الثلاثاء، 23 يونيو 2020

الشيخ محمد النفوس أحب القرآن عاش بالقرآن وللقرآن

الشيخ محمد النفوس

أحب القرآن عاش بالقرآن وللقرآن

الشيخ محمد النفوس

أحب القرآن عاش بالقرآن وللقرآن

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين أنزل القرآن ورَفعَ من أحبه وأزل من جافاه والصلاة والسلام على من بلغنا القرآن ليكون حجة لنا ودستورا وبعد فهي كلمات في فضل رجل كان الأول في حفظه وإتقانه لكتاب الله حتى وفاته في نهاية القرن الرابع عشر للهجرة النبوية الشريفة ، ولكنه كان الأخير فيمن امتلك حجة نسب في أخذ القرآن موصولا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه .سألته مراراً هل تذكر لنا أسماء من أخذت عنهم القرآن فكان يعيد أسمائهم حتى يأتي إلى ذكر النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام ، لتقرأ في وجهه سعادة لن تجدها إلا عند أهل القرآن أنفسهم ، ولست أذكر وبكل الأسف سوى اسم رجل منهم وهو الشيخ إسماعيل الشردوب يرحمه الله تعالى وهو من أخذ منه الشيخ محمد مباشرة ولد الشيخ محمد النفوس في مدينة شاء الله إلا أن يكون لها حظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان حمل بن سعدانة وهو رجل من بني عليم أحد الوافدين على النبي فشرف برؤية النبي وإتباعه 0 مدينة أفرزت من العلماء والفقهاء والأدباء ما فاق في تقديري حجمها المكاني والزماني إلا أن الحركة العلمية فيها ومنذ القرنين الماضيين لم تعد كحالها بل تراجعت كثيرا لأسباب نسأل الله زوالها ، لتعود بالعلم أكثر رواجا كما كانت في ماضيها 0 في أحياء مدينة معرة النعمان بن بشير الأنصاري عاش الشيخ محمد النفوس وفيها كانت ولادته في شهر محرم من عام ثلاث وخمسين وثلاثمائة وألف هجرية ، الموافق لشهر نيسان من سنة ثلاثة وثلاثين وتسعمائة وألف 0 من عائلة كريمة في الحي الغربي منها 0 وكانت ولادته أيام كانت الإصابة بداء الجدري حينها تعني الموت المؤكد الا من قدر الله نجاته ، ترك المرض بصمته أثراً على شكل ندب تشوه الوجه وقد يمتد ذلك حتى الكفين إلا أن أشد الآثار ضرراً كانتً تقع على العينين وربما أدى ذلك للعمى كما حدث لأبي العلاء المعري في صغره وهو أيضاً ما حدث للشيخ ، وفي نفس السن تقريباً 0 ففقد عينيه وكأنما هما مسحتا تماما 0 سألته مرة يرحمه الله تعالى كم كان عمرك يا سيدي وقتها فقال كنت في الرابعة أو الخامسة من عمري 0 ثم قلت وهل تذكر من الألوان شيئا فقال : لازال في ذاكرتي لونان الأحمر والأخضر ولا بد أن المصاب كان جللا بالنسبة لعائلة الشيخ ، إلا أنها لم تكن لتعلم بالذي خبأه الغيب لهذا الطفل من خير 0 حيث وهبه الباري عز وجل ، قدراً عالياً من الذكاء تجده في ذات الشيخ وسلوكه حتى أنه نافس المبصرين بأعينهم ، ببصيرة وهبه الله إياها ومكنه منها0 وأنا لازلت أذكر وقد تجاوزت العاشرة من عمري ، أذكره وفي المسجد كنا نتعلم فيه القرآن 0 يتصرف كمن لم يحرم البصر قط 0 نعم يتحرك ضمن المسجد وخارجه بحرية المبصرين ، يتحرى خلالها الساعة بدقة ليضبط الوقت ويتهيأ بالوضوء للأذان فصلاة الظهر بمسجده في الحي الغربي البعيد قليلاً عن المسجد الذي يقرؤنا فيه 0 حيث تنتهي دروس حفظ القرآن ويتجه الشيخ لكي يؤم في مسجده 0 فلم تكن الصلاة لتقام في المسجد حيث كنا 0 ففتح المسجد وإغلاقه وقضاء حوائجه من خلاله 0كل ذلك يؤديه دون حاجة لأحد منا وحتى ملء دلو الماء للوضوء من البئر 0 إلا أنك ترى الناس يتسابقون لمصاحبته في أي اتجاه يريد 0 ويبقى العجب ينتابك حين تراه وحيدا يحدد اتجاه المكان الذي يريده ويتجه إليه0 أقصد الأمكنة التي يتردد إليها ، وكأنني أراه الآن وهو قادم ليقف تماما أمام دكان والدي ثم يناديني يا هشام 0 كي أساعده في ارتقاء الرصيف والدخول للمحل 0 ولقد كنت ملحاحاً في السؤال عن طريف ما كان يحصل معه ولا سيما في صغره فإن وجد فرصة حدثني : قال : دعيت لعشاء عند آل الذكرى فذهبت وأحسن استقبالي ، وعند وصولي للغرفة حيث هيئ للعشاء سمعت صوتا من الداخل ! قفوا والله والله لن تدخل يا شيخ حتى تسمي الحاضرين وتحدد أماكن جلوسهم ، أو فوالله سترفع على رجليك بالعصا ، وقبض علي ثلاثة من الشباب عند عتبة البيت ، قلت خلوا عني فالأمر جِدُّ بسيط وبدأت باليمين أسمي الرجل وأكنيه حتى انتهيت منهم جميعاً لم أخطئ بتسمية أحداً منهم 0 إلا أن الأمر لم ينته عند ذلك فعاد القسم مرة من نفس الرجل وقال أنت عرفتهم من أصواتهم وحددت مواقعهم بناءً على ذلك 0 إذن لن تغادر العتبة حتى تسمي أنواع الطعام كلها وحتى ما وضع من حلو وفواكه ، فبدأت أعدُ ما وضع من طعام حتى انتهيت ولم أنس شيئاً أثار ذلك العجب عندهم مع أنهم يعرفونني 0 فقال : أحد الحضور نسألك بالله يا شيخ إلا دللتنا على سر معرفتك ، فالأمر فوق معرفة الأصوات أو معرفة الطعام من خلال رائحته 0 قال الشيخ : ليس الأمر بمستغرباً وشيخي الشيخ إسماعيل الشردوب - وهو من أخذت عنه القرآن- موجود فهو من أخبرني بما سمعتم ! قيل : وكيف وهو لم يتكلم بكلمة قال : إلا أن المِعْلَقَة التي كانت بيده نطقت بما أريده ثم توجه إلي وقال : يا ولدي لقد علمني الشيخ إسماعيل القرآن ، وعلمني معه أشياء منها لغة صوتية أتقنتها فكان إذا رغب إلي بشيء - وهو كفيف أيضاً – استخدم يده بالنقر الخفيف على الجدار أو الأرض أو 00أو 00 دون أن ينطق بكلمة فأعلم ما يريد 0 نعم يا ولدي لقد أحسن إلي والدي بأن أرسلني إليه ومن نعومة أظفري فلم أغادره حتى أتقنت ما عنده من كتاب الله ، كما علمني تجليد الكتب حتى أتقنتها كمهنة أسترزق منها ثم أصبحت إمام لأحد المساجد في الحي الذي أسكنه 0 ولقد كان علماء المعرة ولا سيما شيخها الشيخ أحمد الحصري رحمه الله تعالى يهابه في خطبة الجمعة فهو غير متسامح وإلى أقصى درجة في أي هفوة يمكن أن يقع فيها القارئ لكتاب الله وكان الإشعار هز المنبر تنبيها للخطأ وأشهد الله تعالى لقد حفظ الشيخ القرآن كما لم يحفظه أصحاب العيون المبصرون – مرات ومرات كان يأتينا الرجل من أبناء الحي ونحن نقرأ فيقول يا شيخ : ويحدد كلمة من القرآن الكريم ويسأله في سورة هي 0 فيتلو الشيخ الآية المقصودة ويتابع ( وينا ياشيخي بدي شفوا ) عندها وبشكل عفوي ينادي علينا ويقول يا هشام يا عكل أو يا ..  هات المصحف من يدك ويفتحه يقلب أوراقه ويخاطب أحدنا ( هاي سورة كذا 00 فقد تكون هي وقد نقول قبل صفحات  ليحدد بعد الآية قائلا : شوفا مخاطباً أحدنا : هي في الصحفة التي على اليمين وسط الصفحة .. عانى رحمه الله من المرض وحتى في آخر أيامه كان القرآن ذاكرته التي لم تغادره . في مشفى المواساة وكان في شبه غيبوبة أمال رأسه دون الوسادة وهي عادة كان يفعلها حين يبحث عن أي أية في كتاب الله ثم خاطب الحاضرين مين منكم كان يقرأ القرآن فأجيب لا أحد . قال : لا هناك من كان يقرأ ويخطئ . خرج أحد الحضور وإذ بطالب جامعي من قسم اللغة العربية .يقرأ آيات من القرآن غيبا . خارج غرفة الشيخ نودي الطالب وقيل له أعد على الشيخ ما قرأت . فقرأ ، وعندها صحح له الشيخ آية أخطأ به .

رحمك الله يا شيخنا

كان رحمه الله يمس أفواهنا ليدرك صحة خروج الحرف العربي منها وعلى سبيل المثال كان يقول لنا أبعد شفتيك ما أمكن للداخل حتى تحسن خروج هذا الحرف .

أشعر وما زلت أني مدين لهذا الرجل حين أقرأ كتاب الله

ولو شئت لحدثتكم عن غرائب لها دلالة على حدة ذكائه

رحمك الله يا شيخي ومعلمي

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق