الأحد، 20 سبتمبر 2015

القرآن الكريم إنساني النزعة

القرآن إنساني النزعة
فلا تبصر من ورائه إلا السمة الإنسانية المطلقة، فهو في كل ما يصدر عنه من عقيدة وأخلاق وتشريع وعظات، إنما يقدم من ذلك كله ثوبا قد فصّل على قدر الحقيقة الإنسانية كلها أينما وجدت وكيفما تنوعت.
ومهما نظرت في هذا الثوب، فلن تجد فيه أيّ مظهر لطابع البيئة أو القبيلة، سواء في شكله أو جوهره.
ومن ذلك في التشريع:
فإذا أمعنت النظر، وجدت قانون كل أمة أو دولة أو جماعة من الناس، إنما يعكس طبيعتها وأعرافها ويتجاوب مع ظروفها فشريعة كل أمة إذا تعبير عن حاجتها ومتطلباتها فقط دون أيّ نظر إلى ما وراء حدودها.
غير أن التشريع القرآني لا تجد فيه أيّ منزع إلى عرق أو طائفة أو جماعة ... وإنما هو ينبثق عن أسس ومبادئ إنسانية مطلقة، بحيث تأتي عامّة فروعه متطابقة معها في دقة واطّراد.
ولنضرب أمثلة لإيضاح هذه الحقيقة:
سورة النساء، من السور التي تفيض بالأحكام التشريعية المتعلقة بتنظيم الأسرة وحقوق المرأة، ونظام الحكم، وتقويم العدالة وضبط حقيقتها. فانظر كيف بدأت هذه السورة بوضع الركيزة الأساسية لتلك الأحكام كلها، وكيف لفتت أنظار الذين سينصتون إلى هذه الأحكام التالية، إلى أن المنطلق إلى تقريرها ووجوب الأخذ بها إنما هو النظر إلى مصلحة الأسرة الإنسانية المطلقة دون أي التفات إلى الظروف المتنوعة والمختلفة للبيئات والجماعات.
وهذه هي الركيزة الأساسية:
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها، وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1).
فالمنطلق لتقرير كل الأحكام والتشريعات إنما هو الرحم الإنسانية العامة.
من روائع القرآن – الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي (ص: 216)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق