الأربعاء، 8 مايو 2024

من حيل الحروب عند المسلمين ابتكار البطيخة البشرية وصورة من صور الحروب الصليبية دخول الصلبيين دمياط وعودتها للمسلمين

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

من حيل الحروب عند المسلمين ابتكار البطيخة البشرية

وصورة من صور الحروب الصليبية

دخول الصلبيين دمياط وعودتها للمسلمين

الحدث سنة 647 هـ 1249م كان حلم السيطرة على مصر يراود الفرنجة الصليبيين ، فجردوا لذلك حملة تفوق ما سبق من حملات في عدة أمور: في كثرة عدد الغزاة لعدد يفوق حد التصور، وفي ضخامة الأسطول ضخامة مما يبعد الشك في النصر ، وكان قائد الحملة هو لويس التاسع  ، خرج القديس لويس من بلاده بأسطوله الضخم وغزاته الكثيرين، قاصداً مصر، وكانت مركز المقاومة الإسلامية ضد الصليبيين، وكان أمله السيطرة على كامل تراب مصر . ووصل القديس وأسطوله وغزاته إلى دمياط، واستولوا عليها لسبع بقين من صفر، وهكذا تحققت أولى خطواته بالانتصار، ثم اندفع بأسطوله في النيل، وقد قدر هو وشياطينه وأسطوله أن الطريق قد فتح أمامهم إلى مصر، فلن يجدوا مقاومة، فقد هرب الجند منها وفتك الصليبيون بمن بقي منهم . لم يكد الخبر يصل الشعب في مصر يعلم بسقوط دمياط حتى نفر الناس عن ساق واحدة: الفلاحون والعربان والتجار والعمال للجهاد، وحتى اللصوص، خرجوا مع الجند، لا ليسرقوا الجند أو إخوانهم أبناء بلدهم، وإنما ليسرقوا الصليبيين، ويذبحوهم ذبح النعاج. ورتب الملك الصالح أيوب معسكراته لجيشه النظامي، وترك أبناء الشعب لحريتهم يفتكون بأعدائهم، أو يخطفونهم ويبعثون بهم إلى القاهرة ليحتفل بهم أهلها بالطريقة التي تروق لهم. ويشاء الله للصالح أيوب ألا يشهد بنفسه انتصار مصر على فرنسا، فقد كان مريضاً قبل إغارة الفرنسيين، ثم أخذ يشتد به المرض، حتى قضي عليه وهو يستعد للدفاع عن الدين والوطن، فتسلم الملك ابنه الملك المعظم تورانشاه. ظن الملك القديس الصليبي أن موت الملك الصالح أيوب بشرى خير لانتصاره على المصريين، فتحرك بشياطينه وأسطوله من دمياط، وتوغل في النيل جنوباً إلى القاهرة، وكانت تلوح أمام عينيه ألوية النصر تخفق فوق رأسه، يتقدم دون أن يحسب للمصريين حساباً، ولا يتوقع القادم من الأحداث ولا سيما في مدينة المنصورة ، وأنه سيؤول أمره إلى أن يصير حبيس بيت القاضي ابن لقمان، وأسير الطواشي صبيح فيبيع نفسه بيع السوائم للمصريين. ويتقدم الجيش بحرا عبر النيل يرافقه الرجالة برا . والجيش المسلم والناس معه سندا يواجهون الفرنسيس يخطفون الجند الفرنسي كخطف الرضيع ، ويرسلونهم زرافات للقاهرة . استنفد المسلمون حيلهم فما أصبحت تجوز على الصليبيين، فقد عرفوا حيلهم، واكتشفوا طرق خداعهم لهم، فتوقفت حركة الخطف، واطمأن الصليبيون على أرواحهم من الخطافين، فأخذوا ينتشرون أفرادا على الشاطئ يستمتعون بمنظر النيل. وفي ليلة مقمرة انفرد صليبي بنفسه، تائهاً في أحلامه، ولعلها أحلام الشباب، يفكر في محبوبته، أو لعلها أحلام القراصنة فهو يُمني نفسه بغنيمة ثمينة من أموال المسلمين، أو لعله ولعله، وفجأة... لمح بطيخة تطفو على سطح الماء، آتية من الشاطئ الإسلامي، وتتجه نحوه كأنها تقصده بالذات، فانفرجت أساريره، وانفرجت شفتاه عن ابتسامة الرضا، فهو في ليلة من ليالي صيف مصر الحار، ولعله، عندما لمح البطيخة العائمة، أحس بالعطش فجأة فهو في حاجة إليها، فأخذ يتابعها بنظره وهي تقترب منه، ولكن سرعتها أخذت تخفّ، وجريها يبطئ مما يدل على أنها لن تواصل سيرها حتى ترسو على الشاطئ، فخشي الصليبي أن يغير تيار الماء خط سيرها، فتضيع من يده، فشمّر عن ساقيه ودلاهما في الماء، حتى استقرتا على القاع. سار سيراً خفيفاً ، فلما أصبحت في متناول يده، مد يديه ليتناولها بهما، فما شعر إلا وقد جذبته البطيخة من يديه ودفعت به إلى الماء بعد أن كممت فمه، ثم سبحت به عائدة إلى الشاطئ الإسلامي، وانتظرت البطيخة صليبيا آخر منفرد يناجي نفسه، أو يناجي قديسه، وسبحت البطيخة ناحية الصليبي المنفرد، وأخذت تقترب منه وتجذب أنظاره إليها، ونجحت البطيخة في إغرائه بالإمساك بها. وخطا في الماء خطوات ومدّ يديه ليقبض عليها، فإذا بالبطيخة الشيطانة تقبض عليه وتجذبه إليها في عنف وقسوة وتكمم فمه، وتسحبه إلى المسلمين، ليروا فيه رأيهم، حتى إذا أسلمته إلى المسلمين عادت لتقتنص غيره.

لقد نجحت فيها هذه البطيخة العجيبة في تضليل الصليبيين وخيل إليهم أنهم اكتشفوا حيلة البطيخة الشيطانة حين دخل في روعهم أنها عفريت من عفاريت نيل الفراعنة، يتقمص شكل بطيخة ليصيدهم ويسلمهم إلى حلفائهم المسلمين، فداخلهم الرعب والفزع فانقطعوا عن الانفراد بأنفسهم إلى جانب النيل،  أما قصة هذه البطيخة التي استطاعت أن تقتنص عشرات من الصليبيين جنود الملك القديس؟ لقد نفذت حيل المسلمين في خطف الصليبيين فقد عرفها الصليبيون كلها فأصبحوا في منجاة منها. ولكن عزّ على فلاح من فلاحي مصر أن يترك أعداءه يستمتعون بخيرات بلاده، ويقاتلون إخوانه، تحت راية قديسهم، ويحتمون بأسطولهم الضخم، فأخذ يفكر في حيلة لخطفهم لم تخطر في بال أمهر الخاطفين، فكر ولكن قريحته لم تسعفه بحيلة جديدة، ويستمر بالتفكير ، اقتلع من أرضه بطيخة ليطفئ بها عطشه، وكانت البطيخة كبيرة وكبيرة جداً، وكان يريدها بطيخة صغيرة تكفيه وحدة، هز كتفيه، وخرج من أرضه ، وعاد إلى مكانه على الشاطئ، ثم استل سكينه فشق بها البطيخة نصفين، تناول أحدهما دون أن يقطعه وأفرغ ليه الأحمر في جوفه ثم أصبح أمامه مفرغاً كالطاسة، وتعلو وجهه ابتسامة الفرح ، فقد هدته هذه الطاسة البطيخة إلى حيلة لم يسبقه إليها أحد، ومد يده إليها ثم غطى بها رأسه، فإذا برأسه كالبطيخة، فلم لا ينزل إذن إلى النيل وليسبح تحت الماء، وليتقدم إلى كل صليبي منفرد ليغرر به، فإن الصليبي حين يراها سوف يظن أنها بطيخة حقيقية، فيمد إليها يديه ليأخذها، فيأخذه هو إلى حتفه. وجرب الفلاح التغرير بأعدائه مرات ومرات، حتى ظن أن الصليبيون اكتشفوا أمره فأبطلوا حيلته. لقد نجحت هذه البطيخة العجيبة في تضليل الصليبيين ومن ثم خيل إليهم أنهم اكتشفوا حيلة البطيخة الشيطانة حين دخل في روعهم أنها عفريت من عفاريت نيل الفراعنة، يتقمص شكل بطيخة ليصيدهم ويسلمهم إلى حلفائهم المسلمين، فداخلهم الرعب والفزع فانقطعوا عن الانفراد بأنفسهم إلى جانب النيل، وتركوا الاستسلام لأحلامهم بين الخضرة والماء ، وقبعوا في خيامهم لا يجرؤون على الخروج منها... نعود إلى الجيشين المتحاربين، حيث انتهى الصراع الدامي بانتصار المسلمين، وأسر الملك القديس وحبس في بيت القاضي فخر الدين إبراهيم بن لقمان – كاتب  الإنشاء- الذي وكل بحفظه الطواشي صبيح المعظمي، ثم باع نفسه من السلطان تورانشاه بالتنازل عن دمياط ، وباع أسرى رجاله منه أيضاً بمليون قطعة من العملة الذهبية الفرنسية.  وكفى الله المسلمين شر الفرنسيين وقديسهم.

ــــــــــــــــــــــــــ

حضارة الإسلام، المجلد الثاني، العدد الثالث، أيلول 1961- ربيع الأول 1381 ص65-69

مرآة الزمان في تواريخ الأعيان سبط ابن الجوزية (22/ 407)

ذيل مرآة الزمان - اليونيني(2/ 203)

كنز الدرر وجامع الغرر  - الدواداري (7/ 198)

النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة – ابن تغري(6/ 240)






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق