الثلاثاء، 22 أكتوبر 2019

فهلوي تظن نفسك ، وأنت المصدق المخدوع


صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
فهلوي تظن نفسك ، وأنت المصدق المخدوع
في المعرة عندنا يقولون عمن ينسب لنفسه قدراً من الذكاء – فهلوي
وكل منا عرضة لأن ينخدع إلا من عصمه الله . وحتى من اتصف بقدر عال من الذكاء فأبو حنيفة وهو الإمام الأعظم ومن وصفه الإمام الشافعي بقدرته على أن يثبت أن صارية من الحجر هي من الذهب قال : خدعتني امرأة أشارت إلى كيس مطروح في الطريق، فتوهّمت أنّه لها، فحملته إليها، فقالت: احتفظ به حتى يجيء صاحبه.
فكيف بنا وبالبسطاء منا : زعموا أن سارقاً علا ظهر بيت رجلٍ من الأغنياء، وكان معه جماعةٌ من أصحابه، فاستيقظ صاحب المنزل من حركة أقدامهم، فعرَّف امرأته ذلك؛ فقال لها: رويداً إني لأحسب اللصوص علوا البيت، فأيقظيني بصوت يسمعه اللصوص وقولي ألا تخبرني أيها الرجل عن أموالك هذه الكثيرة وكنوزك العظيمة؟ فإذا نهيتك عن هذا السؤال فألحي علي بالسؤال. ففعلت المرأة ذلك وسألته كما أمرها؛ وأنصتت اللصوص إلى سماع قولهما. فقال لها الرجل: أيتها المرأة، قد ساقك القدر إلى رزقٍ واسعٍ كثيرٍ: فكلي واسكتي، ولا تسألي عن أمرٍ إن أخبرتك به لم آمن من أن يسمعه أحدٌ، فيكون في ذلك ما أكره وتكرهين. فقالت المرأة: أخبرني أيها الرجل، فلعمري ما بقربنا أحدٌ يسمع كلامنا. فقال لها: فإني أخبرك أني لم أجمع هذه الأموال إلا من السرقة. قال: وكيف كان ذلك؟ وما كنت تصنع؟ قال: ذلك لعلمٍ أصبته في السرقة، وكان الأمر علي يسيراً، وأنا آمن من أن يتهمني أحدٌ أو يرتاب فّي. فقالت المرأة: أخبرني أيها الرجل، فلعمري ما بقربنا أحدٌ يسمع كلامنا. فقال لها: فإني أخبرك أني لم أجمع هذه الأموال إلا من السرقة. قال: وكيف كان ذلك؟ وما كنت تصنع؟ قال: ذلك لعلمٍ أصبته في السرقة، وكان الأمر علي يسيراً، وأنا آمن من أن يتهمني أحدٌ أو يرتاب في. قالت: فاذكر لي ذلك، قال: كنت أذهب في الليلة المقمرة، أنا وأصحابي، حتى أعلو دار بعض الأغنياء مثلنا؛ فأنتهي إلى الكوة التي يدخل منها الضوء فأرقي بهذه الرقية وهي شولم شولم سبع مرات، وأعتنق الضوء؛ فلا يحس بوقوعي أحدٌ، فلا أدع مالاً ولا متاعاً إلا أخذته. ثم أرقي بتلك الرقية سبع مراتٍ. وأعتنق الضوء فيجذبني؛ فأصعد إلى أصحابي، فنمضي سالمين آمنين. فلما سمع اللصوص ذلك قالوا: قد ظفرنا الليلة بما نريد من المال؛ ثم إنهم أطالوا المكث حتى ظنوا أن صاحب الدار وزوجته قد هجعا؛ فقام قائدهم إلى مدخل الضوء؛ وقال: شولم شولم سبع مراتٍ؛ ثم اعتنق الضوء لينزل إلى أرض المنزل، فوقع على أم رأسه منكساً. فوثب إليه الرجل بهراوته، وقال له: من أنت؟ قال: أنا المصدق المخدوع المغتر بما لا يكون أبداً؛ وهذه ثمرة رقيتك.
والأغرب أن تنصح فلا تنتصح والمعلوم أن النفوس تنخدع بالباطل كما تنخدع بالحق . رأى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ابْنه عبد الله جَالِسا مَعَ رجل فَقَالَ لَهُ: يَا بني؛ احذر هَذَا، لَا تشترين مِنْهُ شَيْئا، فَإِنَّهُ يتبرأ إِلَى الرجل من الْعَيْب. وَالرجل لَا يفْطن لذَلِك. قَالَ: فَمر عبد الله بن عمر بِذَاكَ الرجل يَوْمًا وَمَعَهُ غُلَام وضيء، فَقَالَ لَهُ: تبيعه؟ قَالَ: نعم. قَالَ: بكم؟ قَالَ: بِكَذَا. قَالَ لَهُ: هَل بِهِ عيب. قَالَ: مَا علمت أَن بِهِ عَيْبا إِلَّا أَنا رُبمَا أرسلناه فِي الْحَاجة فيبطئ فَلَا يأتينا حَتَّى نبعث فِي طلبه. فَقَالَ عبد الله: وَمَا هَذَا؟ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ. فَلَمَّا صَار إِلَيْهِ أرْسلهُ فِي حَاجَة فهرب، فَطَلَبه أَيَّامًا حَتَّى وجده، فَأتى صَاحبه ليَرُدهُ عَلَيْهِ بالإباق، فَقَالَ لَهُ: ألم أخْبرك أَنا رُبمَا أرسلناه فِي الْحَاجة فَلَا يرجع حَتَّى نرسل فِي طلبه؟ فَعلم أَنه قد خدعه.
وَقَالَ أُحَيْحةُ بن الجُلاح
تفهّم أيّها الرّجل الجهول ... ولا يذهب بك الرأي الوبيل
فإنّ الجهل محمله خفيف ... وإنّ الحلم محمله ثقيل
وترى ألم يئن الأوان كي يستيقظ من انخدع
ألم يئن الأوان أن نعود لحقيقة أن عدو جدك ما يودك
يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نثر الدر في المحاضرات – الآبي (4/ 84)
الفلاكة والمفلوكون - الدلجي (ص: 144)
أخبار الظراف والمتماجنين – ابن الجوزي (ص: 152)
كليلة ودمنة (ص: 78)
صبح الأعشى في صناعة الإنشاء – القلقشندي (2/ 449)

الفهلوية وهي لغة كان يستخدمها ملوك فارس فهي الفارسية الأولى وهي لغة منسوبة إلى فهلة، وفهلة اسم عدد من الأماكن: أصبهان والري وهمذان وماء تهاوند، وآذربيجان.
التنبيه على حدوث التصحيف (ص: 23)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق