الثلاثاء، 8 أغسطس 2023

شربة ماء جعلت ذي الرمة يهيم بمية ردحا طويلا من عمره

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

شربة ماء جعلت ذي الرمة يهيم بمية ردحا طويلا من عمره

جرت أحداث القصة مع نهاية القرن الهجري الأول

ذو الرمة

هو أبو الحارث غيلان بن عقبة ، الشاعر المشهور المعروف بذي الرمة، أحد فحولة الشعراء ، وهو أحد عشاق العرب المشهورين بذلك، وصاحبته مية ابنة مقاتل بن طلبة ، وذو الرمة لقب. يقال: لقّبته به ميّة؛ وكان اجتاز بخبائها وهي جالسة إلى جنب أمها فاستسقاها ماء، فقالت لها أمها: قومي فاسقيه. وقيل: بل خرق إداوته لمّا رآها، وقال لها: اخرزي لي هذه، فقالت: واللّه ما أحسن ذلك، فإني لخرقاء. قال: والخرقاء التي لا تعمل بيدها شيئا لكرامتها على قومها، فقال لأمها: مريها أن تسقيني ماء، فقالت لها: قومي يا خرقاء فاسقيه ماء، فقامت فأتته بماء، وكانت على كتفه رمّة؛ وهي قطعة من حبل، فقالت: اشرب يا ذا الرّمّة؛ فلقّب بذلك. وفي أحد الأيام  وقف ذو الرمة في ركب معه على ميّة، فسلّموا عليها، فقالت: وعليكم إلّا ذا الرمة ، فأحفظه ذلك وغمّه ما سمع منها بحضرة القوم ؛ فغضب وانصرف وهو يقول:

أيا ميّ قد أشمتّ بي ويحك العدا ... وقطّعت حبلا كان يا ميّ باقيا

فياميّ لا مرجوع للوصل بيننا ... ولكنّ هجرا بيننا وتقاليا

ألم تر أنّ الماء يخبث طعمه ... وإن كان لون الماء في العين صافيا

ومر محمد بن الحجاج الأسيدي قال : مررت على ميّة وقد أسنّت، فوقفت عليها وأنا يومئذ شابّ فقلت: يا ميّة! ما أرى ذا الرمة إلّا قد ضيّع فيك قوله حيث يقول:

أما أنت عن ذكراك ميّة مقصر ... ولا أنت ناسي العهد منها فتذكر

تهيم بها ما تستفيق ودونها ... حجاب وأبواب وستر مستّر

قال: فضحكت وقالت: رأيتني يا بن أخي وقد ولّيت وذهبت محاسني، ويرحم اللّه غيلان؛ فلقد قال هذا فيّ وأنا أحسن من النار الموقدة في الليلة القرّة في عين المقرور، ولن تبرح حتى أقيم عندك عذره ، ثم صاحت: يا أسماء، اخرجي؛ فخرجت جارية كالمهاة ما رأيت مثلها، فقالت: أما لمن شبّب بهذه وهويها عذر؟ فقلت: بلى، فقالت: واللّه لقد كنت أزمان كنت مثلها أحسن منها، ولو رأيتني يومئذ لازدريت هذه ازدراءك إياي اليوم، انصرف راشدا.

وقال ابن قتيبة في كتاب " طبقات الشعراء "  : قال أبو ضرار الغنوي  : رأيت مية وإذا معها بنون لها، فقلت: صفها لي، قال: مسنونة الوجه طويلة الخد شماء الأنف، عليها وسم جمال، قلت: أكانت تنشدك شيئا مما قال فيها ذو الرمة قال: نعم. ومكثت مية زمانا تسمع شعر ذي الرمة ولا تراه، فجعلت لله تعالى عليها أن تنحر بدنة يوم تراه، فلما رأته رأت رجلا دميما أسود، وكانت من أهل الجمال، فقالت: واسوأتاه، وابؤساه! فقال ذو الرمة :

على وجه مي مسحة من ملاحة ... وتحت الثياب العار لو كان باديا

ألم تر أن الماء يخبث طعمه ... وإن كان لون الماء أبيض صافيا

ومن شعره السائر فيها :

إذا هبت الأرواح من نحو جانب ... به أهل مي هاج قلبي هبوبها

هوى تذرف العينان منه وإنما ... هوى كل نفس حيث كان حبيبها

وأخبار ذي الرمة كثيرة، والاختصار أولى. وكانت وفاته سنة سبع عشرة ومائة، رحمه الله تعالى، ولما حضرته الوفاة قال: أنا ابن نصف الهرم، أنا ابن أربعين سنة، وأنشد  :

يا قابض الروح عن نفسي إذا احتضرت ... وغافر الذنب زحزحني عن النار

يا رب فرج عن سورية وأهل سوريا

ـــــــــــــــــــــــ

وفيات الأعيان ابن خلكان (4/ 11)

الأغاني – أبو الفرج الأصبهاني (18/ 259)

الشعر والشعراء – ابن قتيبة الدينوري (1/ 523)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق