الثلاثاء، 11 أكتوبر 2022

ليلى الأخيليّة سيدة النساء الشواعر بعد الخنساء

 صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي
ليلى الأخيليّة سيدة النساء الشواعر بعد الخنساء
وقد قيل : أنه لم يعرف العصر الأموي امرأة جمعت بين الجمال والشعر وحسن الحديث وقوة الحجة غير ليلى الأخيليّة
وهى ليلى بنت عبد الله بن الرّحّالة بن كعب بن معاوية. في حين أن هذا العصر عرف ليلى صاحبة المجنون وريا صاحبة الصمة وعزة صاحبة كثير وبثنية صاحبة جميل . إلا أن ليلى فاقة الجميع بحسن المنطق وقوة الشعر . ولا غرابة أن يتعلق توبة بن الحمير وهو من بنى عقيل. أحد شعراء وعشّاق العرب المشهورين بذلك. وصاحبته ليلى والتي كان يقول فيها الأشعار ، كان لا يراها إلّا متبرقعة ، علاقة يحيط بها الشرف وكان توبة هذا كان على جانب عال من الجمال والأدب والشجاعة ، جمعتهما مناهل المياه ، وكانت تجمع بين الفتيان والفتيات ، أحبته ليلى وفيه من الصفات التي لا تبتغيها فهو لا يكف عن الغارة . تقدم لخطبتها إلا أن والدها أبى ، وزوجها رجلا من بني الأدلع وكان توبة يزورها . وكان زوجها غيوراً عليها فأخذ ينزل الشعاب البعيدة والتي لا تكون على الطرق العامة . نزل بني الصحمة مرة ضيفا حيث ينزل الضيف على ليلى ، فأبصر امرأة وصبيانا يدورون بالخباء فلم يكلّمه أحد. فلمّا كان بعد هدأة من الليل سمع جرجرة إبل رائحة، وسمع فيها صوت رجل حتى جاء بها فأناخها على البيت، ثم تقدّم فسمع الرجل يناجي المرأة ويقول: ما هذا السّواد حذآءك؟ قالت: راكب أناخ بنا حين غابت الشمس ولم أكلّمه. فقال لها: كذبت، ما هو إلا بعض خلّانك، ونهض يضربها وهي تناشده، قال الرجل: فسمعته يقول: واللّه لا أترك ضربك حتى يأتي ضيفك هذا فيغيثك. فلمّا عيل صبرها [5] قالت: يا صاحب البعير يا رجل! وأخذ الصحميّ هرواته ثم أقبل يحضر حتى أتاها وهو يضربها، فضربه ثلاث ضربات أو أربعا، ثم أدركته المرأة فقالت: يا عبد اللّه، ما لك ولنا! نحّ عنّا نفسك، فانصرف فجلس على راحلته وأدلج ليلته كلّها وقد ظنّ أنه قتل الرجل وهو لا يدري من الحيّ بعد ، حتى أصبح في أخبية من الناس، ورأى غنما فيها أمة مولّدة، فسألها عن أشياء حتى بلغ به الذكر ، فقال: أخبريني عن أناس وجدتهم بشعب كذا. فضحكت وقالت: إنك لتسألني عن شيء وأنت به عالم. فقال:
ألا يا ليل أخت بني عقيل ... أنا الصّحميّ إن لم تعرفيني
دعتني دعوة فحجزت عنها ... بصكّات رفعت بها يميني
فإن تك غيرة أبرئك منها ... وإن تك قد جننت فذا جنوني
وما ذاك للّه بلادك؟ فو اللّه ما أنا به عالم. قالت: ذاك خباء ليلى الأخيليّة، وهي أحسن الناس وجها، وزوجها رجل غيور فهو يعزب بها عن الناس فلا يحلّ بها معهم، واللّه ما يقربها أحد ولا يضيفها، فكيف نزلت أنت بها؟ قال : إنما مررت فنظرت إلى الخباء ولم أقربه، وكتمها الأمر . وحين كثرت زيارته لها اشتكى قومها فأهدر السلطان دمه فأتاها يوما، وقد سفرت، فأنكر ذلك، وعلم أنّها لم تسفر إلّا لأمر حدث، وكان إخوتها أمروها أن تعلمهم بمجيئه ليقتلوه، فسفرت لتنذره، فألقت البرقع، ليعلم أنها قد برزت. ففي ذلك يقول:
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ... فقد رابنى منها الغداة سفورها
فلما مات توبة، مز زوج ليلى بليلى على قبره، فقال لها: «سلمي على توبة فإنه زعم في شعره أنه يسلم عليك تسليم البشاشة» ، فقالت: «ما تريد إلى من بليت عظامه» ، فقال: «والله لتفعلن» ، فقالت وهي على البعير: «سلام عليك يا توبة، فتى الفتيان» . وكانت قطاة مستظلة في ثقب من ثقب القبر، فلما سمعت الصوت، طارت وصاحت، فنفر البعير ورمى بليلى فماتت، فدفنت إلى جنب قبر توبة. قال: وسأل الحجاج ليلى: «هل كان بينك وين توبة ريبة قط» ؟ قالت: «لا والذي أسأله صلاحك أنه مرة قال لي قولاً ظننت أنه خنع لبعض الأمر» فقلت له:
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ... فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى فارغ وخليل
فما كلمني بعد ذلك بشيء، حتى فرق بيني وبينه الموت.
يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا
ــــــــــــــــــــ
المحاسن والأضداد - الجاحظ(ص: 174)
عيون الأخبار – ابن قتيبة (1/ 391)
الأغاني – أبو فرج الأصفهاني(11/ 138)
الشعر والشعراء – ابن قتيبة الدينوري (1/ 436)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق