الخميس، 10 سبتمبر 2015

لا لكل أشكال التعقيد في حياتنا

لا لكل أشكال التعقيد
كلما تحول المرء نحو المدينة وزاد إقبال الحياة إليه زاد هو فيها تعقيدا حتى تتسع الشهوات وتتنوع ومن ثم يعد الحصول والتعامل معها نوعا من التمدن
منعت مرة أنا وزميل لي من الدخول لأحد مطاعم دمشق أيام الجامعة ، وكان السبب لبسنا ( الصندل ) وبلهجة المعرة ( الشحاط ) وكان جديدا وشبابياً ، ومع هذا طلبنا منا ارتداء الحذاء الرسمي 0عدنا وبالحذاء الرسمي
وهنا أقول ليست تعقيدات الحياة أمراً مستحدثا بل ، أمر عرف منذ عهد المدنيات عبر التاريخ ، ولعل من الطُّرف أن أحدثكم عن نموذج عربي وهو ما انتهى إليه الوزير المعروف المهلَّبي من تصنعه في تناول طعامه
فهم يذكرون أنه "كان إذا أراد أكل شيء بملعقة كالأرز واللبن وقف من جانبه الأيمن غلام معه نحو ثلاثين ملعقة ، فيأخذ منه ملعقة يأكل بها في ذلك اللون لقمة واحدة، ثم يدفعها إلى غلام آخر قام من الجانب الأيسر، ثم يأخذ أخرى فيفعل بها فعل الأولى، حتى ينال الكفاية، لئلا يعيد الملعقة إلى فيه دفعة ثانية
وهذا الصنيع المعقد يدل على ما انتهت إليه الحضارة العربية - في هذه العصور- من تجديد، وهو تجديد لا يتناول موادها والتنويع فيها؛ إنما يتناول وسائلها والتصعيب في طرق أدائها وما قد يكلف به الناس من التعلق بأشياء غريبة؛ فهم يغربون في حياتهم وتفكيرهم إغراب المهلبي بملاعقه، وكانت تكفيه ملعقة واحدة يتناول بها ما يريد؛ ولكنه كان يريد شيئًا آخر؛ غير تناول الطعام، وما الفرق بينه وبين بقية الناس إن أكل على طريقتهم بملعقة واحدة؟! إنه ينبغي أن يختلف عنهم وإلا ففيم وزارته؟ وفيم رقيّه عمن حوله؟ لذلك كنا نراه يشفع طعامه بشيء غريب هو هذه الملاعق التي يعقده بها؛ ولكنه تعقيد لا يضيف طرافة، إنما يضيف تصنعًا إن كان التصنع شيئًا طريفًا في ذاته.
الفن ومذاهبه في الشعر العربي (ص: 279)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق