الأربعاء، 16 أكتوبر 2019

كان في دمشق وكان .. ومن رحلة ابن جبير وابن بطوطة وذكريات الشيخ علي الطنطاوي نقرأ


صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
كان في دمشق وكان ..
ومن رحلة ابن جبير وابن بطوطة وذكريات الشيخ علي الطنطاوي نقرأ
يقول ابن جبير الذي عاش في نهاية القرن السادس الهجري وتوفي سنة 614 هجرية 1218 م: ومرافق الغرباء بهذه البلدة أي دمشق أكثر من أن يأخذها الاحصاء، ولا سيما لحفاظ كتاب الله، عزّ وجل، والمنتمين للطلب. فالشأن بهذه البلدة لهم عجيب جدا. وهذه البلاد المشرقية كلها على هذا الرسم، لكن الاحتفال بهذه البلدة أكثر والاتساع أوجد. فمن شاء الفلاح من نشأة مغربنا فليرحل الى هذه البلاد ويتغرب في طلب العلم فيجد الأمور المعينات كثيرة فأولها فراغ البال من أمر المعيشة، وهو اكبر الأعوان وأهمها، فاذا كانت الهمة فقد وجد السبيل الى الاجتهاد، ولا عذر للمقصر الا من يدين بالعجز والتسويف، فذلك من لا يتوجه هذا الخطاب عليه، وانما المخاطب كل ذي همة يحول طلب المعيشة بينه وبين مقصده في وطنه من الطلب العلمي، فهذا المشرق بابه مفتوح لذلك، فادخل أيها المجتهد بسلام، وتغنم الفراغ والانفراد قبل علق . ولو لم يكن بهذه الجهات المشرقية كلها إلا مبادرة أهلها لإكرام الغرباء وايثار الفقراء ولا سيما أهل باديتها فإنك تجد من بدار إلى بر الضيف عجبا كفى بذلك شرفا لها وربما يعرض أحد هم كسرته على فقير فيتوقف عن قبولها فيبكى الرجل ويقول: لو علم الله في خيرا لأكل الفقير طعامي لهم في ذلك سر شريف.
ومن عجيب أمرهم تعظيمهم للحاج على قرب مسافة الحج منهم وتيسير ذلك لهم واستطاعتهم لسبيله فهم يتمسحون بهم عند صدورهم ويتهافتون عليهم تبركا بهم ومن أغرب ما حدثناه من ذلك: أن الحاج الدمشقي مع من انضاف إليهم من المقاربة عند صدورهم إلى دمشق في هذا العام الذي هو عام ثمانين خرج الناس لتلقيهم: الجم الغفير نساء ورجالا يصافحونهم ويتمسحون بهم واخرجوا الدراهم لفقرائهم يتلقونهم بها وأخرجوا إليهم الأطعمة. فأخبرني من ابصر كثيرا من النساء يتلقين الحاج ويناولنهم الخبز فإذا عض الحاج فيه اختطفته من أيديهم وتبادرن لاكله تبركا بأكل الحاج له ودفعن له عوضا منه دراهم
أما ابن بطوطة الذي عاش في القرن الثامن الهجري وتوفي سنة 779 هجرية 1378 م فيقول : مررت يوما ببعض أزقة دمشق فرأيت به مملوكا صغيرا قد سقطت من يده صحفة من الفخار الصّيني وهم يسمونها الصحن، فتكسرت واجتمع عليه الناس، فقال له بعضهم: اجمع شقفها واحملها معك لصاحب أوقاف الأواني، فجمعها وذهب الرجل معه إليه فأراه إياها، فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن، وهذا من أحسن الأعمال فإن سيد الغلام لا بدّ له أن يضربه على كسر الصحن أو ينهره، وهو أيضا ينكسر قلبه ويتغير لأجل ذلك فكان هذا الوقف جبرا للقلوب، جزى الله خيرا من تسامت همته في الخير إلى مثل هذا.
أما الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله فيقول : والأوقاف الخيريّة من أشرف معالم الحضارة الإسلامية: مالٌ مرصود لأعمال الخير، منفعته لكل واحد ولا يملكه أحد، القيّم عليه يجب أن يحفظه، ويجوز أن ينميه أو يزيد فيه ولكن يحرم عليه أن ينقص منه أو أن يفرّط به. وقف أجدادُنا الأموالَ الجِسام على كل عمل من أعمال الخير: على المساجد وعلى المدارس وعلى المشافي، وعلى أمور قد لا تخطر لأمثالنا على بال. هل سمعتم في الشام وقفاً للقطط الضالّة يُطعِمها ويسقيها؟ وللكلاب الشاردة المريضة يداويها ويؤويها؟ يُسمّي العامّة الأول «مدرسة القطاط» وهي في القيمرية الذي كان حيّ التجار في دمشق، والثاني في حيّ العمارة ويسمّونه اسماً غريباً هو «محكمة الكلاب». وقد توفي الشيخ الطنطاوي سنة 1999م .
ـــــــــــــ
رحلة ابن جبير (ص: 259)
 رحلة ابن بطوطة (1/ 331)
ذكريات - علي الطنطاوي (7/ 335)

والأمر لا يقتصر على دمشق وحدها فهو عام في الشام خاصة وبلاد المسلمين عامة ففي المعرة أوقافا لازالت شواهدا موجودة وأهدفا متنوعة منها لعابري السبيل باعتبار أن المعرة تقع على رحلة الشتاء والصيف من عدن حتى أنطاكية
أسماء لم تمت فعبسي المعمار وأحمد الحمصتين رحمهما اللذان عاشا في أواسط القرن الرابع عشر الهجري أواسط القرن التاسع عشر الميلادي.كان رائدين في تقديم كل ما يحتاجه عابر السبيل من حاجات وفي الثلث الأول من القرن الماضي كان المرحوم حكمت الحراكي رائد في ذلك


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق