الجمعة، 30 أغسطس 2024

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ إِخْوَتِي أَخَوَاتِي ولمسات بيانية في نصوص من التنزيل – من سورة المائدة . وللموضوع تتمة بإذن الله تعالى سأل سائل عن قوله تعالى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} . 2- الآية مبنية على التسليم لله سبحانه، وتفويض الأمر إليه وليس على التعريض بطلب المغفرة. جاء في (ملاك التأويل) : "أما آية المائدة فمبنية على التسليم لله سبحانه وأنه المالك للكل، يفعلُ فيهم ما شاء، فلو ورد هنا عقب آية المائدة: "وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم" لكان تعريضاً بطلب المغفرة، ولم يقصد ذلك في الآية، وإنما قيل ذلك على لسان عيسى، عليه السلام، تبرّياً وتسليماً لله سبحانه، وليس موضع طلب مغفرة لهم، وإنما هو تَنصُّلٌ من حالهم، وتسليم لله فيهم. قال الغزنوي - رحمه الله -: لم يقل: (الغفور الرحيم) لأن مخرجه على التسليم، ولأن في ذكر العفو تعريضاً للسائل، والكلام لتسليم الأمرين، والحكمة تقتضيهما وكأنه قال: المغفرةُ لا تُنقِصُ من عِزِّكَ، ولا تَخرجُ عن حكمتك". وجاء في (البرهان) : "وقيل: ليس هو على مسألة الغفران، وإنما هو معنى تسليم الأمر إلى مَنْ هو أملك لهم، ولو قيل: (فإنك أنت الغفور الرحيم) لأوهم الدعاء بالمغفرة، ولا يسوغ الدعاء بالمغفرة لمن مات على شِرْكهِ لا لنبي ولا لغيره". وجاء في (تفسير ابن كثير) : "هذا الكلام يتضمنُ رَدَّ المشيئة إلى الله، عز وجل، فإنه الفَعَّالُ لما يشاء".3- وقيل إن ذكر العزيز الحكيم من باب الاحتراس، وذلك أنه "لا يغفر لمن استحق العذاب إلا مَنْ ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه، فهو العزيز، أي: الغالب، والحكيم: هو الذي يضع الشيء في محله. وقد يَخْفى وجه الحكمة على بعض الضعفاء في بعض الأفعال، فيتوهم أنه خارج عنها، وليس كذلك، فكان في الوصف بالحكيم احتراسٌ حسن، أي: وإن تغفر لهم مع استحقاقهم العذاب فلا معترضَ عليك لأحدٍ في ذلك والحكمةُ فيما فعلته". وجاء في (روح المعاني) : "وقيل: إن ذكرهما من باب الاحتراس، لأن ترك عقاب الجاني قد يكون لعجز في القدرة، أو لإهمال ينافي الحكمة، فدفعَ تَوهُّمَ ذلك بذكرهما". وجاء في (تفسير البيضاوي) : {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} فلا عجزَ ولا استقباح، فإنك القادرُ القوي على الثواب والعقاب، الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمةٍ وصواب". وخلاصة الاحتراس، أن العفو عن المستحق للعذاب العظيم، قد يكون عن عجز وضعف، لا عن استطاعةٍ وقدرة، أو قد يكون عن سوء تدبير وتقدير، أو عن كليهما، فلو قال: (فإنك أنت الغفور الرحيم) لما دفع هذين الوصفين عنه، فإن الغافر الراحم قد يكون إنما يفعل ذلك لضعفه، أو لسوء تدبيره. فقال: {فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} ليدفع ذلك عنه، وليقول إنه إن عفا وغفرَ فعن كمالِ العزةِ والقدرة، وعن غايةِ الحكمة والتدبير، فكان الختم بهما أولى مما ذكر المعترض.

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

ولمسات بيانية في نصوص من التنزيل – من سورة المائدة . وللموضوع تتمة بإذن الله تعالى

سأل سائل عن قوله تعالى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} .

2- الآية مبنية على التسليم لله سبحانه، وتفويض الأمر إليه وليس على التعريض بطلب المغفرة. جاء في (ملاك التأويل) : "أما آية المائدة فمبنية على التسليم لله سبحانه وأنه المالك للكل، يفعلُ فيهم ما شاء، فلو ورد هنا عقب آية المائدة: "وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم" لكان تعريضاً بطلب المغفرة، ولم يقصد ذلك في الآية، وإنما قيل ذلك على لسان عيسى، عليه السلام، تبرّياً وتسليماً لله سبحانه، وليس موضع طلب مغفرة لهم، وإنما هو تَنصُّلٌ من حالهم، وتسليم لله فيهم. قال الغزنوي - رحمه الله -: لم يقل: (الغفور الرحيم) لأن مخرجه على التسليم، ولأن في ذكر العفو تعريضاً للسائل، والكلام لتسليم الأمرين، والحكمة تقتضيهما وكأنه قال: المغفرةُ لا تُنقِصُ من عِزِّكَ، ولا تَخرجُ عن حكمتك". وجاء في (البرهان) : "وقيل: ليس هو على مسألة الغفران، وإنما هو معنى تسليم الأمر إلى مَنْ هو أملك لهم، ولو قيل: (فإنك أنت الغفور الرحيم) لأوهم الدعاء بالمغفرة، ولا يسوغ الدعاء بالمغفرة لمن مات على شِرْكهِ لا لنبي ولا لغيره". وجاء في (تفسير ابن كثير) : "هذا الكلام يتضمنُ رَدَّ المشيئة إلى الله، عز وجل، فإنه الفَعَّالُ لما يشاء".3- وقيل إن ذكر العزيز الحكيم من باب الاحتراس، وذلك أنه "لا يغفر لمن استحق العذاب إلا مَنْ ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه، فهو العزيز، أي: الغالب، والحكيم: هو الذي يضع الشيء في محله. وقد يَخْفى وجه الحكمة على بعض الضعفاء في بعض الأفعال، فيتوهم أنه خارج عنها، وليس كذلك، فكان في الوصف بالحكيم احتراسٌ حسن، أي: وإن تغفر لهم مع استحقاقهم العذاب فلا معترضَ عليك لأحدٍ في ذلك والحكمةُ فيما فعلته". وجاء في (روح المعاني) : "وقيل: إن ذكرهما من باب الاحتراس، لأن ترك عقاب الجاني قد يكون لعجز في القدرة، أو لإهمال ينافي الحكمة، فدفعَ تَوهُّمَ ذلك بذكرهما". وجاء في (تفسير البيضاوي) : {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} فلا عجزَ ولا استقباح، فإنك القادرُ القوي على الثواب والعقاب، الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمةٍ وصواب".

وخلاصة الاحتراس، أن العفو عن المستحق للعذاب العظيم، قد يكون عن عجز وضعف، لا عن استطاعةٍ وقدرة، أو قد يكون عن سوء تدبير وتقدير، أو عن كليهما، فلو قال: (فإنك أنت الغفور الرحيم) لما دفع هذين الوصفين عنه، فإن الغافر الراحم قد يكون إنما يفعل ذلك لضعفه، أو لسوء تدبيره. فقال: {فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} ليدفع ذلك عنه، وليقول إنه إن عفا وغفرَ فعن كمالِ العزةِ والقدرة، وعن غايةِ الحكمة والتدبير، فكان الختم بهما أولى مما ذكر المعترض.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق