الجمعة، 29 يناير 2021

كف اللسان ومن قصة الحطيئة والزبرقان لسان مثل

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

كف اللسان

ومن قصة الحطيئة والزبرقان لسان مثل

وكان جَرْوَلُ بْنُ أَوْسِ بنِ جُؤَيَّةَ بنِ مَخْزُومِ في بعض الحروب وكان رجلًا جبانًا فأُسِرَ فَقِيل ... قَدْ عَهِدْنَاك تَكْرَهُ النِّزَالَ وَلَا تُنازِلُ الأَبْطَالَ، فقال: مُكْرَهٌ أَخُوكَ لَا بَطَلٌ، فأرسلها مثلا،  إنما حَطَاتُ بِيَدي فَأُسِرْتُ، فسمي الحُطَيْئَةَ؛ وتُصَغَّرُ حطيئة، وهو الضَّرْبُ باليد مَبْسُوطَةً حيث أصابت من الجسد. وكان الحطيئة من فحول الشعراء ولم يترك باباً للشعر إلا نبغ فيه من مديح وفخر وهجاء ونسيب وكان يتردد على كثير من القبائل فينتمي إليها ثم يهجرها ويغضب منها ويهجوها . علماً بأن الكثير منها كانت تتودد إليه وكان يتعزز على الجميع ، وكانت كثير من الأحياء العربية تجمع له العطاء خشية أن يهجوها . قال عبد الرحمن بن أبي بكرة  أنه: لقيت الحطيئة بذات عرق فقلت له: يا أبا مليكة، من أشعر الناس؟ فأخرج لسانه كأنه لسان الحية ثم قال: هذا إذا طمع. وعن ابن الأعرابيّ: أن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم كان ولّى الزّبرقان بن بدر بن امرىء القيس عملا، وذكر مثل ذلك الأصمعيّ، وقال: الزّبرقان: القمر، والزبرقان: الرجل الخفيف اللحية. قال: وأقرّه أبو بكر رضي اللّه عنه بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم على عمله، ثم قدم على عمر في سنة مجدبة ليؤدّي صدقات قومه، فلقيه الحطيئة بقرقرى ومعه ابناه أوس وسوادة وبناته وامرأته؛ فقال له الزّبرقان وقد عرفه ولم يعرفه الحطيئة: أين تريد؟ قال: العراق، فقد حطمتنا هذه السنة؛ قال: وتصنع ماذا؟ قال وددت أن أصادف بها رجلا يكفيني مؤونة عيالي وأصفيه مدحي أبدا؛ فقال له الزبرقان: قد أصبته، فهل لك فيه يوسعك لبنا وتمرا ويجاورك أحسن جوار وأكرمه؟ فقال له الحطيئة: هذا وأبيك العيش، وما كنت أرجو هذا كلّه؛ قال: فقد أصبته؛ قال: عند من؟ قال: عندي؛ قال: ومن أنت؟ قال: الزّبرقان بن بدر؛ قال وأين محلّك؟ قال: اركب هذه الإبل، واستقبل مطلع الشمس، وأرسل إلى أمه وهي أم شذرة أم الزّبرقان وهي أيضا عمة الفرزدق، فكتب إليها أن أحسني إليه، وأكثري له من التمر واللبن. وذلك في عام صعب مجدب، فأكرمته المرأة وأحسنت إليه؛ فبلغ ذلك بغيض بن عامر بن شمّاس وهو أنف الناقة وبلغ إخوته وبني عمه فاغتنموها. قال ابن الأعرابيّ: وكانوا يغضبون من لقب أنف الناقة، وإنما سمّي جعفر أنف الناقة لأن أباه قريعا نحر ناقة فقسمها بين نسائه، فبعثت جعفرا هذا أمّه، فأتى أباه ولم يبق من الناقة إلا رأسها وعنقها، فقال: شأنك بهذا؛ فأدخل يده في أنفها وجرّ ما أعطاه؛ فسمّي أنف الناقة. وكان ذلك كاللّقب لهم يذلهم حتى مدحهم الحطيئة، فقال:

قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوّي بأنف الناقة الذنبا

فصار بعد ذلك فخرا لهم ومدحا، وكانوا ينازعون الزّبرقان الشرف - يعني بغيضا وإخوته وأهله - وكانوا أشرف من الزّبرقان، إلا أنه قد كان استعلاهم بنفسه. وقال أبو عبيدة في خبره: كان الحطيئة دميما سيّ ء الخلق، لا تأخذه العين، ومعه عيال كذلك. فلما رأت أمّ شذرة حاله هان عليها وقصّرت  به، ونظر بغيض وبنو أنف الناقة إلى ما تصنع به أمّ شذرة، فأرسلوا إليه: أن ائتنا، فأبى عليهم وقال: إن من شأن النساء التقصير والغفلة، ولست بالذي أحمل على صاحبها ذنبها. فلما ألحّ عليه بنو أنف الناقة، وكان رسولهم إليه شمّاس بن لأي وعلقمة بن هوذة وبغيض بن شمّاس والمخبّل الشاعر، قال لهم: لست بحامل على الرجل ذنب غيره، فإن تركت وجفيت تحوّلت إليكم؛ فأطمعوه ووعدوه وعدا عظيما. وقال ابن سلّام في خبره: فلما لم يجبهم دسّوا إلى هنيدة زوجة الزّبرقان أنّ الزبرقان إنما يريد أن يتزوّج ابنته مليكة؛ وكانت جميلة كاملة، فظهرت من المرأة للحطيئة جفوة وهي في ذاك تداريه . وأراحوا عليه إبلهم، وأكثروا له من التمر واللبن، وأعطوه لقاحا ( الناقة التي تدر الحليب ) وكسوة. قال: فلمّا قدم الزّبرقان سأل عنه فأخبر بقصّته، فنادى في بني بهدلة بن عرف. فركب الزبرقان فرسه، وأخذ رمحه، وسار حتى وقف على نادي بني شمّاس القريعيّين، فقال: ردّوا عليّ جاري؛ فقالوا: ما هو لك بجار وقد اطّرحته وضيّعته؛ فألمّ أن يكون بين الحيّين حرب، فحضرهم  أهل الحجا من قومهم، فلاموا بغيضا وقالوا: اردد على الرجل جاره؛ فقال: لست مخرجه وقد آويته، وهو رجل حرّ مالك لأمره، فخيّروه فإن اختارني لم أخرجه، وإن اختاره لم أكرهه. فخيّروا الحطيئة فاختار بغيضا ورهطه؛ فجاء الزبرقان ووقف عليه وقال له: أبا ملكية، أفارقت جواري عن سخط وذمّ؟ قال: لا؛ فانصرف وتركه .

واليوم بماذا نسكت الكذابين الذي أرهق كذبهم قوانا

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ـــــــــ

البيان والتبيين (1/ 282)

 الكامل في اللغة والأدب (2/ 137)

الأغاني (2/ 440)

 

قرقرى : اسم مكان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق