السبت، 16 سبتمبر 2023

العتاب حدائق المتحابين وفي المعرة يقولون : العتاب صابون القلوب

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

العتاب حدائق المتحابين

وفي المعرة يقولون : العتاب صابون القلوب

وليتنا في هذه الأيام نلجأ للعتاب تصفية للقلوب ودفعا للضغائن ، ورغبة في دوام مودة من الضياع ، نُعاتَب مَنْ تـُرجَى عنده العتبى ، ومَنْ يرجى عنده الرجوع عن الذنب والإساءة ، إلا أن الواقع اليوم مختلف فنحن نعاتب لنُذِل ، ولا نعاتب لتصفية النفوس . نلوم ولا يجدر أن نلام . نذم من كنا لا نصبر على بعده ، وكأن الشيطان اقتلع أسارير الحب من قلوبنا ، وجميل قول القائل :

وكنت إذا ما جئت أدنيت مجلسي ... ووجهك من ماء البشاشة يقطر

فمن لي بالعين التي كنت مرة ... إليّ بها في سالف الدهر تنظر

فلربما كان المنصب أو كانت الثروة سببا لتبدل الحال . وكان لمحمد بن الحسن بن سهل صديق قد نالته عسرة، ثم ولى عملا، فأتاه محمد قاضيا حقّا ومسلما عليه، فرأى منه نبوة وتغيّرا، فكتب إليه:

لئن كانت الدنيا أنالتك ثروة ... وأصبحت ذا يسر، وقد كنت ذا عسر

لقد كشف الإثراء منك خلائقا ... من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر

وقال آخر :

دَعَوْتُ اللَّهَ أنْ تَعْلُو عُلُوًّا ... كَعَرْضِ الأرْضِ أو طُولِ السَّمَاءِ

فَلَمَّا إِنْ عَلَوْتَ عَلَوْتَ عَنِّي ... فَكَانَ إذًا على نَفْسِي دُعَائِي

من الناس من مدح العتاب وهناك من ذمه ، قال إياس بن معاوية: خرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلما كان ببعض المناهل لقيه ابن عمّ له فتعانقا وتعاتبا، وإلى جانبهما شيخ من الحيّ يفن، فقال لهما: انعما عيشا، إنّ المعاتبة تبعث التجنيّ، والتجنّي يبعث المخاصمة، والمخاصمة تبعث العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة . وقالوا : العتاب حدائق المتحابين وثمار الأوداء، ودليل على بقاء المودة ، والدليل على الضن بالأخوة. وكان يقال: ظاهر العتاب خير من باطن الحقد. (وقال) أبو الدرداء: معاتبة الأخ أهون من فقده، ومن لك بأخيك كله . ومن أمثلة العتاب في القرآن :

ففي  سورة الجمعة (62) : آية 11 : وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) قَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ أَقْبَلَ بِتِجَارَةٍ مِنَ الشَّامِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَكَانَ مَعَهُ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ، وَكَانَ يَتَلَقَّاهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِالطَّبْلِ وَالصَّفْقِ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَتَرَكُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا أَوْ أَقَلُّ كَثَمَانِيَةٍ أَوْ أَكْثَرُ كَأَرْبَعِينَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَوْلَا هَؤُلَاءِ لَسَوَّمْتُ لَهُمُ الْحِجَارَةَ، وَنَزَلَتِ الْآيَةُ: وَكَانَ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ جُوعٌ وَغَلَاءُة سِعْرٍ فَقَدِمَتْ عِيرٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَسَمِعُوا بِهَا وَخَرَجُوا إِلَيْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوِ اتَّبَعَ آخِرُهُمْ أَوَّلَهُمْ لَالْتَهَبَ الْوَادِي عَلَيْهِمْ نَارًا»

يا رب فرج عن سورية وأهل سورية

ـــــــــــــــــــــــــ

المجتنى – الأزدي (ص: 40)

سنن الدارقطني (2/ 308)

تفسير ابن كثير (8/ 124)

تفسير الرازي (30/ 544)

التذكرة الحمدونية (5/ 31)

الدر الفريد وبيت القصيد - المستعصمي(5/ 437)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق