الخميس، 21 أبريل 2022

لمسات بيانية في نصوص من التنزيل سؤال : ما دلالة استعمال الإسم مع الميت والفعل مع الحيّ في آية سورة الأنعام (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)) ؟

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَةٌ
إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

ولمسات بيانية في نصوص من التنزيل 
سؤال : ما دلالة استعمال الاسم مع الميت والفعل مع الحيّ في آية سورة الأنعام (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)) ؟

يقول الدكتور فاضل أحسن الله جزاءه : هناك قاعدة في اللغة: وهي أن الاسم يدل على الثبوت والدوام والفعل يدل على التجدد والحركة. فنلاحظ أنه عندما قال تعالى (يُخرج الحيّ) استعمل صيغة الفعل لأن أبرز صفات الحيّ هي الحركة واستعمل صيغة الاسم مع الميت (ومُخرج الميت) لأن أبرز صفات الميت السكون فاستعمل الاسم الذي يدل على الثبوت. وتختلف المسألة في آية سورة عمران (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)) والفرق هنا واضح من السياقين فسورة آل عمران كلها في التغيرات والأحداث التي تتجدد (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)) (إيتاء الملك ونزعه، تعز من تشاء وتذل من تشاء، تولج الليل وتولج النهار) كلها في التغيرات وليست في الثبات، أما آية سورة الأنعام فتبدأ في صفات الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)) ذكر صفات الله تعالى أولاً وقال تعالى (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)) وهنا نسأل لماذا قال تعالى (فالق الإصباح) و (جعل الليل سكناً) وما الفرق بين الإصباح والليل؟

الفرق هنا ظاهر لأن فالق الإصباح لم يُقيّده بأحد أو بمنتفع وهو فالق الإصباح سواء كان هناك من ينتفع أو لم يكن بينما قال (جعل الليل سكناً) قيّده بمنتفع وهو من يسكن فإن لم يكن هناك من يسكن وما يسكن لا يكون الليل سكناً وكذلك الشمس والقمر حسباناً لمن يحسِب فإن لم يكن هناك من يحسِب فلا يكون الشمس والقمر حسباناً. فالليل هنا لا يكون سكناً إلا إن وُجد من يسكن ومن يحسِب. فالأدوم هو فالق الإصباح أما جعل الليل سكناً فهو مُقيّد كما أسلفنا. ولو فرضنا أنه قد دُمّر كل شيء ولم يعد هناك أحد ينتفي عندها السكن والحسبان. الذي يحدد استعمال الاسم أو الفعل في القرآن الكريم هو السياق فالله تعالى مثلاً يصف نفسه مرة بأنه عالم ومرة عليم ومرة علاّم ومرة يعلم ولكل منها استعماله حسب ما يقتضيه السياق فنلاحظ أنه تعالى لا يستعمل " عالم "إلا مع المفرد (عالم الغيب) أما " علاّم " فلا يستعملها إلا مع الجمع (علاّم الغيوب) . فإذا كان السياق في التجدد والتغيرات يأتي بالفعل وإن كان السياق في الثبوت يأتي بالإسم فلابد من أن نضع الكلمة في سياقها. والكلمة لا توصف بأنها بليغة وإنما يقال عنها كلمة فصيحة لكن بلاغة الكلمة عندما تضعها في كلام وفي سياق. ولابد من معرفة قواعد اللغة العربية وأحكامها حتى لا نخرج من قواعدها عندما نتكلم عن القرآن ثم إن هناك خصوصيات في استعمال القرآن فعلى سبيل المثال القرآن يستعمل الريح في الشر والرياح في الخير إلا في موطن واحد قال تعالى (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) يونس) قال "ريح طيبة" ثم أتبعها بـ "ريح عاصف" وعليه ينبغي أن ننظر كيف يستعمل القرآن الكلمة في سياقها.

مثال آخر أن القرآن يستعمل "أوصى" للأمور المادية (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) يوصي من أوصى، ووصّى للأمور المعنوية (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) الشورى) وفي المرة التي استعمل فيها " أوصى " للصلاة أتبعها بالزكاة في قوله تعالى (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) مريم) .

وكذلك استعمال " آتينا " وَ " أوتوا " ففي موضع المدح يأتي بـ (آتيناهم) كما في قوله تعالى (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) البقرة) وفي معرض الذمّ يأتي بـ (أوتوا) كما في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) النساء) وقوله تعالى (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) البقرة) .

-------

لمسات بيانية في نصوص من التنزيل - محاضرات - الدكتور فاضل صالح السامرائي  (ص : 907  )



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق