صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

من بوائق الدهر

في بغداد وحلب

كلمة أضحت لا تغادر لسانا : عجب صار بالتاريخ متل ما صار فينا

وجميل قول عنترة : عَرَكتُ النائِباتِ فَهانَ عِندي .. قَبيحُ فِعالِ دَهري وَالجَميلُ

ورضي الله عن سيدنا علي بن أبي طالب حيث قال :

إِذا ما عَرى خَطبٌ مِنَ الدَهرِ فَاِصطَبِر .. فَإِنَّ اللَيالي بِالخَطوبِ حَوامِلُ

وَكُلُّ الَّذي يَأتي بِهِ الدَهرُ زائِلٌ .. سَريعاً فَلا تَجزَع لِما هُوَ زائِلُ

من يتصفح كتب التاريخ يجد عجبا ، ولن أطور الحديث ليشمل ساحة الأرض بل أخص بمثالين في شدة البلاء من العراق والشام وحتى لا يقال : يا أخي والله ما مر على حدا هيك :

ففي سنة خمس وسبعين وستمائة ، كان الغرق ببغداد، زادت مياه دجلة زيادة عظيمة وتهدمت دور كثيرة حتى قيل إن جملة ما تهدم من الدور ستون دار، وتلف للناس شيء كثير بسبب ذلك، ويقال إنه لم يبق من بغداد عامر إلا قدر الثلث، ودخل الماء الجامع الكبير والمدارس، وصارت السفن في الأزقة تنقل الناس من مكان إلى مكان ثم من تل إلى تل ثم يصل الماء إليهم فيغرقهم، وجرت في بغداد بسببه خطوب كثيرة، وخلا أكثر أهلها، ثم عاد من عاد فصار لا يعرف محلته فضلاً عن داره. غرقت بغداد، وامتدت دجلة حتى اختلطت بالفرات وأرسلت إليها الأنهار والعيون والسحب من كل جهة حتى بقيت بغداد في وسط الماء كأنها قصعة في فلاة، وصارت الرصافة ومشهد أحمد ومشهد أبي حنيفة وغيرهما من المشاهد والمزارات لا يوصل إليها إلا المراكب، وفيها وفي الصيف هبت ريح عاصفة حارة بسنجار ( جبل سنجار شمال شرق سوريا ) فأحرقت أوراق الأشجار.

وفيها ورد إلى حلب سيل عظيم على حين غفلة وارتفع زيادة عن العادة فخرب بسببه دور كثيرة وخربت نواحي كثيرة بالرها والبيرة.

وفي سنة سبع وسبعين وسبعمائة : وكان الغلاء أيضاً في حلب حتى بيع المكوك بثلاثمائة، ثم زاد إلى أن بلغ الألف حتى أكلوا الميتة والقطاط والكلاب، وباع كثير من المقلين أولادهم، وافتقر خلق كثير، ويقال: إن بعضهم أكل بعضاً حتى أكل بعضهم ولده، ثم عقب بعد ذلك الوباء ففني خلق كثير حتى كان يدفن العشرة والعشرون في قبر بغير غسل ولا صلاة، ويقال: إنه دام بتلك البلاد الشامية ثلاث سنين، لكن أشده كان في الأولى.

ورحم الله ابن حيوس

قَصَدَتهُم بِوائِقُ الدَهرِ حَتّى أَسكَنَتهُم بَعدَ القُصورِ التُرابا

ــــــــــــــــــــــ

إنباء الغمر بأبناء العمر – ابن حجر العسقلاني (1/ 62)

شذرات الذهب في أخبار من ذهب – العكري (8/ 431)