الجمعة، 9 أغسطس 2024

لمسات بيانية في نصوص من التنزيل - سورة القيامة

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

ولمسات بيانية في نصوص من التنزيل - سورة القيامة

يقول الدكتور فاضل أحسن الله جزاءه : سألني ولدي ذات يوم: ما مناسبةُ قولهِ تعالى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} لِمَا قبله وهو قوله تعالى: {بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَهُ} . فقلتُ له: دَعْني أنظر في أول السورة، لعلي أجد مفتاحَ الجواب. فقرأت: بسم الله الرحمن الرحيم: {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة * وَلاَ أُقْسِمُ بالنفس اللوامة} .

فقلت له: المناسبة ظاهرة، وهي أن الله تعالى أقسم بيوم القيامة، وأقسم بالنفس اللوامة، ومن أبرزِ سِماتِ النفس اللوامة أن تعجل في الأمر، ثم تندم عليه، فتبدأ بلومِ نفسها على ما فعلت. وهو في الآيات التي ذَكَرْتَها ذَكَرَ النفسَ، فقال: {بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} وذَكَرَ العجلةَ فقال: (لتعجلَ به) فالمناسبة ظاهرة. ثم بدأتُ أقرأُ السورةَ متأملاً فيها فوجدت من دقائق الفن والتناسب والتناسق ما يدعو إلى العجب فآثرتُ أن أُدَوِّنَ شيئاً من هذه اللمسات الفنية. لقد ذكر المفسرون مناسبة هذه السورة لما قبلها أعني سورة (المدّثّر) وارتباطها بها. فقد قالوا: إنه سبحانه قال في آخر سورة المدثر: {كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ الآخرة * كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} [المدثر: 53-54] ، وفيها كثير من أحوال القيامة "فذكر هنا يوم القيامة وجُمَلاً من أحوالها" فكان بينهما مناسبة ظاهرة. إن هذه السورةَ قطعةٌ فنية مترابطة متناسقة مُحْكَمةُ النَّسْجِ، وليس صواباً ما جاء في (الإتقان) أن "من الآيات ما أشكلت مناسبتها لما قبلها، من ذلك قوله تعالى في سورة القيامة: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} فإن وجه مناسبتها لأول السورة وآخرها عَسِرٌ جداً". إنَّ ترابطَ آيات هذه السورة ترابط محكم وتناسبها فيما بينها لا يخفى على المتأمل. لقد أقسم الله سبحانه بيوم القيامة، وأقسم بالنفس اللوامة على رأي الأكثرين، أو أقسم بيوم القيامة، ولم يقسم بالنفس باللوامة على رأي آخرين. وسِرُّ هذا الاختلافِ، أنَّ ثَمَّة قراءة بإثبات القسم بيوم القيامة أي (لأقسم) إلا أنهم اتفقوا على إثبات حرف النفي مع النفس اللوامة فكلهم قرأ {وَلاَ أُقْسِمُ بالنفس اللوامة} .

ولا نريدُ أن نطيل الكلامَ على اقتران فعل القسم بـ (لا) ودواعيه فقد تكلم فيه المفسرون والنحاة بما فيه الكفاية. والذي نريد أن نقوله ههنا: إنَّ كل أفعال القسم المُسْندةِ إلى الله في القرآن الكريم مسبوقة بـ (لا) إذ ليس في القرآن الكريم (أقسم) بل كلها (لا أقسم) ، وذلك نحو قوله تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم} [الواقعة: 75] وقوله: {فَلاَ أُقْسِمُ بالشفق} [الانشقاق: 16] وقوله: {لاَ أُقْسِمُ بهاذا البلد} [البلد: 1] وما إلى ذلك. فليس القَسَمُ ههنا بِدْعاً من التعبير.

وباختصار كبير نُرجِّحُ أن هذا التعبير إنما هو "لونٌ من ألوان الأساليب في العربية تُخبر صاحبك عن أمرٍ يَجهله أو ينكره،

ـــــــــــ

لمسات بيانية في نصوص من التنزيل - (ص: 201)- الدكتور فاضل صالح السامرائي 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق