الأحد، 6 مارس 2022

حين يكون القرار مزاجيا ، ومن تاريخنا نتعلم من عجائب الحاكم بأمر الله العبيدي أبو علي المنصور الملقب الحاكم بأمر الله

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

حين يكون القرار مزاجيا ، ومن تاريخنا نتعلم

من عجائب الحاكم بأمر الله العبيدي

أبو علي المنصور الملقب الحاكم بأمر الله صاحب مصر ، تولى الحاكم المذكور عهد أبيه في حياته، وذلك في شعبان سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، وَلَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً كان جواداً بالمال سفاكاً للدماء، قتل عدداً كثيراً من أماثل أهل دولته وغيرهم صبراً. وكانت سيرته من أعجب السير، يخترع كل وقت أحكاماً يحمل الناس على العمل بها، منها أنه أمر الناس في سنة خمس وتسعين وثلاثمائة بكتب سب الصحابة رضوان الله عليهم في حيطان المساجد والقياسر والشوارع، وكتب إلى سائر عمال الديار المصرية يأمرهم بالسب، ثم أمر بقطع ذلك ونهى عنه وعن فعله في سنة سبع وتسعين، ثم تقدم بعد ذلك بمدة يسيرة بضرب من يسب الصحابة وتأديبه ثم يشهره؛ ومنها أنه أمر بقتل الكلاب في سنة خمسة وتسعين وثلاثمائة فلم ير كلب في الأسواق والأزقة والشوارع إلا قتل؛ ومنها أنه نهى عن بيع الفقاع ( الكمأة ) والملوخيا وكبب الترمس المتخذة لها والجرجير والسمكة التي لا قشر لها، وأمر بالتشديد في ذلك والمبالغة في تأديب من يعترض لشيء منه، فظهر على جماعة أنهم باعوا أشياء منه، فضربوا بالسياط وطيف بهم، ثم ضربت أعناقهم، ومنها أنه في سنة اثنتين وأربعمائة نهى عن بيع الزبيب  قليله وكثيرة على اختلاف أنواعه، ونهى التجار عن حمله إلى مصر، ثم جمع بعد ذلك منه جملة كثيرة وأحرق جميعها، ويقال إن مقدار النفقة التي غرموها على إحراقه كانت خمسمائة دينار  ، وفي هذه السنة منع من بيع العنب وأنفذ الشهود إلى الجيزة حتى قطعوا كثيراً من كرومها ورموها في الأرض وداسوها بالبقر، وجمع ما كان في مخازنها من جرار العسل ( دبس العنب ) فكانت خمس آلاف جرة، وحملت إلى شاطئ النيل وكسرت وقلبت في بحر النيل؛ وفي هذه السنة أمر النصارى واليهود يلبس العمائم السود، وأن يعمل النصارى في أعناقهم الصلبان ، زِنَتُه رَطْلٌ وَرُبْعٌ بِالدِّمَشْقِيّ. وأن تحمل اليهود في أعناقهم قرامي ( القرامي قطع الخشب ، والقرامي أصول الشجر ) الخشب فِي زِنَةِ الصَّليب إِشَارَةً إِلَى رَأْس العِجْل الَّذِي عَبَدُوهُ ، ولا يركبوا شيئاً من المراكب المحلاة، وأن تكون ركبهم من الخشب، ولا يستخدمون أحداً من المسلمين، ولا يركبون حماراً لمكار مسلم ولا سفينة نوتيها ( قبطانها ) مسلم، وأن يكون في أعناق النصارى إذا دخلوا الحمام الصلبان، وفي أعناق اليهود الجلاجل ليتميزوا عن المسلمين، ثم أفرد حمامات اليهود والنصارى والمسلمين وحط على حمامات النصارى الصلبان، وعلى حمامات الهود القرامي، وذلك في سنة  ثمان وأربعمائة. وفيها أمر بهدم الكنيسة المعروفة بقمامة وجميع الكنائس بالديار المصرية، ووهب جميع ما فيها من الآلات وجميع ما لها من الأرباع والأحباس لجماعة من المسلمين، وفي هذه السنة نهى عن تقبيل الأرض له وعن الدعاء له والصلاة عليه في الخطب والمكتبات ، وأن يجعل عوض ذلك السلام على أمير المؤمنين. وفي سنة أربع وأربعمائة أمر أن لا ينجم أحد ولا يتكلم عن صناعة النجوم، وأن ينفي المنجمون من البلاد  ، فحضر جميعهم إلى القاضي مالك بن سعيد الحاكم بمصر كان وعقد عليهم توبة  ، وأعفو من النفي وكذلك أصحاب الغناء. وفي شعبان من هذه السنة منع النساء من الخروج إلى الطرقات ليلاً ونهاراً، ومنع الأساكفة من عمل الخفاف للنساء، ومحيت صورهن من الحمامات ، ولم تزل النساء ممنوعات عن الخروج إلى أيام ولده الظاهر المقدم ذكره، وكانت مدة منعهن سبع سنين وسبعة أشهر، ثمَّ بَعْد مُدَّة أَمرَ بِإِنشَاء مَا هَدَم مِنَ الكنَائِسِ، وَبتنصُّر مَنْ أَسْلَمَ، وأمر ببناء ما كان قد هدم من كنائسهم ورد ما كان في أحباسها . وَقَدْ حُبِّبَ فِي الآخر إِلَى الحَاكِم العُزْلَةُ، وَبَقِيَ يَرْكَبُ وَحْدَهُ فِي الأَسوَاق عَلَى حمَار، وَيقيم الحِسْبَة بنَفْسِهِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عبدٌ ضخمٌ فَاجرٌ، فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ تَأَدِيْبٌ، أَمرَ العَبْدَ أَنْ يولجَ فِيْهِ ( أن يفعل به فعل قوم لوط )، وَالمَفْعُوْل بِهِ يَصِيْح.

وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَرَادَ ادِّعَاءَ الإِلهيَّة، وَشَرَعَ فِي ذَلِكَ، فَكلَّمه الكُبَرَاء، وَخوَّفُوهُ مِنْ وَثوبِ النَّاسِ، فَتَوَقَّف.

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

__________

وفيات الأعيان (5/ 292)

سير أعلام النبلاء – الإمام الذهبي  (11/ 435)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق