السبت، 20 مايو 2023

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

قصة ثمود ولنا أن نعتبر

كانت مَسَاكِنُ ثَمُودَ بِالْحِجْرِ بَيْنَ الْحِجَازِ، وَالشَّامِ، أما موطنهم ففي منطقة جازان في شبه الجزيرة العربية ، وبالتالي امتدت سيطرتهم على أراض شاسعة من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى غربيها، حتى وصل ملكهم إلى جنوبي الشام. وكانوا من ذوي قربى لقوم عاد، في النسب والسُّكنى، ولقد انقسم المجتمع الثمودي إلى طبقات حيث سيطرت تسع أسر، تعاهد رؤساؤها على ميثاق بينهم يؤهلهم لامتلاك الثروة والسلطة معاً. حازت بذلك الأسر التسع المرتبة المرموقة، بينما ظل الآخرون يعانون الظلم والهوان كطبقة مسحوقة ، عملت بالبناء والرعي وأعمال أخرى أقرب إلى السخرة منها إلى الكسب. وبينما كانت الأسر التسع تزداد مالا وجاها، كان الباقون يزدادون فقراً وهواناً. ولقد عبد قوم ثمود الأصنام والأوثان، وكان ملك الملك الأول من ملوكهم مائتي سنة، وهو عابر بن إرم بن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح. ثم ملك بعده «جندع بن عمرو» بن الذبيل بن إرم بن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح، وكان ملكه إلى أن هلك مائتي سنة وتسعين سنة، وهلك جندع هذا بعد أن كان من أمر صالح النبي صلى الله عليه وسلم . وكانت لهم أصنام يعبدونها، وكان أشهرَ تلك الأصنام صنم مشهور يُدعى «سَلِم»، فأرسل الله سبحانه وتعالى نبيه صالحاً  يدعوهم إلى عبادة الله الواحد الأحد، ويهديهم سواء السبيل. و جندع بن عمرو، هو الذي سأل سيدنا صالح ما سأل وقد أسلم فنجَّاه الله تعالى، واعتزلهم هو وأخوه، وقال:

كانَت ثمودُ ذوي عَزمٍ  ومكرُمةٍ ... ما إنْ يضامُ لهمْ في النَّاس من جارِ

فأَهلكوا ناقةً كانت لربهمُ ... قَد أنذَرُوها وكانوا غير أبرارِ

لقد اقْتَرَحُوا عَلَى  نبي الله صالحِ أَنْ تَخْرُجَ لَهُمْ مِنْ صَخْرَةٍ صمَاء عَيّنوها بِأَنْفُسِهِمْ، وَهِيَ صَخْرَةٌ مُنْفَرِدَةٌ فِي نَاحِيَةِ الحِجْر، يُقَالُ لَهَا: الكَاتبة، فَطَلَبُوا مِنْهُ  أَنْ يُخْرِجَ لَهُمْ مِنْهَا نَاقَةً عُشَراء تَمْخَضُ، فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ صَالِحٌ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ لَئِنْ أَجَابَهُمُ اللَّهُ إِلَى سُؤَالِهِمْ وَأَجَابَهُمْ إِلَى طُلْبتهم لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَتْبَعُنَّهُ؟ فَلَمَّا أَعْطَوْهُ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ، قَامَ صَالِحٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَى صِلَاتِهِ وَدَعَا اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، فَتَحَرَّكَتْ تِلْكَ الصَّخْرَةُ ثُمَّ انْصَدَعَتْ عَنْ نَاقَةٍ جَوْفاء وَبْرَاء يَتَحَرَّكُ جَنِينُهَا بَيْنَ جَنْبَيْهَا، كَمَا سَأَلُوا، فَعِنْدَ ذَلِكَ آمَنَ رَئِيسُ الْقَوْمِ وَهُوَ: "جُندَع بْنُ عَمْرٍو" وَمَنْ كَانَ مَعَهُ عَلَى أَمْرِهِ وَأَرَادَ بَقِيَّةُ أَشْرَافِ ثَمُودَ أَنْ يُؤْمِنُوا فَصَدَّهُمْ "ذُؤاب بْنُ عَمْرِو بْنِ لَبِيدٍ" "وَالْحُبَابُ" صَاحِبُ أَوْثَانِهِمْ، وَرَبَابُ بْنُ صَمْعَرَ ، وكان ل"جندع بْنِ عَمْرٍو" ابْنُ عَمٍّ يُقَالُ لَهُ: "شِهَابُ بْنُ خَلِيفَةَ بْنِ مُحَلَّاةَ بْنِ لَبِيدِ بْنِ حَرَاسٍ"، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ ثَمُودَ وَأَفَاضِلِهَا، فَأَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ أَيْضًا فَنَهَاهُ أُولَئِكَ الرَّهْطُ، فَأَطَاعَهُمْ . أقامت الناقة يحلبون من لبنها ما يعم شربه ثموداً كلها، وضايقتهم في الكلأ والماء، وكان في ثمود امرأتان ذَواتَا حسن وجمال، فزارهما رجلان من ثمود، وهما قدار بن سالف، ومصدع بن مفرج، والمرأتان عنيزة بنت غنم، وصدوف بنت المجبا. فقالت صدوف: لو كان لنا في هذا اليوم ماء لأسقينا كما خمراً، وهذا يوم الناقه ووردها الى الماء ولا سبيل لنا إلى الشرب، فقالت عنيزة: بلى والله لو أن لنا رجالًا لكفوْنا إياها، وهل هي إلا بعير من الإبل؟! فقال قدار: يا صدوف، إن أنا كفيتك أمر الناقة فما لي عندك؟ فقالت: نفسي، وهل حائل دونها عنك؟ فأجابت الأخرى صاحبها بنحو ذلك، فقالا: ميلا علينا بالخمر، فشربا حتى توسطا السكر، ثم خرجا فاستغويا تسعة رهط، وهم التسعة الذين أخبر الله تعالى عنهم في كتابه بقوله: * وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ * وقصدوا طريق الناقة في حال صدورها، فضرب قدار عرقوبها بالسيف، فعرقبها، وأتبع صاحبه الآخر العرقوب الآخر بسهمه . فخرت الناقة لوجهها، ووجأ قدار لَبَّتَها فنحرها، ولاذ السَّقْب بصخرة فلحقه بعضهم فعقره وفرقوا لحم الناقة، وورد صالح فنظر الى ما فعلوه، فوعدهم العذاب، وكان ذلك في يوم الأربعاء، فقالوا له مستهزئين: يا صالح، متى يكون ما وعدتنا به من العذاب عن ربك؟ فقال: تصبح وجوهكم يوم مؤنس- وهو يوم الخميس- مصفرة،

وبيوت ثمود الى وقتنا أبنية منحوتة في الجبال، ورسومهم باقية، وآثارهم بادية، وذلك في طريق الحاج لمن ورد من الشام بالقرب من وادي القرى، وبيوتهم منحوتة في الصخر بأبواب صغار، ومساكنهم على قدر مساكن أهل عصرنا، وهذا يدل على أن أجسامهم على قدر أجسامنا، دون ما يخبر به القُصَّاص من بعد أجسامهم، وليس هؤلاء كعاد . وكانوا ينحتون بيوتهم في الصخر . قال ابن خلدون : ويقال لأنّ أعمارهم كانت تطول فيأتي البلاء والخراب على بيوتهم، فنحتوها لذلك في الصخر، وهي لهذا العهد باقية . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ المُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، لاَ يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ» . ولو نظر المرء إلى تلك المنازل من بعيد فلا ترى إلا صخوراً. وكانت تلك البيوت قد صُممت من الداخل بطريقة صحية، يتداور في أرجائها الهواء، وتدخل إليها أشعة الشمس من الأعلى ومن الجنب. وحيث تشير جميع المصادر إلى شحّ الماء بواديهم، تفيدنا الاستكشافات الأثرية بأنّ القوم كانوا يحصرون مياه الأمطار بطريقة تحفظ لهم تلك المياه لاستخدامها في شربهم وشرب أنعامهم، وكانوا يحفرون من أجل ذلك حُفراً كبيرة يلوطونها بالطين من الداخل لكي لا تتسرب مياه الأمطار إلى باطن الأرض، تلك الحفر التي يسميها أهل اليمن «المصانع». ولاتزال إلى يومنا هذا آثارهم باقية، ومنازلهم خاوية. تلك ثمود، الحضارة العربية التي حباها الله بكل مقومات الدولة: الأمن والاستقرار، المال والجاه، السكن والسكينة، الماء والمرعى، صحة الأبدان والعقول. ولم يكونوا بكل هذا الفضل من الشاكرين، بل طغوا وتكبَّروا، ففسدوا وأفسدوا، فحق عليهم عذاب الله، وحاق بهم ما كانوا يفعلون... {أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)} (سورة هود: الآية 68)

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مروج الذهب ومعادن الجوهر – المسعودي (2/ 14)

صحيح البخاري (1/ 94)

البدء والتاريخ  - المقدسي (3/ 37)

الكامل في التاريخ – ابن الأثير (1/ 82)

مرآة الزمان في تواريخ الأعيان – سبط ابن الجوزي (1/ 360)

المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام – الدكتور جواد علي (1/ 331)


الوثن مصنوع من الحجارة، أما الصنم فمن غير ذلك؛ من الحجر الكريم أو المعدن النفيس.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق