتى في البلاء من يعده منفعة ويرجو دوامه
ويا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا
ـــــــــــــــــــ
المستطرف في كل فن مستطرف – أبو الفتح الأبشيهي(ص: 34)
الأوائل للعسكري (ص: 86)
الرسائل السياسية - للجاحظ(ص: 72)
الفلاكة والمفلوكون  - الدُلجي(ص: 70)
الأمثال للهاشمي (1/ 87)
معاهد التنصيص على شواهد التلخيص – أبو الفتح العباسي(1/ 143)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق