الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

شدة اﻹيمان مقرونة بشدة الفصاحة

لغتنا هي شرفنا
فشدة الإيمان مقرونة بشدة الفصاحة
من يقرأ صدر التاريخ في الإسلام ويعتبر حوادثه ويتدبر آثار القرآن في قبائل العرب يرى أن شدة الإيمان كانت عند شدة الفصاحة، وأن خلوص الضمائر كان يتبع خلوص اللغة، وأن القائمين بهذا الدين والذين أفاضوه وصرفوا إليه جمهور العرب وقاتلوهم عليه وجمعوا ألفتهم وقوموا أودهم إنما كانوا أهل الفصاحة الخالصة من قريش إلى سرة البادية، وأن الفتن إنما استطارت في الجزيرة استطارة الحريق فيمن وراء هؤلاء إلى أطراف اليمن، فكانوا قومًا مدخولين منقوصين، وما كان ضعف اعتقادهم إلا في وزن الضعف من لغتهم، وقد أسلفنا في غير هذا الموضع أن غربة الدين ما تزال تتبع غربة العربية. ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمرو بن العاص بعمان، فأقبل منها إلى المدينة يخترق بلاد العرب، فأطافت به قريش تاريخ وسألوه.
فقال لهم: إن العساكر معسكرة من دبا "سوق بعمان" إلى حيث انتهيت إليكم. فتفرقوا حلقًا.
ومر عمر بن الخطاب بجماعة منهم فسألهم: أفيم أنتم؟ فلم يجيبوه! فقال: أظن قلتم: ما أخوفنا على قريش من العرب! قالوا: صدقت! قال: فلا تخافوا هذه المنزلة! أنا والله منكم على العرب أخوف مني من العرب عليكم، والله لو تدخلون معاشر قريش حجرًا لدخلته العرب في آثاركم.
وحسبك من أثر القرآن في العرب الفصحاء وصوغ فطرتهم وتصريفها، أن أحدهم كان إذا اتهم في بعض أخلاقه لم ينكر ذلك بأشد من قوله: بئس حامل القرآن أنا إذن. ولما أعطي سالم مولى أبي حذيفة راية المسلمين يوم قتال مسيلمة الكذاب وكان من أشد الأيام وأعظمها نكاية، قال لأصحابه: ما أعلمني لأي شيء أعطيتمونيها، قلتم: صاحب قرآن وسيثبت كما ثبت صاحبها قبله حتى مات! قالوا: أجل، وانظر كيف تكون! قال: بئس والله حامل القرآن أنا إن لم أثبت! فتأمل، وكان صاحب الراية قبله عبد الله بن حفص.
وفي هذه الوقعة صاح أبو حذيفة، وقد اضطرب المسلمين: يا أهل القرآن، زينوا القرآن بالفعال! ثم حمل على القوم فحازهم حتى أنفذهم.
- الكامل في التاريخ – ابن الأثير (2/ 217)
- تاريخ الطبري (3/ 259)
- تاريخ آداب العرب – مصطفى صادق الرافعي(2/ 109)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق