الأحد، 17 أكتوبر 2021

ولا بدّ من شكوى إذا لم يكن صبر

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

ولا بدّ من شكوى إذا لم يكن صبر

وصور من الشكوى  وأدب الشكوى . ومن السيرة العطرة وسيرة السلف الصالح نتعلم

فرق بين أن تشكو إلى وتتشكي من ، وما أكثر صور الشكوى في أيامنا

وَمَا كَثْرَةُ الشَّكْوَى بِحَدِّ حَزَامِةٍ ... وَلا بُدَّ مِنْ شَكْوَى إِذا لَمْ يَكُنْ صَبْرُ

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُكَلِّمُهُ وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، مَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: « {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا» } [سورة المجادلة: 1[

مر رجل على يعقوب نبي اللَّه عليه السلام وقد سقط حاجباه على عينيه، وقد رفعهما بخرقة، فقال: يا نبي اللَّه، ما بلغ بك ما أرى؟ قال: طول الزمان، وكثرة الأحزان. فأوحى اللَّه إليه: يا يعقوب، تشكوني؟ ! قال: ربِّ، خطيئة فاغفرها.

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " كَانَ لِيَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخٌ مُؤَاخًى، فَقَالَ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا يَعْقُوبُ , مَا الَّذِي أَذْهَبَ بَصَرَكَ؟ مَا الَّذِي قَوَّسَ ظَهْرَكَ , فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي أَذْهَبَ بَصَرِي فَالْبُكَاءُ عَلَى يُوسُفَ , وَأَمَّا الَّذِي قَوَّسَ ظَهْرِي فَالْحُزْنُ عَلَى ابْنِي بِنْيَامِينَ , فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ , فَقَالَ: يَا يَعْقُوبُ , إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ , وَيَقُولُ لَكَ: أَمَا تَسْتَحِي أَنْ تَشْكُونِي إِلَى غَيْرِي؟ فَقَالَ يَعْقُوبُ: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ , فَقَالَ جِبْرِيلُ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَشْكُو يَا يَعْقُوبُ .

شكى الناس القحط لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، استسقى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ولما فرغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه من دعائه قال العباس: «اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب، ولا يكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك صلى الله عليه وسلم، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا بالتوبة، وأنت الراعي لا تهمل الضالة، ولا تدع الكسير بدار مضيعة، فقد ضرع الصغير ورق الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفى، اللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا، فإنه لا ييأس من رحمتك إلا القوم الكافرون» .

وعن عبد الله بن جعفرٍ، قال: لما تُوفِّي أبو طالبٍ؛ خرج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى الطائفِ ماشيًا على قدميه، فدعاهم إلى الإسلامِ فلم يُجيبوه فانصرف، فأتى ظلَّ شجرةٍ، فصلَّى ركعتين، ثم قال: «اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟! إِلَى عَدُوٍّ يَتَجَهَّمُنِي أَمْ إِلَى قَرِيبٍ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي! إِنْ لَمْ تَكُنْ غَضْبَانًا عَلَيَّ فَلاَ أُبَالِي، إِنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ، أَوْ تُحِلَّ عَلَيَّ سَخَطَكَ، لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، ولاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ» .

وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ الشَّكْوَى إِلَى الْخَلْقِ وَالشَّكْوَى وَإِنْ كَانَ فِيهَا رَاحَةٌ إِلا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ وَذُلٍّ وَالصَّبْرُ عَنْهَا دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةٍ وَعِزٍّ ثُمَّ إِنَّهَا إِشَاعَةُ سِرِّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ العَبْد وَهُوَ تُورِثُ شَمَاتَةَ الأَعْدَاءِ وَرَحْمَةَ الأَصْدِقَاءِ قَالَ الشَّاعِرُ

ونحن فما حيلتنا إن أردنا أمرًا وأراد الله أمراً.

لَا تَشْكُوَنَّ إِلَى صَدِيقٍ حَالَةً ... فَاتَتْكَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ

فَلِرَحْمَةِ الْمُتَوَجَّعِينَ مَضَاضَةٌ ... فِي الْقَلْبِ مِثْلُ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ

ونحن اليوم في أمس الحاجة للشكوى لا للبشر بل لخالقهم . دمار وتشريد . حرب وقتل ونهب ولعنترة : «الحرب أولها شكوى، وأوسطها نجوى، وآخرها بلوى» .

ولا تَلْحِ إلاّ مَنْ أَلامَ ولا تَلُمْ ... وبالبَذْلِ من شَكوَى صَديقِكَ فافتَدِ

عَسَى سائلٌ ذو حاجَةٍ إن مَنَعْتَهُ ... مِنَ اليَوْمِ سُؤالاً أن يُيَسَّرَ في غَدِ

وللخَلقِ إذلالٌ لِمَنْ كَانَ باخِلاً ... ضَنيناً وَمَنْ يَبْخَلْ يُذَلّ ويُزْهَدِ

ـــــــ

مسند الإمام أحمد (40/ 228)

المعجم الكبير للطبراني جـ 13، 14 (ص: 139)

الحيوان (1/ 133)

جمهرة أشعار العرب – القرشي (ص: 396)

حماسة البحتري (ص: 273)

العقد الفريد (1/ 86)

الجامع لعلوم الإمام أحمد - الأدب والزهد (20/ 248)

أدب الدنيا والدين (ص: 291)

هناك تعليق واحد: