الخميس، 25 مارس 2021

حكاية وعبرة عسا يفطن إليها التائهون عن الجادة فتكون استقامتهم سبيلا لرفع البلاء عنا

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

حكاية وعبرة عسا يفطن إليها التائهون عن الجادة فتكون استقامتهم سبيلا لرفع البلاء عنا

قيل كان في عصر الخليفة المنصور رجل من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم تربطه بالمنصور صداقة قديمة، فوفد إليه، وكان الرجل عاقلاً لبيباً ولم يكن عالماً. فلما رآه المنصور قربه وأدناه، وأزلفه واستدعاه. فقال له الرجل يا أمير المؤمنين أنا محب لك شديد المحبة والولاء مخلص في الطاعة والدعاء غير انني لا أصلح لخدمة الملوك فكيف ينبغي أن أزورك بحيث لا يظهر مني سوء أدب فقال المنصور أخّْر الزيارة وإذا زرتني فاجعل بين زيارتك وانقطاعك مدة إذا غبت فيها لم أنسك وإذا حضرت لم أمَلُّك وازدادت محبتك عندي عما كانت عليه أولاً. وإذا دخلت فاجلس بعيداً مني حتى يقربك الحاجب بالتدريج ولا تطل جلوسك فتنسب الى سوء الأدب ولا تسأل حاجتك لئلا تثقل على قلبي، وإذا أحسنت اليك فاشكرني في كل محلة تحلها ومنزلة تنزل بحيث إذا بلغني سررت بشكرك، وازددت في برك، ولا تذكر في المجالس ما جرى بيني وبينك في الزمان الماضي. فامتثل الرجل هذه الوصايا فكان في كل سنة يمضي الى سلامه مرتين وكان المنصور يعطيه في كل مرة يسلم عليه ألف درهم. وللحكاية دلالة ليعلم أن من كان له عقل وان لم يكن عالماً فان عقله يكون له دليلاً، ومن كان ذا علم وليس له عقل عادت أموره كلها منعكسة منقلبة، ومن كان تام العقل والعلم كان في الدنيا نبياً أو حكيماً أو إماما فان جمال الانسان وعزه ومرتبته وصلاح أحوال دنياه وآخرته بالعقل وتمامه، فتتكامل صفاته وأقسامه كما قال الشاعر:

بِالعَقلِ يَنَالُ المَرءُ أوَجَ البَدرِ ... والَعقلُ بِه الجَاه وسَامِي القَدرِ

والعَقَلُ بِه يُغسَلُ عَارَ الوِزرِ ... فِي العَقلِ التَاجُ مَع نَفاذِ الأمرِ

والعقل أول الإيمان ووسط الإيمان وآخر الإيمان.

وكم من مدع للعقل وهو متبع لهواه فلولا اتباع الهوى لم نصل إلى هذا الحد من البلاء

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

التبر المسبوك في نصيحة الملوك – الطوسي (ص: 118)

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق