السبت، 4 يناير 2025

سلمى بنت خصفة من أركان النصر في معركة القادسية

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إخوَتِي أَخَوَاتِي

سلمى بنت خصفة من أركان النصر في معركة القادسية

هي زوجة المثنى بن حارثة وزوجة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من بعده

على ألستنا أبطال القادسية نذكر ربعي بن عامر والقعقاع والمرأة النخعية التي استشهد أبناؤها الأربعة في معركة القادسية وننسب خطأ الأمر للخنساء ، وننسى المرأة التي كان لها من الأثر ما يوازي أبطال القادسية

فمن تكون سلمى بنت خصفة ) ؟ نحن نذكرها حين نذكر أنها أعطت فرس سعد رضي الله عنه لأبي محجن ، وليس من الحق أن يغيب اسمها عن قراء ودارسي التاريخ . هي لم تقاتل ولم يذكر المؤرخون أنها شاركت في قتال ، اختارها المثنى زوجة وجد فيها  رجاحة الرأي، وذكاء الأنوثة ، وحدة العاطفة ، وصلابة الارادة ، وصراحة الكلمة ، ولا ذكر عند المؤرخين لصفاتها الجسدية ، كان زواجها بالمثنى في مستهل خلافة أبي بكر وقد مضى خالد بن الوليد يخوض معاركه الظافرة في حروب الردة ، فما كانت بوادر النصر تلوح في الافق ، حتى أقبل المثنى يستأذن الخليفة في غزو العراق ! وتدبر الخليفة الأمر مليا ، وأشفق المسلمون من لقاء الفرس ، ولكن المثنى » أصر على رغبته مؤملا بالنصر ، فلم يجد الخليفة أمام هذا الاصرار الا ان ياذن له وسار المثنى " في بضعة آلاف مقاتل ، يريد أن يغلب جبابرة الفرس ... وسارت معه عروسه سلمی ، فما كان له قط غنى عنها ، وهي التي تمده بالزاد المعنوى للمعركة المقبلة وبلغ القائد مشارف العراق ، فلقيه الفرس بجيش حافل ، لم يكد يرى جيش المثنى في قلة عدده وتواضع سلاحه ، حتى استهان به، وكانت هذه الاستهانة هي الثغرة الأولى التي تلذ منها المثنى الى العراق ... وسعى رسوله إلى المدينة يحمل نبا النصر ويطلب المدد ليتوغل في سواد العراق ، في اللحظة التي جاء فيها رسول خالد ) من اليمامة ، يبشر بالقضاء الحاسم على المرتدين وما أسرع ما كتب أبو بكر الى خالد ، يأمره بالتوجه فيمن معه الى العراق ، ليلحق بالمثنى هناك عند « الأبلة »ودارت المعارك ، أشبه بمناوشات ، من الحيرة

الى الحفير ، الى كاظمة ، ثم كانت وقعة ذات السلاسل، وفيها ظفر المسلمون بالفرس ، فارتد المنهزمون شرقا ، ونزل خالد بموضع الجسر ، وسار المثنى في أثر الفرس ، حتى أتم الله الاستيلاء على سواد العراق .

استرد الفرس بعض أملهم الضائع ، فحشدوا جموعهم لقتال المثنى » ولكنه - على قلة ما معه - ظفر بالفرس في مسكن ،  ثم الانبار ، وبلغ المدائن ، وقد استبطأ المد الذي طلبه من الخليفة ، فانتهز فترة هدوء وقتي ، واتجه الى المدينة يرجو أن يأذن له الخليفة في الاستعانة بمن حسنت توبته من المرتدين ، اذ كانت معارك الشام قد حشد لها أكثر الجند ، وقدم المثنى المدينة وأبو بكر مريض ، فلم يكد رضى الله عنه يسمع حديث المثنى حتى استدعى عمر بن الخطاب ، وقال له : اني لارجو أن أموت من يومي هذا ، فاذا مت فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى ، ولا تشغلنكم مصيبة عن أمر دينكم ووصية ربكم .. واذا فتح الله على أهل الشام فاردد اهل العراق الى العراق. ومات ابو بكر ليلا ، فدفنه عمر ، وندب الناس مع المثنى. فتثاقلوا كراهة لقاء الفرس لشدة شوكتهم ، حتى قال المثنى : « أيها الناس ، لا عليكم هذا ، فإنا قد فتحنا ريف فارس وقلبنا على خير السواد ، ونلنا منهم واجترانا عليهم ، ولنا ان شاء الله ما بعدها .. فزايلهم ما كانوا يشعرون به من رهبة ، ولبوا النداء . لكن المثنى لم ينتظر حتى تتم التهيئة ، بل كر راجعا إلى العراق ، والمدد على اثره ، فجن جنون الفرس ، وادركوا أنهم أن لم يواجهوا المثنى بما لا قبل له به ، فلن تقوم لهم بعد ذلك قائمة . وبلغ عمر ما لقى المثنى من مقاومة الفرس ، فهم بالمسير الى العراق ، لكن مستشاريه نصحوا  له أن يبقى ويرسل الى المثنى مددا .. وراح عمر رضي الله عنه يستشير الصحابة ، فيمن يندبه قائدا للمدد ، فاجمعوا على اختيار الاسد سعد بن ابی وقاص. وهناك بموضع شراف » كان المثنى يعالج سكرات الموت من جرح أصابه في أخر معاركه . وسلمى الى جانبه تسهر على تمريضه ورعايته وتود لو فدته بروحها ، وكلما اشتدت عليه الوطأة ، راحت تُمني امراء چیشه بقرب شفائه ، وهي موقنة أن ساعته قد حانت ويسألها المثنى : هل جاء سعد بالمدد ؟  فتؤكد له أنه أوشك أن يصل ومات البطل ، ولم يصل سعد : والمعركة دائرة طاحنة وسلمی تكتم لوعتها وأساها ، وتأبى على الجيش ان يبکی قائده، وقد عاش بطلا ومات شهيدا . فاذا ما اجنها الليل ، راحت تجتر اشجانها و تسامر أحزانها ، ولم تفكر في أن تغادر الميدان ، بل أصرت على أن تبقى حيث استشهد البطل ، فكان وجودها كافيا لأن يلهب حماس جند المثنى ، وبشير فيهم أرادة النصر ! مع القائد الجديد وجاء سعد بن ابی وقاص وتبنى وصية المثنى ، وقد حملها اليه اخوه المعنى بن حارثة أحد أمراء الجيش المجاهد. وكان نمى إليه الوصية : " أن يقاتلوا الفرس على حدود ارضهم ، على أدنى حجر من أرض العرب ، ولا يقاتلوهم بعقر دارهم ، فان ينصر الله المسلمين قلهم ما وراءهم ، وان كانت الأخرى رجعوا الى فئة ، لم يكونوا أعلم بسبيلهم وأجرا على أرضهم الى أن يرد الله الكرة لهم ) .  قال الطبري وابن الأثير : فترحم سعد على المثنى ، وأوصى بأهل بيته خيرا . وابقى اخاه المعنى حيث هو في مركز القيادة ، أراد سعد أن يكرم أرملة البطن الشهيد ، وأن يصون مكانها ، فتزوجها أما هي ، فما كان الزواج بالنسبة لها ، الا اصرارا على البقاء في الميدان ، ومتابعة في النضال حتى يتحقق أمل شهيدها ويتم الفتح ، لم يكن الموقف هيننا عليها ، ومن الهوان أن تعاشر زوجا آخر بعده ، لكنها احتملت أن تجرع المر ، حتى لا يذهب جهاد المثنى هدرا . ويحتدم القتال يوم القادسية  ، ويتأزم الموقف وتساقط الشهداء على الأرض التي اكتفلت بالأشلاء وشرفت بالدماء وكان يوم أرماث شديدا على المسلمين ، وسعد راقد على فراشه لا يطيق الجلوس من الدعاميل وعرق النسا ، فهو مكب على وجهه وصدره ، يتلوى ألما ويتعامل جزعا وامر فنقل فراشه الى سطح القصر ، حيث راح يطل من بعيد على المعركة الطاحنة ، وغير بعيد منه وقفت سلمى » وهي تشهد ما يصنع الفرس بالمسلمين . وهناك في بيت القائد ، كانت سلمي تنتقل من شرفة إلى نافذة ، وتدور فوق سطح القصر هائجة متوترة ، وراحت تدور في انحاد القصر لا يقر لها قرارة حتى بلغت محبسا هناك ، قد ألقي فيه " أبو محجن الثقفي » مقيدا ، فما كاد يلمحها حتى توسل اليها أن تطلق سراحه ، وتعيره ( البلقاء ) فرس زوجها سعد ، واقسم لها بالله ليرجعن اليها في الليل ، عندما يهدأ القتال ، لتضع القيد في رجليه ! ويلج في الرجاء ، وهي لا تزال مترددة ، حتى اذا همت بالمسير ، قال في ألم وحسرة : فرقت له سلمى ، ففکت قيده ، ثم سعت الى حظيرة الخيل فجاءته بالبلقاء . وانطلق الفارس ، حتى شارف ميمنة العسكر ، فكبر ، ثم حمل على ميسرة الفرس ، فكر على ميمنتهم يقصف جنودهم ، وتعجب الناس منه وهم لا يعرفونه ، وقال سعد : لولا محبس ابي محجن لقلت هذا ابو محجن وهذه البلقاء ! وهتف القوم : لولا أن الملائكة لا تباشر الحرب قلنا انه ملك : والفارس فى شغل عما يقال : يذيق الأعداء كؤوس المنايا ، حتى انتصف الليل وتراجع المسلمون والفرس عن القتال ريثما يطلع النهار وافتقدوا الفارس القريب ، فلم يقفوا له على اثر ! ذلك لأنه عاد الى سلمى ، وما شكت لحظة في انه سوف يعود وتركها تضع القيد في رجليه ، وقبل أن توصد عليه باب محبسه : في أي شيء حبسك سعد ؟ والله ما حبسنی بحرام اكلته ولا شربته : ولكنني كنت صاحب شراب في الجاهلية ، وتعلم سلمى حاجة المعركة لأبي محجن وتخشى أن تخبر سعداً وحين راح القائد ، يفضى الى زوجته بخير ذلك الفارس القريب الذي قاد المعركة بالأمس ، وكيف بلغ ببعض الناس أن زعموه الخضر عليه السلام فتبسمت سلمى ضاحكة تقول : وهذا أيضا ما جئت استغفرك فيه ! فسألها متعجبا : او تعرفينه ؟ أجابت بلی ، انه أبو محجن الثقفي ، قد خاض المعركة على فرسك البلقاء ورجاني ان  أطلق سراحه، وأعيره فرسك ، فترددت ثم فعلت ، فهل تغفر ؟ قال : وأين هو الآن ؟ قالت :في القيد والمحبس ، فغفر له سعد وأطلقه .

قال أَبُو محجن الثقفي حين رأى الحرب:

كفى حزنا أن تدعس الخيل بالفنا ... وأترك قَدْ شدوا علي وثاقيا

إذا قمت عناني الحديد وغلقت ... مصاريع من دوني تصم المناديا

ــــــــــــــ

فتوح البلدان  - البلاذري (ص: 256)

تاريخ الطبري (3/ 542)

الكامل في التاريخ  - ابن الأثير (2/ 306)

تجارب الأمم وتعاقب الهمم – ابن مسكويه(1/ 336)

مرآة الزمان في تواريخ الأعيان  - سبط ابن الجوزي (5/ 172)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق