الثلاثاء، 12 سبتمبر 2023

حين تعرفك من لا تبالي بمن سألك وبماذا سألك ومن سيرة عمرو بن العاص رضي الله عنه لنا مثل وفي المعرة يقولون : إللي بيعرف أشو عندو ما بخاف

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

حين تعرف نفسك من لا تبالي بمن سألك وبماذا سألك

ومن سيرة عمرو بن العاص رضي الله عنه لنا مثل

وفي المعرة يقولون : إللي بيعرف أشو عندو ما بخاف

أعرف في المعرة شابا أبواه في منتهة السوء صفاتاً وسلوكا وهو على خير في سلوكه وصفاته ، لا يعتر من انتمائه ، ولكنه يعتز سلوكيا واجتماعيا بما هو عليه من صلاح ، وكان من طلابي واحد في منهى الأدب والذكاء سألته مرة أعلم أنك تعمل وتعطي والدك وتدرك أنه سيشتري بما تعطيه الخمر . فلم يدعني أكمل ! وقال في منتهى الأدب والاحترام هو والدي يا أستاذ . لقد تاب الأب غفر الله له ورحمه ، والطالب من خير الأطباء ويعمل في السعودية .

ركب عمرو بن العاص يوما بغلة له شهباء، ومضى على قوم جلوس، فقال بعضهم: من يقوم إلى الأمير فيسأله عن أمه وله عشرة آلاف؟ فقال واحد منهم: أنا، فقام إليه فأخذ بعنانه وقال: أصلح الله الأمير، أنت أكرم الناس خيلا فلم تركب دابّة قد شاب وجهها؟ فقال: اني لا أملّ دابتي حتى تملّني، ولا أملّ رفيقي حتى يملّني، إنّ الملالة من كدر الأخلاق، فقال: أصلح الله الأمير، أما العاص بن وائل فقد عرفنا شرفه ونسبه ومنصبه، فمن أمّ الأمير أصلحه الله؟ قال: على الخبير وقعت، أمي النابغة بنت حرملة من عنزة ثم من بني جلّان، سبتها رماح العرب فأتي بها سوق عكاظ فبيعت فاشتراها عبد الله بن جدعان ووهبها للعاص بن وائل فولدت فأنجبت، فإن كان جعل لك جعل فامض فخذه، خلّ عنان الدابة. وقد قيل إنها كانت بغيّا عند عبد الله بن جدعان، فوطئها في طهر واحد أبو لهب وأميّة بن خلف وهشام بن المغيرة وأبو سفيان بن حرب والعاص بن وائل، فولدت عمرا فادعاه كلهم، فحكّمت فيه أمّه فقالت: هو للعاص، لأن العاص كان ينفق عليها، وقالوا: كان أشبه بأبي سفيان. ودخل عمرو مكة فرأى قوما من قريش قد جلسوا حلقة، فلما رأوه رموه بأبصارهم، فعدل إليهم وقال: أحسبكم كنتم في شيء من ذكري، قالوا: أجل، كنا نميّل بينك وبين أخيك هشام أيكما أفضل، فقال عمرو: إنّ لهشام عليّ أربعة: أمه ابنة هشام بن المغيرة وأمي من قد عرفتم، وكان أحبّ إلى أبي مني وقد عرفتم الوالد بالولد، وأسلم قبلي واستشهد وبقيت.

وما أجمل قول عنترة وهو يصف أمه في قصيدة يبدؤها

حَكِّم سُيوفَكَ في رِقابِ العُذَّلِ    ...   وَإِذا نَزَلتَ بِدارِ ذُلٍّ فَاِرحَلِ

وَإِذا بُليتَ بِظالِمٍ كُن ظالِماً    ...   وَإِذا لَقيتَ ذَوي الجَهالَةِ فَاِجهَلي

وَإِذا الجَبانُ نَهاكَ يَومَ كَريهَةٍ    ...   خَوفاً عَلَيكَ مِنَ اِزدِحامِ الجَحفَلِ

فَاِعصِ مَقالَتَهُ وَلا تَحفِل بِها  ...     وَاِقدِم إِذا حَقَّ اللِقا في الأَوَّلِ

وَاِختَر لِنَفسِكَ مَنزِلاً تَعلو بِهِ    ...   أَو مُت كَريماً تَحتَ ظُلِّ القَسطَلِ

ثم يقول :

وَأَنا اِبنُ سَوداءِ الجَبينِ كَأَنَّها   ...    ضَبُعٌ تَرَعرَعَ في رُسومِ المَنزِلِ

الساقُ مِنها مِثلُ ساقِ نَعامَةٍ   ...    وَالشَعرُ مِنها مِثلُ حَبِّ الفُلفُلِ

وَالثَغرُ مِن تَحتِ اللِثامِ كَأَنَّهُ    ...   بَرقٌ تَلَألَأَ في الظَلامِ المُسدَلِ

وأنا ابن تلك المرأة السوداء التي تعايرونني بها والتي هي كأنها ضبعٌ تربى ونشأ في بقايا المنازل المهجورة، فكانت نشأةً شاقةً وعسيرةً وهذه المرأة لها ساقٌ مثل ساق النعامة خفةً وسرعةً، في السعي عل معاشها ومعاش من تعول، ولها شعرٌ مثل حَبِّ الفُلفُل، ولها ثغرٌ أي: أسنانٌ إذا رأيتها باديةً من تحت اللثام وجدتها تلمع كأنها برقٌ أضاء في وسط الظلام المسدل أي: المنتشر الواسع.

يا رب فرج عن سوريا وأهل سوريا

التذكرة الحمدونية (2/ 128)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق