الثلاثاء، 23 يونيو 2020

مساوئ الندامة أندم من الكسعي

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

مساوئ الندامة

أندم من الكسعي

واسْمه محَارب بن قيس من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان . اتخذ قوساً من نبعةٍ وهو نوع من شجر الشوحط ، وذلك أنه كان يرعى إبلاً له بوادٍ كثير العشب، فبينا هو كذلك إذ بصر بنبعة ( شجرة )في صخرة فأعجبته، فقال: ينبغي أن تكون هذه قوساً، فجعل يتعهدها حتى إذا أدركت قطعها وجففها واتخذ منها قوساً فأنشأ يقول:

يا رب وفقني لنحت قوسي ... فإنها من لذّتي لنفسي

وانفع بقوسي ولدي وعرسي ... أنحتها صفراء مثل الورس

صلباء ليست كقسيِّ النِّكس

وبرى كذلك أسهما خمسة، ثم دهنها وخطمها بوتر ثم عمد إلى ما كان من برايتها فجعل منه خمسة أسهم فجعل يقلبها في كفه ويقول:

هن وربي أسهم حسانُ ... يلذّ للرامي بها البنان

كأنها قوّمها الميزان ... فأبشروا بالخصب يا صبيان

إن لم يعقني الشؤم والحرمان

ثم كمن في ناموس اتّخذه ليلا حتى مر به قطيع غزلان فرمى بها غزالا  فانطلق السهم حتى واجه حجراً فقدح فيه نّاراً فظن أنه قد أخطأت الهدف فقال :

أعوذ بالله العزيز الرحمان ... من نكد الجدّ معاً والحرمان

ما لي رأيت السهم بين الصّوّان ... يوري شراراً مثل لون العقيان

فأخلف اليوم رجاء الصبيان

ثم مكث على حاله فمر به قطيع آخر فرمى عيراً منها فأمخطه السهم فصنع صنيع الأول فقال:

لا بارك الله الرحمن في رمي القتر ... أعوذ بالرحمن من سوء القدر

أأمخط السهم لإرهاق الضرر ... أم ذاك من سوء احتيال ونظر

ثم مكث على حاله فمر به قطيع آخر فرمى السهم فتكرر ما حدث فقال:

ما بال سهمي يوقد الحباحبا ... قد كنت أرجو أن يكون صائبا

وأمكن العير وأبدى جانبا ... فصار رأيي فيه رأياً خائبا

ومكث مكانه فمر به قطيع آخر فرمى عيراً منها فأصرد السهم فصنع صنيع الأول فقال:

أبعدَ خمسٍ قد حفظتُ عدّها ... أحمل قوسي وأُريد ردها

أخزى الله لينها وشدّها ... والله لا تسلم عندي بعدها

ولا أرجي ما حييت رفدها

ثم عمد إلى القوس فضرب بها حجراً فكسرها ثم بات، فلما أصبح إذا غزلان خمس مطرحة حوله واسهمه مضرجة بالدم، بعد أن اخترقت أجساد الظباء ، فندم على كسر قوسه وشدّ على إبهامه فقطعها، وأنشأ يقول:

ندمت ندامة لو أن نفسي ... تطاوعني إذاً لقطعت خمسي

تبيّن لي سفاه الرأي مني ... لعمر أبيك حين كسرت قوسي

فعض على إبهامه حتى قطعها فذهبت مثلا : أندم من الكسعي

واليوم حق على من سبباً في خراب بلده أن يقطع أنامله الخمس ندما وحسرة.ولكن لا ندم ولا حسرة!بشرٌ في جلود التماسيح

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ــــــــــــــــــــــــــــ

المحاسن والمساوئ - إبراهيم بن محمد البيهقي (ص: 137)

جمهرة الأمثال – أبي هلال العسكري (2/ 324)

الأمثال للهاشمي (1/ 256)

الفاخر – المفضل بن سلمة(ص: 90)

 

الناموس : مكان ما يكمن الصائد

الحباب : الحجر

النِكْسُ من السهامِ: الذي يُنكَسُ فيُجْعَلُ أعلاهُ أسفلَهُ.

القتر : الإمساك في النفقة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق