الخميس، 31 أغسطس 2017

محمد نور الشحود عسكري من بلدي




محمد نور الشحود
عسكري من بلدي
وأقول بداية هناك من امتهن في حياته مهنة لسد عوز ، وهناك من امتهنها لمكانة اجتماعية تحققها له وآخرون اختاروها حباً بها فبرعوا وتركوا بصماتهم عليها وإن هم رحلوا ، ومنهم من أحدثكم عنه في هذه الكلمات
وكأنه رحمه الله خلق عسكرياً ، وحتى في شكله ، وفي بيته عسكري أيضا ، انعكست حياة الجندي في انضباطها على حياته كلها ، من عرفه عرف حبه للجندية كمقاتل وفي الخندق الأول ، خاض عددا من المعارك ، حيث قاده القدر إليها
في سلوكه تقرأ الخوف من الله ، والاستسلام لقدره ، لا يمل عن التعلم بغض النظر عن السن والرتبة العسكرية التي وصل إليها
عرفته في دمشق ومن خلال أخي زياد العَدل فهو زوج عمته ، كان يسكن بيتا في حي ركن الدين وفي أيامها كانت البساتين لازالت تحيط في البيوت ، خاف أو خُوّف صاحب البيت من أن البيت قد خرج من يده فمن استأجره عسكري وضابط
وكي يمتحنه أو ليتخلص من ورطة وقع بها ، تذَرّع بعد تأجيره إياه بأشهر بأنه محتاج للبيت ويجيب أبو معن ومتي تريده ؟ قال الرجل وكم يكيفك من وقت ؟ ، فأجابه خلال أسبوع ويعيد زوجه إلى معرشمشة وهي وقتها قرية قرب المعرة ، وبعد إصلاح البيت ، عجب الرجل بل ندم وحاول معه العدول عن ذلك فأبى أبو معن  ، قدم صاحب البيت بعد مدة للمعرة وأجبر أبو معن على العودة للبيت .
وأقسم لي رحمه الله أن أهل البيت كانوا أهلا حقيقين وأنا أعلم أنه كان هو بارا بأهله ، فكان رحمه الله يرفع الأجرة بما يتناسب ، وأسعار البيوت المجاورة ، وحين نقل لحلب طلبت من زياد أن يسعى إليه في أن يسلمنا البيت وكانت الأيام قد تغيرت ، والبيت الذي يسكنه متميز بموقعه وشكله
ابتسم وكانت ابتسامة مؤلمة ، لمن واجهها ، فالبيت آمانة وما تعود أبو معن خيانة الأمانة ، لقد أعاد صياغة البيت وكأنه بني للتو ، قبل أن يرحل إلى حلب حيث نقل
وهنا ليسمح لي من قرأ كلماتي والشيء بالشيء يذكر أن ضابطا ومن المعرة سعى لدي ولدى شباب المعرة في دمشق حينها ، أن نرجو رجلا فاضل من المعرة يقطن دمشق من زمن بعيد كي يسمح له بالسكن في بيته الذي تركه بعد أن أنذرت الدولة أهل حي سوق الخجا في دمشق بالهدم
قال صاحب البيت يا أخي البيت لا بد زائل ، قال الضابط نسكنه حتى يهدم ، فأعطاه مفتاحه وتركه ما يساعده على الحياة فيه 0
ويهدم سوق الخجا ويصبح البيت مشرفا على الطريق بين شارع الثورة وبوابة الصالحية ، وتسمح الدولة لمن لم يهدم بيته بالعودة ، إلا أن صاحبنا رفض واعتبر نفسه مستأجرا مع العلم أن صاحب البيت لم يأخذ منه قرشا واحدا بل أعطاه لوازم البيت .
حاولنا إقتاعه فلم نجد فائدة ، فرفع صاحب البيت دعوى قضائية استمر أكثر من خمس سنين حتى استطاع استرداد بيته ، وأنا استبعدت الأسماء منعاً للأذى
توثقت علاقتي به أكثر في المعرة وأصبحت أكثر قربا منه وكنت وقتها قد أنهيت خدمة العلم ، لأجد فيه رجلا حقيقياً خبر الحياة ، جريء حيث تلزم الجرأة ، وموقفه من تلوث مياه المعرة شاهد له .
رجل يأبى أن يهان له طرف لأنه يعلم أين يضع قدمه ، قال مرة يا أستاذ هشام واقع مدارسكم عجيب ، ابنتي في الصف السابع وقد حرصتُ على تعلميها الإنكليزية ، لتخرج بالقرعة الصورية المزعومة ممن سيدرس الفرنسية – كنا وقتها نجري القرعة فنضع أكبر عدد من أوراقها فرنسي والحد الأدنى إنكليزي لأننا نعلم أن الأمر سينعكس ليبقى من ليس له واسطة للغة الفرنسية والمدعومون للغة الإنكليزية – قال : حاولت مع مدير المدرسة دون فائدة ، لكنه أشار علي بالذهاب لرجل مسؤول لأرجوه في ذلك ،  ومعناه أن أذل نفسي لأمر هو في أصله من حقي ، ومع ذلك قد لا أنل بغيتي ، قلت له : اترك الأمر لصاحب الأمر ، وأتمت ابنته دراستها ومن أعاجيب القدر أن الدولة افتتحت معهداً لدراسة اللغة الفرنسية بإدلب فكانت احدى المقبولين ومن الدفعة الأولى ودون واسطة كما للمعاهد الأخرى ، بعدها قال لي شفت يا أستاذ شغل ربك
مثقف وثقافته شمولية ، ابتعد عن علوم تتعلق بالجيش بعد أن أحيل للتقاعد ، ليتحول باحثا في العلوم العسكرية عبر التاريخ
محاضرة له في المركز الثقافي عن معركة اليرموك جهز لها مستلزماتها ، لنعيش خلالها وكأننا على مقربة من مجرياتها ، وأقسم أنه جعلنا نعيش أحداثها وكأننا لم نسمع ولم تقرأ عنها
ومن جملة هوايته السياحة وكان رحمه الله يستخدم دراجته النارية يجول بها الساحل السوري حتى
وإن كان منفردا
وكانت الدراجة هذه سببا في وفاته علما بأنه قائد سيارة ودراجة متميز يدرك واقع الطريق ويحسن التعامل معه
انتشرت يوما في المعرة عربات ديزل بثلاث إطارات إحداهن تسير بسرعة فوق العادية وحتى يتفادى صاحبها الخطر على نفسه اتجه من يمين الطريق ليساره ليصدم الضابط القائد محمد نور الشحود لتكون نهايته
ولكن أقول أكثر من أنه قتل مظلموما ، ومن قتل مظلموما فقد وقع أجره على الله

رحمك الله يا أبا معن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق