الاثنين، 10 أغسطس 2020

ونرثي حالنا فلقد قلّ من يرثي لنا

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

ونرثي حالنا فلقد قلّ من يرثي لنا

والرثاء بين الصدق والكذب ومن صدق رثاء متمم بن نويرة

الرِّثاءَ غالِباً يَصْحَبُه الحُزْنُ . ورثيت حاله أي رحمته وتوجعت له . والرثاء غالبا ما يكون للأموات يمدحون به

إلا أن الحال يقتضي أن يرثي المرء حال الأحياء ، فالأموات قَدْ (أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا ) كما قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

فتنٌ تجعل الحليم في أيامنا في حيرة من أمره ، فكيف بالعوام أمثالنا ، حتى أن الرثاء وهو أصدق الشعر عند العرب غدا للتغني لا للحزن . وفي المعرة يقولون للدلالة على كذب الدموع : دموع الفاجرات هايرات .نستبكي النّاس على حال بعضنا كان سبباً في وجوده وسبباً في استمراره . ومقولاتنا كل الناس وقفوا ضدنا .

نسينا أخلاقيات كان عنوان حياة سلفنا وهو أن الحسب محتاج إلى الأدب، والسّرور محتاج إلى الأمن، والقرابة محتاجة إلى المودّة، والمعرفة محتاجة إلى التّجارب، والشرف محتاج إلى التّواضع، والنجدة محتاجة إلى الجدّ. ركلنا هذه القيم بأقدامنا .وإن سألت عن السبب أتاك الجواب : فقد نقل عن ابن عباس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قال: إذا رأيتم السيوف قد أعريت والدماء قد أُريقت فاعلموا أن حكم الله جل وعز قد ضيّع وانتقم من بعضهم ببعض، وإذا رأيتم الرثاء قد فشا فاعلموا أن الربا قد فشا .

متمم بن نويرة رضي الله عنه من نماذج من حزن فرثى فصدق . تمكن الحزن من قلبه، وقل نسيانه أخاه مالك ، فكان لا يمر بقبر، ولا يذكر الموت بحضرته إلا قال: يا مالك ثم فاضت عبرته، ففي ذلك يقول:

وقالوا أتبكي كلّ قبرٍ رأيته ... لقبرٍ ثوى بين اللّوى والدّكادك

فقلت لهم إنّ الأسى يبعث البكا ... ذروني فهذا كلّه قبر مالك

دخل متمّم بن نويرة رضي الله عنه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان من حديثه وهو يسأله عن سره حزنه على أخيه مالك فأجاب ، يذكر بعض صفات أخيه فقال : لقد أسرني بنو تغلب في الجاهليّة، فبلغ ذلك مالكا فجاء ليفتديني، فلما رآه القوم أعجبهم جماله، وحدّثهم فأعجبهم حديثه، فأطلقوني له بغير فداء. وقَالَ مُتَمِّمُ بْنُ نُوَيْرَةَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يا أمير المؤمنين : " أَغَارَ حَيُّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى حَيِّ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ وَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَاضِرِ، فَخَرَجَ فِي آثَارِهِمْ عَلَى جَمَلٍ ثِقَالٍ يَسُوقُهُ مَرَّةً وَيَرْكَبُهُ أُخْرَى حَتَّى أَدْرَكَهُمْ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ وَهُمْ آمِنُونَ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَوْهُ فَأَرْسَلُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْأَسْرَى وَالنَّعَمِ وَهَرَبُوا، فَأَدْرَكَهُمْ مَالِكٌ , فَاسْتَأْسَرُوا جَمِيعًا حَتَّى كَتَّفَهُمْ وَكَرَبَهُمْ إِلَى بِلَادِهِ مُكَتَّفِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: «قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ سَخَاءَهُ وَشَجَاعَتَهُ، وَلَمْ نَعْلَمْ بِكُلِّ مَا تَذْكُرُ» هي صفات كان من الحق أن يبكي متمم أخاه حنى آخر عمره

فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالكا ... لطول افتراق لم نبت ليلة معا

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ــــــــــــــــــــــــــــــ

الطبقات الكبرى – ابن سعد (ص: 538)

عيون الأخبار – ابن قتيبة الدينوري(4/ 32)

المحاسن والمساوئ - إبراهيم بن محمد البيهقي (ص: 163)

التعازي والمراثي والمواعظ والوصايا - المبرد (ص: 115)

الإصابة في تمييز الصحابة  - ابن حجر العسقلاني(5/ 566)

صحيح البخاري (2/ 104)

مُتَمِّم بن نُوَيرَة بن حمزة بن شداد اليربوي التميمي أبو نهشل. ? - 30 هـ / ? - 650 م

شاعر فحل، صحابي، من أشراف قومه، اشتهر في الجاهلية والإسلام، وكان قصيراً أعور، أشهر شعره رثاؤه لأخيه مالك ومنه قوله:

وكنا كندماني جذيمة حقبة    من الدهر حتى قبل لن يتصدعا

والندمانا جذيمة: مالك وعقيل.سكن متمم المدينة في أيام عمر وتزوج بها امرأة لم ترض أخلاقه لشدة حزنه على أخيه. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق