الاثنين، 14 مارس 2016

الْخَيْرُ عَادَةٌ، وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ

الْخَيْرُ عَادَةٌ، وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ :
حديث شريف نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والخير والشر كلماتان معروفتان الدلالة ، أما وصف الشرة باللجلجة فلما فِيهِ من العوج وضيق وكرب للنَّفس0
ولن أدخل في تفسير أصل العادة وآثارها إنما أريد أن أحدثكم عن بعض صورها ونماذج تأثيرها فأبسط تعريف للعادة يقول : أنها ما استمر الناس عليه وهم في تمام عقولهم ، وعادوا إليه مرة بعد أخرى. ومن هنا ندرك أن العادات قاهرات لأصحابها ، وقديما قيل :من اعتاد شيئا في السّرّ فضحه في العلانية.
ويبقى الخير عادة إلا أن الكيفية في تحوله إليها ، ومن ثم إلى سلوك حياتي مؤثر في حياة المرء ومتعد بأثره إلى سواه من الناس أمر يحتاج إلى أسس نفسية وعقلية ، لا بد من ترسيخها وفي أعلاها درجة حب فعل ما نبغي أن يتحول إلى عادة إضافة لضوابط ذلك الفعل حتى لا تنحرف العادة عن مسارها ويتحول أثرها ليصبح عكسي التأثير أو مشوها ، فيورث عادات ما أنزل الله بها من سلطان 0
والدراس لتواريخ الأمم يجد عجبا في نشوء عاداتها وتكوينها والعوامل والظروف التي مهدت لها ومن ثم ذيوعها بين الناس وربما تحولت بعض العادات لتغدو أحد مظاهر العقيدة الدينية عندهم ، ولعل الاستسهال للقيام بأمر ما سبب يقود لنشوء عادات قد يصبح من العسير بعد ذلك إيقافها والتخلص من آثارها 0
فحين استسهل الناس مثلا السهل المبسوط من الكلام ، جر علينا وباء العامية وما نتج عنها لتؤثر على حياتنا كلها 0فالكلمة دليل الفكر وينعكس تأثيرها في سلوك الناس وحياتهم وليس من دليل أبسط على ذلك من أن العامية أثرت على عقولنا وساقت بمفرداتها أفكارنا وليستعرض أحدنا المفردات التي يستخدمها في حياته اليومية وليناقش دلالتها الفكرية فلا بد أن يجد أنها صماء عجاء ميته فكيف لها أن تسمو بأفرادها فكرا ومن ثم سلوكا بأصحابها0
لا حظ معي أن اللغات العالمية تفتقد لفظة ( العِرض ) ولهذا فصون العرض عندهم أمر ليس له دلالة فكرية أو حياتية اجتماعية 0
ولقد قادتنا العادة أن نتناسى كلمة الحرام ليشيع استخدام لفظة العيب كبديل عنها ، ولكن ما هو العيب وماهي دلالته 0
نعم لقد ألبسنا لفظ العيب قواعد تتبعد حتى أنهاعن أصل اللفظة العربية وشتان ما بين العيب والحرام0
وللحزن وهو أمر مشروع غرائب أيضا ، إلا أن عادات نشأت فدفعت الناس إلى المحظور وما يصل إلى حد الإيذاء فقد ذكر أهل فرغانة من عاداتهم قطع الآذان حزناً على موت الأكابر من الناس ، وأهل الشام يجعلون من السواد دليل حزن في حين أن أهل الأندلس كانوا يلبسون البياض حزنا على ذويهم0
والكرم أيضا صفة نبيلة قومها الإسلام وهذبها ، إلا أنك تجدها لدى الناس تلبس صورا وأشكالا تثير الغرابة والعجب فالعرب اتصفوا بصفة الكرم ولعل حاتم الطائي عنوان هذه الصفة إلا أن الكرم عند العرب ، لربما كان حاجة فرضتها البيئة القاسية التي عاشوا فيها ، ولعل قساوة البيئة الشديدة البرودة هي نفسها فرضت على الأسكيمو أن يكونوا كرماء أيضا والكرم ليس بتقديم أسباب الراحة والطعام للضيف لا بل يقدم رجل الأسكيمو للضيف امرأته كي تبيت معه !
وللفرح عاداته وغرائبه فمن عادات سكان آسيا الوسطى قديما 0 أنه من ملك عشرة آلاف درهم اتخذ لزوجته طوقاً من ذهب، وإن ملك عشرين ألفاً اتخذ طوقين، وعلى هذا فربما كان في رقبة واحدة أطواق كثيرة وعند قبائل الماساي في وسط أفريقيا تحلق العروس شعرها تتماما في حين لا بد للرجل من إطالة شعره وإساله على كتفيه
وللعقوبة عادات : وقد قيل أن يخطئ المرء في العفو فيعفو ، خير من أن يخطئ في العقوبة
ولا بد من كونها قدر الجرم ولا تزيد ، وأن تؤمن العاقبة الناتجة عن تنفيذها 0 وربما كانت أول عقوبة عوقب بها ابن آدم في الدنيا مفرقة الأحبة 0
وكان من عادات الناس في مصر أن صنع أحد الفراعنة صنمين من حجر أسود في وسط مدينة طيبة ، فإذا نظر إليها السارق لم يقدر على الانحياز عنهما حتّى يسلك بينهما فينطبقان عليه.وعندنا في ريف المعرة ما يسمى بـ ( البشعة) وهي عبارة عن رقاقة معدنية بحجم الليرة السورية متصلة بقضيب معدنية تحمى على النار وتوضع على لسان المتهم بالسرقة فإن صرخ ألما ابتلي بالسرقة وإن صبر عفي عنه 0
وعند بعض شعوب آسيا قديما أن الزاني كان يعلق على غصن شجرة طويلة وتركوه حتى يتفتت جسده 0 وفي بلاد الصين فربما جار الملك الذي من تحت يد الملك الأكبر فيذبحونه ويأكلونه0
وبعد أفليس الخير في معناه العام والخاص قد تحول إلى عادة في سلوك السلف الصالح حتى أننا بتنا قد لا نستوعب وقد نتوقف في ذهول عندما نتدارس حياتهم فعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه تأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في حب الصدقة وقد كان من أثرياء الصحابة رضوان الله عليهم حتى بلغ به الأمر فيما اعتاده أنه لم يخرج زكاة ماله قط فليس لديه من بقية مال يخرج عنه الزكاة ،والبسملة قبيل البدء بالطعام سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنها عند الإمام أحمد بن حنبل تحولت إلى عادة قبيل كل لقمة يلتقمها 0
وحب التعلم وكتابة العلم محضوض عليها في الإسلام وهي من عادات الخير إلا أنها قد تتحول عند بعض العلماء إلى حياة خاص حتى أننا نذهل عندما نعلم أن حب الكتابة قد تحول عند الإمام النووي رحمه الله تعالى إلى عادة لازمت حياته حتى وجد في اعتياد النوم أمر متعارض وحب التأليف والكتابة لديه ، وروي أنه كتب مرة على السراج حتى انتهى زيته فاستبقه الباري جل في علاه وأنار له اصبعه فكتب على ضوئها حتى أصبح 0
وعندما نعلم أن ابن عقيل الحنبلي قد ترك من بعض آثاره وكما ذكر ابن الجوزي في سيرته كتاب الفنون في سبعمائة مجلد قال: كتاب الفنون ما جعله إلا لفضول الأوقات ، يعني فضول الوقت ، جعل رزمة من الأوراق عند رأسه فإذا أراد أن ينام كتب قبل أن ينام عشر صفحات، وإذا استيقظ وقال: أصبحنا وأصبح الملك لله كتب عشر صفحات، وإذا مرت به خاطرة سجلها، وإذا أتته فائدة قيدها، كل هذا خارج أوقات الدروس والمحاضرات واللقاءات ، فترك للأمة سبعمائة مجلد ، حتى أنه كان يقول: أنا آكل الكعك ولا آكل الخبز؟ قالوا: لماذا؟ قال: وجدت أن بين الوقتين مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية.
والسلطان العثماني عبد الحميد الثاني رحمه الله اعتاد أن لا يترك نافلة صلاة وأن يتوقف عن أي عمل حين يسمع الآذان إلا تلبية المؤذن فصدف مرة أن قال لمرافقيه فليؤمنا اليوم من لم يترك سنة العصر أبدا وهي سنة غير مؤكدة فلم يتقدم أحد فتقدم هو وأم الناس 0
غيرتم عاداتكم عندنـــــــــــا ... فكلنا من عبئه يســـــــــتريح
فغير الرحمن عاداتـــــــــــه ... عندكم كي تعذروا في القبيح
المدرس : هشام كرامي
*******************************
شعب الإيمان - البيهقي(11/ 135)
التعريفات – الجرجاني (ص: 146)
الإمتاع والمؤانسة - التوحيدي(ص: 217)
أطواق الذهب في المواعظ والخطب - كتاب المقالات الزمخشري (ص: 25)
الحيوان – الجاحط (1/ 62)
آثار البلاد وأخبار العباد - للقزويني(ص: 236- 586
تاريخ الطبري - (1/ 382)
طبقات الأولياء – ابن الملقن (ص: 111)
رحلة السيرافى (ص: 48)
المسالك والممالك للبكري (2/ 553)
الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة – سعيد المغربي(ص: 38)
مجلة الأستاذ (ص: 171)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق