الثلاثاء، 23 مايو 2023

اللغة صورة ومرآة تعكس تطور المجتمع

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

اللغة صورة ومرآة تعكس تطور المجتمع

فاللغة بمفرداتها هي المرآة  العاكسة للمجتمع وتاريخ تطوره، فالمفردات التي تدخل إليها وتولد فيها، لا يمكن أن تكون مجرد نتيجة داخلية للتحولات اللسانية أو اللغوية، بل هي نتاج تحوّلات اجتماعية أعمق من اللغة وأبعد أثراً. ونحن إن أردنا فهم كلمة وردت في بيت شعر عربي أو حتى في كتاب الله وسنة رسوله ، فالفهم هنا مرتبط بدلالة الكلمة أيامها .

هنرييت فالتر نشر كتاباً في فرنسا بعنوان: «أرابيسك، مغامرة اللغة العربية في بلاد الغرب». توصل فيها لكلمات فرنسية من أصل عربي، جلها يعود إلى العصور الوسطى وأن المفردات العربية التي انتقلت إلى اللغات الأوربية عموماً وإلى الفرنسية خصوصاً تنتمي في معظمها إلى الميادين التالية: الزراعة والمزروعات، والمواد الكيميائية، والفلك، والمراكب والحيوانات. فنقلت إليها كلمات وأسماء استعارتها هي من العربية: مثل: «محمت» (أي محمد)، «ولاية»، «حلاوة»، «وزير». وقد وجد كذلك أن بلاد فارس استعارت من العربية ألفاظاً تنتمي في معظمها إلى الدين الإسلامي والشريعة، مثل «تفسير»، «شيطان»، «عرفان»، «مسجد»، «قانون»، «محكمة» ، تَنْهَة: (من الفارسية تَنْها): خرج إلى البرية ليتنزه ويأكل (محيط المحيط) تنهة: بهو الاستقبال وهي في الأصل التركي الخلوة . أما في القرنين الماضيين، فإن أهم الكلمات التي انتقلت إلى اللغات الأوربية عموماً، والفرنسية خصوصاً: هي: عسكري، وفدائيين، وطالبان، ومجاهدين، ولبننة (من لبنان)، والقاعدة. وكلها تصطبغ بالسلبية في مفهوم الغربيين وثقافتهم . إلى الاتجاه المعاكس، أي إلى الكلمات التي جاءت من الغرب وحطّت رحالها في مدينة عربية واحدة دون غيرها، فإننا نتعرّف على الماضي التجاري أو الثقافي لها. فاللهجة العامية في مدينة طرابلس في شمال لبنان، على سبيل المثال، تشتهر بكلمات من أصل إيطالي، مثل «الأسكلة» (الميناء)، «أسكربينة» (حذاء)، «بازابورتو» (جواز سفر)، «أبوكاتو» (محام). وهذا ما يعود بنا إلى القرن التاسع عشر . ولذلك كانت تسمّى في لغات البلدان الأوربية الغريبة الواقعة على البحر الأبيض (الفرنسية والإيطالية والإسبانية والمالطية) بكلمات هي ترجمة عن الإنجليزية «steam boat» وهي تُلفظ «فابور» اختصاراً لكلمة «bateau a vapeur»، أي «مركب على البخار». وقد انتقلت الكلمة كما هي تقريباً إلى العربية، في شكل «وابور» أو «بابور».

ومَن منا لا يتذكر أغنية الموسيقار محمد عبدالوهاب:

«يا وابور قللي رايح على فين..
يا وابور قللي وواخدني لمين..»؟

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ــــــــــــــ

محيط المحيط - بطرس البستاني ص 75

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق