الأحد، 26 يناير 2025

رحلة الإسراء والمعراج أوردها البخاري ومسلم رحمهما الله وسواهما

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة
إخوَتِي أَخَوَاتِي

رحلة الإسراء والمعراج

أوردها البخاري ومسلم رحمهما الله وسواهما

ويقصد بالإسراء الرحلة التي أكرم الله بها نبيه من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، أما المعراج فهو ما أعقب ذلك من العروج به إلى طبقات السماوات العلا ثم الوصول به إلى حد انقطعت عنده علوم الخلائق من ملائكة وإنس وجن، كل ذلك في ليلة واحدة. وقد اختلف في ضبط تاريخ هذه المكرمة الإلهية هل كانت في العام العاشر من بعثته صلّى الله عليه وسلم أم بعد ذلك. والذي رواه ابن سعد في طبقاته الكبرى أنها كانت قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا. وجمهور المسلمين على أن هذه الرحلة كانت بالجسم والروح معا، ولذلك فهي من معجزاته الباهرة التي أكرمه الله بها.

أما قصة ذلك فقد رواها البخاري ومسلم بطولها.عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار، ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه»، قال: «فركبته حتى أتيت بيت لمقدس»، قال: «فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء»، قال " ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل صلى الله عليه وسلم: اخترت الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء ، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال:  قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بآدم، فرحب بي، ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل عليه السلام، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا ، صلوات الله عليهما، فرحبا ودعوا لي بخير، ثم عرج بي إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم، إذا هو قد اعطي شطر الحسن، فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل عليه السلام، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قال: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإدريس، فرحب ودعا لي بخير، قال الله عز وجل: {ورفعناه مكانا عليا} [مريم: 57]، ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ فقال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم، فرحب، ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل عليه السلام، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم، فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال "، قال: " فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى الله إلي ما أوحى، ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم "، قال: " فرجعت إلى ربي، فقلت: يا رب، خفف على أمتي، فحط عني خمسا، فرجعت إلى موسى، فقلت: حط عني خمسا، قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف "، قال: " فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى، وبين موسى عليه السلام حتى قال: يا محمد، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة "، قال: " فنزلت حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه "

صحيح مسلم (1/ 145)

فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة (ص: 108)

 

كلمة عن الرسول والمعجزات:

يولع بعض الباحثين بالمبالغة في تصوير حياة النبي صلّى الله عليه وسلم على أنها حياة بشرية عادية، وذلك من خلال الإطناب في بيان أن حياته صلّى الله عليه وسلم، لم تكن معقدة وراء الخوارق والمعجزات، بل كان منكرا لها غير عابئ بها ولا ملتفت إلى المطالبين بها، وأنه كان يؤكد دائما أن المعجزات والخوارق ليست من شأنه وليس له إليها سبيل، ويكثرون في هذا من الاستشهاد بمثل قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ بحيث يخيل إلى القارئ أو السامع أن سيرته صلّى الله عليه وسلم كانت بعيدة كل البعد عن المعجزات والآيات التي يؤيد الله بها في العادة أنبياءه الصادقين. وإذا أمعنا في منبع هذه النظرية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، نجد أنها في الأصل فكرة بعض المستشرقين والباحثين الأجانب من أمثال غوستاف لوبون، وأوجست كونت، وهيوم، وجولد زيهر، وغيرهم. وأساس هذه النظرية عندهم وسببها، هو عدم الإيمان بخالق المعجزات أولا. ذلك لأن الإيمان بالله عز وجل إذا استقر في النفس، سهل الإيمان بكل شيء بعد ذلك ولم يبق شيء في الدنيا يستحق أن يسمى في الحقيقة معجزة. ثم تلقف هذه النظرية منهم، أناس من المسلمين، كان من سوء حظ العالم الإسلامي، أن جندوا كل مساعيهم وعلومهم للتبشير بأفكار أولئك الأجانب دون أي مؤيد سوى الافتتان بزخرف خداعهم وانخطاف أبصارهم بمظهر النهضة العلمية التي هبت في أنحاء أوربا. وكان من هؤلاء المسلمين الشيخ محمد عبده، ومحمد فريد وجدي، وحسين هيكل. ثم نظر محترفو التشكيك وأرباب الغزو الفكري، فوجدوا في هذا الذي يقوله بعض من المسلمين أنفسهم ما يفتح لهم آفاقا وميادين جديدة لغزوهم الفكري وتشكيك المسلمين بدينهم، يغنيهم عن وسيلتهم العتيقة. وسيلة الحرب المباشرة للعقيدة الإسلامية وغرس الأفكار الإلحادية في الرؤوس. فراحوا يروجون صفات معينة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم كالبطولة والعبقرية والقيادة في عبارات من الإعجاب والإطراء، ويبالغون في الوقت ذاته في تصوير حياته العامة بعيدة عن كل ما لا يدركه . العقل من المعجزات وخوارق العادات، كي يتم لهم إنشاء صورة جديدة للنبي صلّى الله عليه وسلم في أذهان المسلمين مع مرور الزمن، قد تكون صورة (محمد العبقري) أو تكون صورة (محمد القائد) أو تكون صورة (محمد البطل) ولكنها لا ينبغي أن تكون على أي حال من الأحوال صورة (محمد النبي والرسول) إذ تكون جميع حقائق النبوة بما يحف بها ويستلزمها من وحي.. وغيبيات وخوارق، قد قذف بها- بعامل هذا الترويج لألقاب العبقرية والبطولة البعيدين عن المعجزات والخوارق- إلى عالم ما يسمونه: الميثيولوجيا (الأساطير) ذلك لأن ظاهرة الوحي والنبوة تعتبران في رأس المعجزات. وحينئذ لا ينبغي أن يتصور- بطبيعة الحال- أي سبب لتكاثر مختلف الناس والأمم من حول الرسول وانضوائهم تحت لوائه وانسياقهم في دعوته، إلا التأثر بعبقريته ومقومات القيادة في حياته. وانظر! .. فإن هذا القصد الذي يهدفون إليه يتجلى واضحا في إشاعة كلمة (محمديين) كتسمية جديدة بدلا عن: مسلمين.

فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة (ص: 110)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق