الأحد، 5 مايو 2024

صور مشرقة من تاريخنا سليمان بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ . فتح خلافته بخير واختتمها بخير : تتمة

 

صَبِيحَةٌ مُبارَكَة

إِخْوَتِي أَخَوَاتِي

صور مشرقة من تاريخنا

سليمان بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ . فتح خلافته بخير واختتمها بخير : تتمة

وذكروا أن سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك قدم المدينة، فأرسل إِلَى أَبِي حازم فأتاه، فَقَالَ له سُلَيْمَان: يا أبا حازم ما هذا الجفاء؟ قَالَ: وأي جفاء رأيت مني، قَالَ: أتاني أهل المدينة، ولم تأتني! قَالَ: يا أمير المؤمنين، وكيف يكون إتيان من غير معرفة متقدمة، وَالله ما عرفتني قبل هذا اليوم، ولا أَنَا رأيتك، فاعذر، قَالَ: فالتفت سُلَيْمَان إِلَى الزهري، فَقَالَ: أصاب الشيخ، وصدق، قَالَ سُلَيْمَان: يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟ قَالَ: لأنكم أخربتم آخرتكم، وعمرتم دنياكم، فكرهتم أن تنقلوا من العمران إِلَى الخراب قَالَ سُلَيْمَان: صدقت يا أبا حازم، كيف القدوم عَلَى اللَّه تَعَالَى؟ قَالَ: أما المحسن فكالغائب يقدم عَلَى أهله مسرورا، وأما المسيء فكالآبق يقدم عَلَى مولاه محزونا. قال أبو حازم: يا أمير المؤمنين إن بني إسرائيل ما داموا على الهدى والرشد كان أمراؤهم يأتون علماءهم رغبة فيما عندهم، فلما رئي قوم من أراذل الناس تعلموا العلم وأتوا به الأمراء يريدون به الدنيا استغنت الأمراء عن العلماء تعسوا ونكسوا وسقطوا من عين الله عز وجل، ولو أن علماءهم زهدوا فيما عند الأمراء لرغب الأمراء في علمهم، ولكنهم رغبوا فيما عند الأمراء فزهدوا فيهم وهانوا في أعينهم، فقال: الزهري: إياي تعني وتعرض بي فقال أبو حازم: لا والله ما تعمدتك ولكن هو ما تسمع؛ قال سليمان للزهري: هل تعرفه قال: يا أمير المؤمنين إنه لجاري منذ ثلاثين سنة ما كلمته، قال أبو حازم: أجل والله لو أحببت الله لعرفتني ولكن لم تحب الله فنسيتني، فقال الزهري: يا أبا حازم تشتمني! قال: لا، ولكنك شتمت نفسك، أما علمت أن للجار حقاً كالقرابة حقاً كالقرابة

قال سليمان بن عبد الملك لعدي بن الرقاع: أنشدني قولك في الخمر:

كميت إذا شجت، وفي الكأس وردة ... لها في عظام الشاربين دبيب

تريك القذى من دونها وهي دونه ... لوجه أخيها في الإناء قطوب

فأنشده؛ فقال له سليمان: شربتها ورب الكعبة! قال عدي: والله يا أمير المؤمنين، لئن رابك وصفي لها قد رابني معرفتك بها! فتضاحكا . وكان سليمان رحمه ينهى عن الغناء، وكان من الأكلة المذكورين . وحدث هِشَامِ بْنِ يَحْيَى بْنِ يحيى قال حدثنا أَبِي: ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَلَسَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي بَيْتٍ أَخْضَرَ عَلَى وِطَاءٍ أخضر عليه ثِيَابٌ خُضْرٌ، ثُمَّ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ فَأَعْجَبَهُ شَبَابُهُ وَجَمَالُهُ، فَقَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ صِدِّيقًا، وَكَانَ عُمَرُ فَارُوقًا، وَكَانَ عُثْمَانُ حَيِيًّا، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ حَلِيمًا، وَكَانَ يَزِيدُ صَبُورًا، وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ سَائِسًا، وَكَانَ الْوَلِيدُ جَبَّارًا، وَأَنَا الْمَلِكُ الشَّابُّ. فَمَا دَارَ عَلَيْهِ الشَّهْرُ حَتَّى مَاتَ. وقال لجارية عنده كيف ترينني ، فقال :

أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان

أنت خلو من العيوب ومما ... يكره الناس غيرك انك فاني

قال عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانٍ الْكِنَانِيِّ : لَمَّا مَرِضَ سُلَيْمَانُ بِدَابِقٍ قَالَ لِرَجَاءِ بْنِ حَيَوَةَ: مَنْ لِهَذَا الأَمْرِ بَعْدِي، أَسْتَخْلِفُ ابْنِي؟ قَالَ: ابْنُكَ غَائِبٌ، قَالَ: فَابْنِي الآخَرُ، قَالَ: صَغِيرٌ، قَالَ: فَمَنْ تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَسْتَخْلِفَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: أَتَخَوَّفُ إِخْوَتِي لا يَرْضَوْنَ. قَالَ: فَوَلِّ عُمَرَ، وَمِنْ بَعْدِهِ يَزِيدُ بْنُ عبد الملك، وتكتب كتابا وتختم عليه، وادعوهم إِلَى بَيْعَتِهِ مَخْتُومًا. قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتَ؛ ائْتِنِي بقرطاس، فَدَعَا بِقِرْطَاسٍ فَكَتَبَ فِيهِ الْعَهْدَ، وَدَفَعَهُ إِلَى رَجَاءٍ وَقَالَ: اخْرُجْ إِلَى النَّاسِ فَلْيُبَايِعُوا عَلَى مَا فِيهِ مَخْتُومًا، فَخَرَجَ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُبَايِعُوا لِمَنْ فِي هَذَا الْكِتَابِ، قَالُوا: وَمَنْ فِيهِ؟ قَالَ: هُوَ مَخْتُومٌ، لا تُخْبَرُونَ بِمَنْ فِيهِ حَتَّى يَمُوتَ. قَالُوا: لا نُبَايِعُ. فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: انْطَلِقْ إِلَى صَاحِبِ الشُّرْطَةِ وَالْحَرَسِ، فَاجْمَعِ النَّاسَ وَمُرْهُمْ بِالْبَيْعَةِ، فَمَنْ أَبَى فَاضْرِبْ عُنُقَهُ. فَفَعَلَ، قَالَ: فَبَايَعُوهُ عَلَى مَا فِيهِ. قَالَ رَجَاءُ بْنُ حَيَوَةَ: فَبَيْنَا أَنَا رَاجِعٌ إِذْ سَمِعْتُ جَلَبَةَ مَوْكِبٍ، فَإِذَا هِشَامٌ، فَقَالَ لِي: يَا رَجَاءُ، قَدْ عَلِمْتُ مَوْقِعَكَ مِنَّا، وَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ صَنَعَ شَيْئًا مَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَزَالَهَا عَنِّي، فَإِنْ يَكُنْ قَدْ عَدَلَهَا عَنِّي فَأَعْلِمْنِي مَا دَامَ فِي الأَمْرِ نفس حتى أنظر، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، يَسْتَكْتِمُنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَمْرًا أُطْلِعَكَ عَلَيْهِ! لا يَكُونُ ذَا أَبَدًا. فَأَبَيْتُ عَلَيْهِ فَانْصَرَفَ، فَبَيْنَا أَنَا أَسِيرُ إِذْ سَمِعْتُ جَلَبَةً خَلْفِي، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَالَ لِي: يَا رَجَاءُ، إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَمْرٌ كَبِيرٌ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، أَتَخَوَّفُ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَعَلَهَا إِلَيَّ وَلَسْتُ أَقُومُ بِهَذَا الشَّأْنِ، فَأَعْلِمْنِي مَا دَامَ فِي الأَمْرِ نَفْسٌ لَعَلِّي أَتَخَلَّصُ مِنْهُ مَا دَامَ حَيًّا، قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، يَسْتَكْتِمُنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَمْرًا أُطْلِعَكَ عَلَيْهِ! قَالَ: وَثَقُلَ سُلَيْمَانُ، فَلَمَّا مَاتَ أَجْلَسْتُهُ مَجْلِسَهُ وَأَسْنَدْتُهُ وَهَيَّأْتُهُ وَخَرَجْتُ إِلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: كَيْفَ أَصْبَحَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قُلْتُ: أَصْبَحَ سَاكِنًا، وَقَدْ أَحَبَّ أَنْ تُسَلِّمُوا عَلَيْهِ وَتُبَايِعُوا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، فَدَخَلُوا وَأَنَا قَائِمٌ عِنْدَهُ، فَلَمَّا دَنَوْا قُلْتُ: إِنَّهُ يَأْمُرُكُمْ بِالْوُقُوفِ، ثُمَّ أخذت الكتاب من عنده وتقدمت إليهم وَقُلْتُ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُبَايِعُوا عَلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَبَايَعُوا وَبَسَطُوا أَيْدِيهِمْ. فَلَمَّا بَايَعْتُهُمْ وَفَرَغْتُ قُلْتُ: آجَرَكُمُ اللَّهُ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. قَالُوا: فَمَنْ؟ فَفَتَحْتُ الْكِتَابَ فَإِذَا فِيهِ الْعَهْدُ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ بَنِي عَبْدِ الْمَلِكِ، فَلَمَّا سَمِعُوا: " وَبَعْدَهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ " كَأَنَّهُمْ تَرَاجَعُوا، فَقَالُوا: أَيْنَ عُمَرُ، فَطَلَبُوهُ فَإِذَا هُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَتَوْهُ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِالْخِلافَةِ، فَعُقِرَ بِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعِ النُّهُوضَ حَتَّى أَخَذُوا بِضَبْعَيْهِ، فَدَنَوْا بِهِ إِلَى الْمِنْبَرِ وَأَصْعَدُوهُ، فَجَلَسَ طَوِيلا لا يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ رَجَاءٌ: أَلا تَقُومُونَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَتُبَايِعُونَهُ، فَنَهَضَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ فَبَايَعُوهُ رَجُلًا رَجُلًا وَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهِمْ،

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: تُوُفِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي عَاشِرِ صَفَرٍ سَنَةَ تسعٍ وَتِسْعِينَ.

ــــــــــــــ

تاريخ بغداد – الخطيب البغدادي (6/ 582)

وفيات الأعيان – ابن حلكان(2/ 423)

بلاغات النساء – ابن طيفور (ص: 103)

تاريخ الخلفاء - السيوطي(ص: 170)

تاريخ الإسلام (2/ 1108)

العقد الفريد (4/ 121)

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق