السبت، 1 أكتوبر 2022

الجنس الثالث

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

الجنس الثالث

تسميةُ أطلقها أحد كتاب الإِنجليز حصوننا . ويقول الدكتور محمد محمد حسين : والواقع أن هذه التسمية وصف صادق كل الصدق لهذه الطبقة الجديدة من النساء التي برزت مشكلتها في المجتمع الأوروبي منذ أواخر القرن الميلادي الماضي، بعد أن تكاثر عددها فيه وطغى سيلها. ذلك لأنهن قد فقدن أنوثتهن فلم يعدن نساء، وابتذلن أجسادهن وأرْخَضْن مفاتهن حتى عافها الرجال وانصرفوا عنها. ثم إن فطرتهن وخلقتهن تأبى عليهن من بعدُ أن يَدْخلن في عِدَاد الرجال. من أجل ذلك سماهن ذلك الكاتب الإنجليزي الحصيف "الجنس الثالث" والذي حدث يشبه ما فعله العصفور ذهب الغراب يتعلم مشية العصفور، فلم يتعلّمها، ونسي مشيته، فلذلك صار يحجل ولا يقفز قفزان العصفور. سماهن ذلك الكاتب الإنجليزي الحصيف "الجنس الثالث"، بعد أن أخرجن أنفسهن من عداد النساء واستحال عليهن أن يدخلن في عداد الرجال، فهن يخالفن الرجال طبيعة وتركيباً، ويخالفن النساء وظائف وأعمالاً. "وقد درس هذا الأستاذ أحوالهن درساً مدققاً فوجد أنهن يتركن الزواج. وبانتزاعهن أنفسهن من وظائفهن الطبيعية كالأمومة وما يتبعها قد تغيرت إحساساتهن عن إحساسات بنات جنسهن، وصرن في حالة من الكآبة تشبه أعراض الماليخوليا". لقد أساءت المرأة إلى نفسها وأساء إليها الذين ظاهروها وأعانوها ممن يزعمون أنهم أنصارها. فقد كانت ريحانة تشَمّ، فأصبحت مشكلًا يتطلب الحل، وكانت عِرْضاً يصان وأمانة تحفظ، فأصبحت حملاً ثقيلا يضيق به الأب والأخ ويتحتم معه على المرأة أن تعمل لتعيش. نشأ الجيل السابق على أن يكفلها ويكفيها حاجتها، وكان هذا التقليد عقيدة مركزة في أعماق كل نفس، يحرسها الإجماع عليها, ولا يخطر لأب أو ابن أو أخ أو زوج أن يتخلى عنه ويخرج من عهدته، فلما عملت المرأة لنفسها وشاع ذلك في المجتمع ماتت هذه العادة، وماتت معها المروءة التي كانت تدفع إليها، والغيرة التي كانت سبباً في المحافظة عليها، وأصبحت المرأة إذا لم تبحث عن العمل من نفسها دفعها وليها إليه دفعاً وألزمها به إلزاماً. بل لقد أصبح القانون يلزمها بالعمل في النظام الشيوعي، وأصبح الواقع يلزمها به في النظام الرأسمالي.

كان أنصار تعليم المرأة في أول هذا القرن يحتجون لدعوتهم بأن تعليم المرأة أعونُ لها في حسن القيام على تربية أولادها، فلما تعلمت المرأة نسوا ما كانوا يدعون إليه أو تناسوه، وراحوا يعملون على أن تكون المرأة صورة مكررة من الرجل. وصنيعهم هذا دليل على أنهم غير مخلصين فيما يدعون إليه، وأن لهم من وراء دعواتهم أهدافاً وغايات تخالف ظاهر أقوالهم. ولو شئنا لقلنا بعد ذلك كله لأعداء المرأة وأعداء أنفسهم ممن جرى عرف الصحف والكتاب في هذه الأيام على تسميتهم (أنصار المرأة): إن المرأة لا تصلح للكد وممارسة الأعمال العامة صلاحية الرجل. لأنها بحكم تكوينها تحيض أسبوعاً في كل شهر، وهي حالة تكاد تكون مرضاً يخرجها عن مألوف عاداتها. وهي بعد ذلك إن حملت ظلت تعاني في الشهور الأولى من حالات (الوحَم) وما يلازمه من أسقام. ثم إنها تعاني في الشهور الأخيرة من ثقل الحمل الذي يقيِّد حركاتها حتى يكاد يشلها. فإِذا لم تكن المرأة العاملة متزوجة كانت مشغولة بالبحث عن الزوج، معرضة للزلل والتفريط عند كل بارقة من الأمل في الظفر به، وهي لا تعدل عن ذلك ولا تتصرف عنه إلا لعلة قد تكون شراً من البحث عن الزوج وأخطر. ومن مغالطات التي ابتدعها قاسم أمين وتابعه فيها كثير من الناس أنهم يقولون: إن بين النساء نابغات وبينهن عانسات وبينهن من فقدت الزوج والعائل. فلماذا لا يشارك هؤلاء في الأعمال العامة في الحياة؟ وليس كل ما يقولونه إلا أعذاراً وحيلًا تنتحل لفتح الباب تمهيداً للزحف. إن الذي يسمح لقدمه أن تنزلق خطوة واحدة في أول الطريق لا يدري إلى أين تسوقه قدماه وإلى أين ينتهي به المسير. إن مدمن الخمر قد سمح لنفسه أولاً بمجالسة الشاربين، ثم سمح لنفسه بأن يشاركهم النّقْل، ثم تدرج من ذلك إلى مشاركتهم في قليل من الشراب لا يبلغ به حد الخلط وفقدان الإِحساس، ولم يزل يخطو في كل مرة خطوة من بعد خطوة حتى أصبح مدمناً. وكذلك الشأن في المرأة وفي كل أمر، ومنحُ صنفٍ من النساء حق الاشتغال بالأعمال العامة هو الانزلاق في أول الطريق الذي يجر إلى السماح لسائر النساء بهذا الحق كما أثبتت التجربة.

ورحم الله شوقي حين رد على قاسم أمين وترهاته وحزبه المدعوم من اللورد كرومر

ولك البيان الجَزْلُ في ... أثنائه العلم الغزير

في مطلبٍ خشنٍ كثيـ ... رٍ في مزالقه العثور

ما بالكتاب ولا الحديث ... إذا ذكرتهما نكير

حتى لنسأل: هل تغا ... ر على العقائد أم تغير؟

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

حصوننا مهددة من داخلها – الدكتور محمد محمد حسين (ص: 81)

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق