الخميس، 31 أغسطس 2017

رجل أحبه وما زلت أحبه

رجل أحبه وما زلت أحبه

كان حبه لي أكبر وأعظم فأهداني فلذة كبده ، زوجتي رحمها الله ورفع من قدرها في الآخرة ، كما رفعه في الدنيا ، لتكون الهدية الأعظم في حياتي بعد إيماني ،وحب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأماً يتعلم منها النساء كيف تكون المرأة قائدة وليست تابعة ، معلمة تعشق التعليم نبلا منها في غرس الخير فيمن حولها

إن أطلقت اسمه ، فلربما لن يعرفه إلا قلة من الناس ، وإن تحدثت عنه بكنيته فلا أبالغ إن قلت عرفته المدينة بكاملها

محمد بن عبدو العنفليص ، وبين الناس هو ( الشيخ ) لقب لبسه من نعومة أظفاره وحتى وفاته رحمه الله تعالى

لفظ الشيخ عندنا في المعرة ينسحب إلى متضادين فهناك من عُرف بالشيخ لغرقه بالمُوبوقات وهناك من عُرف بالشيخ لتقواه

كان شيخ من صناع الأحذية في المعرة وربما اعتبر الأول في امتلاكه لمعمل بسيط ، وسأقول اصطلاحاً ربما أول معمل لصناعة الأحذية فيها ، وفي وسط شارع المعري ، يصدر منتوجه لحماة وحلب

وتتقلب الأيام ليصبح محله ملاصقا لمسجد الربيع من طرف الشمال يبيع فيه حاجيات الأطفال وجزءاً من حاجات الكبار

أنا لا أتحدث شخص ترك بصمة ليغير بها وجه التاريخ ولكني أتحدث عن رجلا كان الدين سلوكا له ، لتقرأ في شخصه أنه رجل مسلم في بيته وفي عمله وفي علاقاته ، رجل تتعلم منه كيف يكون الله معك ، وبثقة أثبت من رسوخ الجبال

كان علامة أمان وعلى الأقل على الحي برجاله ونسائه ، فقيه بدينه وحسب حاجته لا يتجاوز ذلك للتحلي بالتدين ، فهو في عباداته وعلاقاته ، يعلم ما يأمر الإسلام وينهى ، وإن احتاج تعلم ما يتم به دينه ويسعد بذلك حياته ، ساندته في ذلك امرأة لا تقل عنه دينا وخلقا ، ثم شاء القدر أن تبتعد عنه ، بالموت فيكمل حياته مع امرأة أخرى

أتم مرحلة التعليم الإبتدائي وقدمت له الدولة أيامها منحة ليتم دراسته في حلب مجاناً

سنده في حياته ربه ، ولقد عاش ومات لا يحيد عن طريق ربه قيد إنملة

تواضعه عجيب ، تراه لين الجانب في علو منزلة

ابتسامة لا تفارقه حتى في أسوأ الظروف

مؤمن بأن يُسرٌ لا يستمر ، وعُسرٌ لا يدوم

رأفة عجيب حتى بأقل مخلوقات الله

ولو رويت ، رويت عجبا

ومن ذلك ، أن رافقته في نزهة على أطراف المعرة ، وفي الجمعة التي تلتها كان لنا رفيقا ، ولنفس المكان والبقعة

جئت لآخذه فقال انتظر يا ولدي

دخل محله وأخرج صندوقا ، قلت له لقد أخذت للأولاد ما يكفي ، قال وأنا سأخذ ، ولكن هذا الصندوق الورقي يهمني ، وصلنا ، ونفسي تتسأل عن سر الصندوق

بهدوء فتحه وأخرج دودة ربيع وكلمها قائلا : من هنا علقت على ردائي فاذهبي لأخواتك

في الصندوق بقدونس وخس و …. طعام الدودة في الأسبوع الذي قضته في دكانه

بسيط كان ، ورجل عندما تحتاجه

كان مدير تموين ادلب رجلا إن حَلّ ذكره أُغْلِق سوق المعرة ، فكيف إن كان بالفعل موجودا والكل يعرف اسمه ، إن جاءك فالسجن ، ولا أقل من شهر ، عدا الغرامة المالية

وحتى على مواد كانت الدولة تبيعها وقد انتهت صلاحيتها ، ومقولته أنا أعاقبك ، وأنت من السجن ارفع قضية ، واشتكي الدولة ، واحصل على حقك

اليوم الذي أتحدث عنه لا أنساه أنا ، فسجن المعرة ضم بين جدرانه أكثر من سبعين من أصحاب المحلات في أحيائها وفي سوقها الرئيسي 0

قال عمي رحمه تركت محلي هربا من بطش هذا الرجل مفتوحا ( وهي حالة كان يفعلها الكثير من أهل السوق حين لا يتنسى لهم إغلاق محلاتهم )

يقول عمي خرجت وسوق المعرة لا أحد فيه ، بعض المحلات هرب أصحابها ، وأخرى ختمت بالشمع الأحمر

وصلت محلي ليكون وصولي مع سيارته دخل المحل وفتش وفتش ثم خرج وهو يصرخ من صاحب هذا المحل

وعلى وَجَل قال عمي : قلت أنا

قال : لِم لم تغلق محلك ، قلت : لجهلي بوجودك

ابتسم وقال : خذ وأخرج مبلغا من المال ومد يده إلي

قال : عمي أصدقة ، فأنا لست بحاجة

قال : لا ، ولكن هدية

قال : عمي فشكرته لحسن خلقه الغريب ، وقلت مجاملة حقك علينا أن نهديك

قال : يا عم بالله أخبرني بصدق بم كنت تدمدم

تريثت قال : عمي ، ثم قلت : لست ممن اعتاد الدعاء على أحد بسوء

ولكني كنت أقول يا رب اكفني شره

فقبل رأسي وقال : سامحني يا عم ، فقد كفاك الله الشر

في جنازته لا أبالغ إن قلت خرجت المعرة بها ، وحتى لا أتجاوز الصدق ، أقول خرج كل من علم بوفاته ، ووالله تعبت رجلاي وأنا أقف مع أولاده وأقربائه لقبول التعزية وبالزمن ربما تجاوز الوقت الساعة والنصف أو قرابة الساعتين

توفي بين يدي ، وأنا أقول له عميه صل على رسول الله ، إن شاء الله أزمة بسيطة ، وكان يكرر الصلاة على النبي صلى الله وسلم عليه معى

رحمك الله يا أبا عبد الكريم

وهو من مواليد 1345 هـ وتوفي سنة 1423 هـ


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق